الخطوط الحمراء



حنان بديع
2005 / 8 / 25

الخط الأحمر
اذا ما اعترفنا بأن أقوى الأسلحة على الاطلاق هي مفاتن المرأة .. فإننا لسنا بحاجة للاعتراف بأننا توقفنا طويلا أمام خبر قيام فنانة تشكيلية سوريه بخلع ثيابها في ساحة" واشانطن سكوبر بارك " ووقوفها عارية أمام وسائل الاعلام والسائحين،وقد كتبت على ظهرها باللغة العربية والإنجليزية عبارات تطالب بإيقاف الحرب في العراق وفلسطين .. وربما تمنى البعض لو كان الخبر أكثر تفصيلا وتصويرا..
لكنها خصلة دأبنا عليها..
أن نسارع الى بلع الأفكار ثم قبل هضمها نطلق اللعنات في كل الأحوال دون أن تخضع هذه الافكار والأخبار الى غربلة عقلية تمحيصية.
هذا ما فعلناه ونفعله دائما ونحن ممدون أمام أجهزة التلفاز نشاهد الفيديو كليب، هذا الفن الذي تلقفناه متأخرين منذ بدأه الغرب في أواخر السبعينات ونصر على أن نرى فيه وجه جديد للغزو الثقافي ومؤامرة لإعاقة التقدم وإفساد ثقافة المجتمع بأشكال اغترابية تعيدنا الى عصر الحريم، ونتجاهل أن هذه التقنية موجودة في المجتمعات الغربية منذ سنوات ولم تكن سببا للتخلف أو عائقا أمام التقدم العلمي او الانجازات العلمية.
هذا ما حدث .. ويحدث كلما صدمتنا أغنية شبابية هابطة أو مبتذله أو خبر صادم لتقاليدنا ومعاييرنا..
وهو ما حدث وتكرر مؤخرا في مواجهة خبر تعري الفنانة التشكيلية في واشنطن.
هذا الخبر وما تبعه من مقالات وتعليقات في الصحف المطبوعة والالكترونية والتي زادت عن الألف تعليق حيث كان الموضوع الأكثر قراءه ومتابعة..
فماذا علقوا قائلين؟
وما هي أهم التحليلات والنظريات التي تمعن في دوافع هذا التصرف الأحمق ؟
طبعا لم تكن هذه الفنانه المتظاهرة لتتوقع أن يشفع هدفها السامي دون تعرضها لهجمة واسعة لم يتعرض لها مثقف منذ زمن بعيد ..
أحدهم كتب بلغة عامية (اللي اختشوا ماتوا )
وأضاف أحدهم (أنها أرادت اظهار مفاتنها ليس الا وهي مدعاة للرذيلة )
وعلق آخر (أن العرى هو الارهاب بذاته) !
فيما بقي جمع من المثقفين مترفعا عن الرشق بالكلمات والاتهامات وارجع اهتمام الاعلام الغربي بالواقعة الى نظرية المؤامرة فلم يفعلوها الا نكاية بعقليتنا العربية التي تدعي ما ليس فيها وفي الغالب هي ليست سوى مأجورة لتشويه الصورة العربية!!
نحن بحاجة الى علم اجتماع خاص بعالمنا العربي..
وعلم نفس خاص بالعقلية العربية..
العقلية المضطربة التي تعاني من انفصام في الشخصية وتضخم الأنا ..
هذه العقلية التي تنتج كل مبررات المؤامرة على مجتمعاتنا الشرقية لسد الشعور بالنقص ازاء تهمشنا الحضاري..
لكن اذا كان التعري كنوع من الاحتجاج ليس بالأمر الجديد في التاريخ فما هو الجديد الذي فعلته هذه الفنانه العربية المغتربة بعد أن طلبت ألا يساء فهمها وهي تقوم بخطوة صادمه وغير متوقعه لتقول (لا للحرب) بطريقة فيها شيء من الفانتازيا .. أو على الأقل بطريقتها الخاصة كفنانه..
ما الذي فعلته هذه المرأة بتعبيرها الشاذ عن الألم النفسي أو برسالتها الجسدية الغاضبة ذات المضمون السياسي ؟
ألم يكن بامكانها أن تقول ما قالته بلافته ترسم أو تكتب عليها موقفها الرافض مرتديه ملابسها كاملة ؟
الم يكن بامكانها أن تصرخ وتتألم وتبكي على جدران لوحاتها في معرض تشكيلي مفترض ؟
وهل كانت ستصيب الهدف لو فعلت ؟
هل كانت وسائل الاعلام ستتناقل مضمون رسالتها بهذا القدر من الشغف والاهتمام ؟
المؤسف أن تظاهرها بهذا الشكل الفاضح الذي تخطت به الخط الأحمر لن يقدم أو يؤخر بل سيعيق تحركاتنا من أجل حرية المرأة العربية في شرقنا التعيس، حيث أسلوب هذه الفتاه غير مفهوم في عالمنا العربي ويتناقض مع رؤيتنا لمفهوم الجسد العاري، فهل هي امرأة عاهرة أم انسانه شجاعة ؟
وبعد أن فعلت وانتهى الأمر..
ما الذي حدث ؟
حدث أن حققت الهدف في واشنطن حينما جذبت أنظار وسائل الاعلام بلغة الجسد وهي لغة ملفته للانتباه في عرف الثقافة الغربية في مدينة احترفت الحرب احتجاجا على الحرب وبطريقة معيبة وقليلة الأدب وربما لا أخلاقية بالنسبة لثقافتنا الشرقية لكنها لم تكن سوى شماعتنا لنعلق عليها مبرراتنا في الهجوم، فنحن مجتمعات لا تشارك بالفعل بأي طريقة أو لغة لكن كلنا حماسة لكي نلعن صرختها الجريئة الوقحة بكل اللغات والألفاظ والشتائم.