الحجاب وتدمير التفكير واحتكار الحقيقة الأخلاقية



ناجح شاهين
2014 / 11 / 3

حوادث فظيعة في مدارس الوكالة(2)
الحجاب وتدمير التفكير واحتكار الحقيقة الأخلاقية

ليس من أحد يمتلك الحقيقة الكلية المطلقة. هذه هي القاعدة الذهبية في عصرنا التي نستند إليها في مبدأ حرية الفكر والتعددية. بالطبع لا تتفق مذاهب مثل داعش والقاعدة مع هذا الرأي. فالحقيقة المطلقة موجودة في حوزتها بتفاصيلها كلها. والغريب أن هذا الرأي الداعشي يجد أنصاراً له من ناحية التطبيق في كل مكان في وطننا العربي الممتد من المحيط إلى الخليج. ولسوء الحظ يمتاز المدرس والمدرسة في بلادنا بنزعة وثوقية تجعلهما متأكدين تماماً من أنهما لا ينطقان على الهوى.
في مدرسة من مدارس وكالة الغوث للبنات في رام الله، قامت مدرسة اللغة العربية والتربية الإسلامية بإجبار أكثر من عشر طالبات في الصف السادس الابتدائي على الوقوف مدة خمس وأربعين دقيقة بالتمام والكمال، لأن هؤلاء الطفلات نسين إحضار غطاء الرأس –المنديل- الذي يجب أن يرتدينه في حصة التربية الإسلامية. وأمام اعتراض واحدة من الصغيرات انهالت المدرسة على رؤوسهن جميعاً بالديباجة المعروفة في فكر داعش المتعصب، من قبيل: "الفتاة السافرة مثل الحلوى المكشوفة للذباب" أو "كل الرجال ترى أجسادكن وشعركن، فأنتن مشاع للجميع" و "الفتاة المسلمة لا يرى جسدها إلا رجل واحد، أما أنتن فمطروحات في السوق لشهوات الجميع." ثم قامت المدرسة بصب جام غضبها على الأهل الذين لا يقومون بواجبهم في إجبار بناتهم على لبس الزي المحتشم الأخلاقي الذي يدعو إليه الإسلام الذي هو الحق وكل ما عداه باطل وفاجر.
عندما قام بعض أولياء الأمور من أمهات وآباء بمراجعة مديرة المدرسة بخصوص ما جرى، بينت المديرة أن هذا أمر غريب، وأنها على الرغم من قناعتها بأن على الصغيرات ارتداء الحجاب في حصة التربية الإسلامية، إلا أنها عبرت عن عدم رضاها عن استخدام اللغة العدائية الهجومية بحق الناس الذين لا يلبسون الزي الشرعي. ووعدت بأن تتحدث مع المدرسة.
بد مغادرة أولياء الأمور للمدرسة، قامت المديرة باستدعاء الطفلات المعنيات بالموضوع، وأسمعتهن موعظة أخلاقية، حول قيامهن بنقل الأكاذيب إلى أهاليهن الجهلة الذين يتسرعون بالهجوم على المدرسة بدلاً من تعليم البنات مبادئ الصدق والأخلاق. ثم وجهت خطابها إلى إحدى الطالبات: "أنت بالذات تستطيعين أن تظلي مكشوفة للذباب، أما البقية فيجب أن يحضرن الزي الشرعي في كل مرة. مش على كيفكم وعلى كيف أهلكم." أما المعلمة فوضحت للصغيرات بأنها لا تخاف في الحق لومة لائم، وأنها بعد أن ترضي ضميرها بقول الحق، فإنها لا تخاف إلا الله، أما العبيد فهم أضعف من أن يسببوا لها أي أذى.
لا بد أن المدرسة ومديرتها على حق. إنها بالفعل هي القادرة على إلحاق الأذى، كل الأذى بأخلاق الطفولة البريئة، وقدرة عقولها الصغيرة على النمو العقلاني المرتكز على اكتساب مهارات التكفير وصولاً حد التدمير الشامل: إذ ما الذي يتبقى للعقل والتفكير والمحاورة والاستدلال، ما دامت المعلمة تمسك بزمام الإجابات الصحيحة في مستوى المحتوى للغة العربية، والتربية الإسلامية، وتضيف إلى ذلك امتلاكها المطلق الداعشي لمبادئ الدين، والأخلاق، والسلوك اليومي، وربما السياسة، والاقتصاد، وقضايا الاجتماع؟
لا جرم أن التفكير كله يجب أن يوضع في الدرج ويقفل عليه إلى الأبد، لأن المدرسة لديها حلول الأسئلة في المواضيع كلها. لكن هذا بالضبط هو فكر داعش الذي يبدأ باحتكار الحقيقة من ألفها إلى يائها، ثم ينتقل إلى قتل كل من يخالف هذه الحقيقة. ولا بد أن علينا أن نشكر المعلم المحلي، ومدرسة الوكالة، ووكالة الغوث ذاتها لأنهم يقدمون لنا الجواب التاريخي على سؤال: "من أين يأتي نبت داعش الشيطاني؟" والجواب واضح للعيان، إنهم يزرعونه في عقول الأطفال بسلطة القمع في المدرسة التي تتجاوز حتى مهمة تحقير عقول الأطفال وإلغائها، لتصل إلى مستوى هز السلامة النفسية لهم عن طريق الهجوم على أهلهم وذويهم. لا جرم إن هذه المدارس لا تزرع الحب، والأخلاق، ومبادئ العقل والتفكير، وإنما تزرع الكراهية، والتعصب الأعمى، وتلغي عمل العقل، وتقتل الذكاء والإبداع.
ترى هل من خطر على مجتمعنا في حال تم إغلاق هذه المصانع المحترفة في إنتاج الجهل والتعصب ونشرهما على أوسع نطاق ممكن؟