تجارب في تعديل القوانين.. هل تنال القبول من الشارع السوري؟!



علاء جوزيف أوسي
2014 / 11 / 30


كثر الحديث مؤخراً عن ضرورة تمكين المرأة وإزالة كافة المعوقات والقيود التي تعرقل تحقيق شراكة حقيقية لها في بناء المجتمع، فعلت الأصوات المطالبة بسن قوانين وتشريعات لتشكيل أرضية صلبة تنطلق منها المفاهيم الخاصة بحقوق الأفراد نساءً ورجالاً، خاصة أنَّ المرأة المقموعة - التي تحمل في رحمها الذكر والأنثى- لن تنتج إلا جيلاً مقموعاً منفصل الشخصية، وهو ما نحصد نتائجه اليوم جراء الأزمة الراهنة.

اقتراحات متعددة طرحت بغية تعديل منظومة القوانين وتحديد حقوق الفرد وواجباته، لكن رغم كل ذلك مازالت المرأة السورية تعاني حتى اليوم نظرة دونية وتهميشاً وإقصاءً عن المشاركة الفعالة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية، في ظلِّ قوانين تلحق الظلم بها وتجعلها غير مساوية للرجل، بالتزامن مع انتشار أسباب غير مباشرة لتهميش المرأة كالفساد والفقر والحروب.

من هذه الاقتراحات التي صدرت مؤخراً في إحدى مناطق الجزيرة السورية، والتي حملت بنودها الكثير من الخطوات التي تصب في صالح المرأة، وإن كان تطبيقها على أرض الواقع سيرتطم بالكثير من المعوقات لعدم تهيئةالمجتمع لمثل ذلك، ولكنه يعتبر خطوة في طريق إلغاء أي تمييز بحق المرأة، فالقوانين والتشريعات ستكون رافداً للوعي المجتمعي وتأكيداً لدوره وموقفه من المرأة، لكن السؤال هل سيقبل المجتمع بهذا التغيير؟! وهل تعتبر هذه الآلية صحيحة في تغيير القوانين؟! وأين الاشكالات التي وقعت فيها اللجنة التي عملت على تعديل وتغيير القوانين المتعلقة بحقوق المرأة والأسرة؟؟

عن التجربة الجديدة

بينت المحامية أمينة عمر رئيسة هيئة شؤون المرأة والأسرة الكردية في اتصال هاتفي إنَّ المرأة تعيش منذ آلاف السنين حالة من الظلم والحرمان والتهميش، واليوم وفي ظل الوضع الراهن وصلت المرأة لحالة من التطور الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، ووُجدت منظمات نسائية عديدة، فخلق هذا الوضع ضرورة ملحة لإصدار قوانين تحمي حقوق المرأة على أرض الواقع.

وأكدت أنَّ المجتمع يتطور للأمام دائماً، وكذلك حقوق الإنسان تتطور، وقالت: (يجب أن ننظر إلى حقوق المرأة كإنسان يعيش في هذا المجتمع ويشكل نصفه، وأن تكون لها حقوق مساوية للنصف الآخر الذي هو الرجل)، وشددت على العمل لتشكيل وعي عام تجاه حقوق المرأة والقوانين التي تمسها من خلال العمل على أرض الواقع مع النساء والرجال على السواء.

وبينت أنَّ إصدار قوانين كهذه خطوة جريئة، لكنها تتطلب جهوداً كبيرة من كافة المعنيين بقضايا المرأة، ويجب أن تتكافل جهود جميع المنظمات النسائية لتطبيق ذلك على أرض الواقع.

وبالنسبة لتعارض بعض بنود القانون مع الشريعة الإسلامية قالت: (على الرغم من معارضة بعض بنود قانون المرأة للشريعة الإسلامية إلا أن الكثير من القضايا في الإسلام كالرجم والجلد وقطع يد السارق لم تعد تطبق إلا في السعودية، وذلك نتيجة تطور المجتمعات والقوانين).

المشاكل في التنفيذ بعيداً عن المجتمع

للوقوف حول هذا القانون التقينا المحامية زينة طاما، التي شددت على ضرورة عدم الابتعاد عن المجتمع عند سن القوانين، بل يجب دراسة المجتمع من الداخل والانطلاق منه، وألا نعتمد على جزء من المجتمع ونبني عليه قوانين وفق تصورتنا، (علينا التفكير بالإنسان والانطلاق منه لبناء المجتمع، خاصة أنَّ واضعي القوانين يعتبرون 80% من مجتمعنا بعيده عن التطوّر، ولو أقصينا هذه الشريحة الكبيرة لن نصل لأي نتيجة).

وأكدت طاما أنه قبل صدور قوانين كهذه يجب أن يكون لدينا مجتمع جاهز لتقبلها، فلا يجب أن نصطدم مع المجتمع بسبب إصدار قوانين تخالف المتعارف عليه سواء في الشرع أو العرف الاجتماعي، حتى لا يكون مصير القانون الفشل، وقالت: (باتت المرأة هم الجميع، ولكن المرأة ليست المشكلة ولا تعدد الزوجات ولا غيره، بل تكمن المشكلة بالمجتمع، وبالمورث السائد فيه والعادات والتقاليد التي اختزنتها الأجيال).

ولفتت إلى أنه من السهل وضع القوانين ولكن من الصعب تطبيقها على أرض الواقع، خاصة مع غياب المحاسبة، والضعف الكبير للتربية والتعليم لدينا.

وأكّدت على أهمية توعية الجيل الجديد عن طريق التربية والتعليم بمفهوم القوانين المدنية وأهميتها بالتزامن مع العمل على توعية الأسرة، لأننا نريد أن ننشئ أسرة صحيحة.

القانون المطروح غير متكامل

وفيما يتعلق بالقانون المطروح بينت أنَّه غير متكامل، وسيخلق مشاكل جمّة في المجتمع، خاصة أنَّ الكثيرين سيعتبرونه مخالفاً للشريعة والدين، وبينت أنه عند وضع قانون لمنع تعدد الزوجات، فلن أصل إلى نتيجة، ولكن عندما أضع قانون مدني موحد أطبقه بالتوازي مع تطبيق الشرع، عندها يتجه كل إنسان صوب القانون الذي يفضله، وبالتدريج يتم استقطاب المجتمع صوب القوانين المدنية، وتساءلت كيف بإمكاني إلغاء تعدد الزوجات وكيف بالإمكان إلغاء المهر؟، وقالت: (لنعمل على رفع المهر على الزوجة وتحديد شروط كتوافر منزل مستقل لكل زوجة، ومن أراد أن يتزوج بأخرى فليتزوج أيضاً ولكن يجب تشديد الضوابط على تعدد الزوجات، كفرض ضرائب مالية من الدولة لمن أراد الزواج بأخرى الأمر الذي يحد من القضية بالتدريج، إضافة إلى منع الطلاق التعسفي، وتأمين منزل شرعي للزوجة وضمان حق الأولاد ونفقتهم لمن يريد أن يطلق زوجته السابقة».

وشددت على ضرورة العمل على هذه القوانين قبل العمل على تعدد الزوجات وسواه.

وبالنسبة لجريمة الشرف فبينت طاما أنها تحتاج إلى قانون منفصل، وأشارت إلى أنها لا ترتبط بدين معين، فهي ترتبط بالعادات والتقاليد السائدة في المجتمعات والتي تطبق من قبل مكونات المجتمعات على اختلاف طوائفها وانتماءاتها، وشددت على حاجتنا لقانون صارم وليس ظالم، بحيث يلزم الجميع بتطبيقه لصالح المرأة، وبالتوازي مع ذلك تفعيل التعليم والتربية ودعم المرأة، وبينت أنَّ القوانين التي تصب في صالح المرأة والمجتمع لدينا غير فعالة، وقالت: (يجب إيجاد قانون فعال، ولكن قبل تشريع القانون يجب التفكير بآلية تفعيله على أرض الواقع، حتى تهاب الناس القانون، لتطبيقه، وكخطوة لاحقة يأتي دور المجتمع المدني في التوعية وفي سن القوانين).

ولفتت إلى أن الأطفال والنساء والأسر الذين تضررواً نفسياً واجتماعياً جراء الأزمة، هم اليوم بحاجة قبل إصدار القوانين والحديث عن حقوق المرأة والطفل إلى تأمين قوتهم اليومي، ويجب التفكير بإيجاد قانون متكامل لهؤلاء، وكيفية تأهيلهم نفسياً ليساهموا في بناء بلدهم.

ونوّهت إلى استعداد بعض النساء للزواج حالياً من رجال متزوجين كزوجة ثانية أو ثالثة، نتيجة انخفاض أعداد الذكور، فيجب إخراج المرأة من أسر هذه الفكرة وإقناعها بأنها لا تعيش فقط لتتزوج، بل أن تكون فعالة في المجتمع ويكون لها دور.

ختاماً

لا بدّ من التنويه أن التجربة هي تجربة الأكراد في الجزيرة السورية، وهي أرض سورية تسري عليها القوانين السورية، وتطبيق هذا القانون يعد مخالفاً للدستور، وستنتج عنه مشاكل قانونية تتعلق بالتطبيق والتنفيذ لأن القوانين يجب أن تكون عامّة وشاملة، لكن كتجربة وكاقتراحات يمكن النظر بها كونها تضمن المساواة للمرأة وتضمن حقوقها على أن ترافق بالتنفيذ الجيد المتعلق بتدرجات التطبيق التي يجب أن تبدأ بالتقييد ومن ثمّ المنع كي لا تحدث شرخاً في المجتمع بل تنسجم معه وتحيك معه تغييراً تحتاجه الأسرة السورية في كل سورية.