تركيا :زعيم الحزب الإسلامي التركي الحاكم يتنكر للسيدات



التهامي صفاح
2014 / 12 / 2

سمعت الرجل في فيديو نقلته شبكة السي إن إن يقول أمام مؤتمر نظمته جمعية مدافعة عن حقوق المرأة في العاصمة التركية أنقرة الإثنين الماضي 24/11/2014 أنه "لا يمكنك أن تضع المرأة والرجل في موقع متساو ، فهذا عكس الطبيعة.على سبيل المثال لا يمكن وضع المرأة الحامل على نفس المستوى كالرجل .لا يمكنك أن تضع أُمًا تريد العناية بإبنها في نفس وضع الرجل الذي ليس له مثل هذه المسؤولية .لا يمكن أن تجعل المرأة تعمل في كل مجالات الوظائف التي يعمل بها الرجل كما فعل النظام الشيوعي .فذلك عكس طبيعتها الرقيقة ".
ثم قال المعلق الذي نقل الخبر في الفيديو أنه كان يقبل قدمي أمه عملا بالحديث النبوي"الجنة تحت أقدام الأمهات".
لقد عرفتموه ... إنه أردوغان الرئيس التركي الحالي.
الغريب أن القذافي في آخر أيامه قال شيئا مماثلا لما قال أردوغان ..إن المصلحة في مثل هذه التصريحات التي لا مسوغ لها ولا لون ولا رائحة تبدو بعيدة الإدراك لدرجة الإستحالة .. أو ربما فقط أنها تؤشر على قرب نهاية هؤلاء ..لا أدري. كلما تقدم أمثال هؤلاء في العمر أصبحوا يتكلمون في أشياء لم يتكلموا فيها من قبل و كأنهم إكتشوفوا أنهم ربما خُدعوا بالموافقة عليها من قبل؟ هذه التصريحات تعبر عن غباوة نادرة وبكلمات نادرة أيضا .
أغلب السياسييين يكونون درسوا القانون والعلوم السياسية و الإقتصادية وربما يمتهنون المحاماة .و إذا كان الأمر كذلك فكيف يتكلم رجل سياسة عن مساواة السيدات مع الرجال بهذه الطريقة وكأنه لا يعلم أن المساواة المقصودة لا تعني جعل الرجل سيدة و جعل السيدة رجلا أي إعتبارهما متطابقين بيولوجيا لأن هذا الأمرمستحيل عمليا و إختلاف الجنسين هو شيء بديهي لم يعد موضوعا يتحدث فيه العقلاء من السياسيين ، و إنما المساواة المقصودة هي المساواة القانونية أي إعتبار السيدات والرجال يتمتعون بنفس الحقوق و عليهما نفس الواجبات في الإمتثال للقانون أو في العقوبات ومن حيث المبدأ ليس هناك أي تمييز بينهما في تقلد المناصب الإدارية أو غيرها .هذا من حيث المبدأ .لأن الشخص هو الذي سيختار الوظيفة التي يريد و ليست مفروضة أي وظائف على المواطنين سواء كانوا رجالا أو سيدات .وإذا كانت أغلب الوظائف في الدولة و الأعمال تخضع لإختبارات ومباريات و بالتالي لإستعدادات نفسية و جسمانية وعلمية وغيرها ، فإن هذه المباريات هي التي تحدد مؤهلات الشخص بعيدا عن جنسه لتقلد تلك الوظائف .كما جميع الناس لا يذهبون كلهم لوظائف معينة بعينها ..و لربما نجد في بعض الوظائف النساء أفضل من الرجال والعكس قد يكون صحيحا أيضا في وظائف أخرى .وخير مثال وليس الوحيد في أوروبا هو الشعب الألماني الذي إختار المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل لقيادة رأس الدولة الألمانية الموحدة بعد سقوط جدار برلين لفترتين متتاليتين الآن عبر إنتخابات شفافة ونزيهة.
وإذا قبلنا جدلا بأن تصريحات أردوغان صحيحة فمعناه أننا نقبل القول بأن الشعب الألماني أهبل .
فهل شعب رابع قوة إقتصادية في أوروبا و أقوى جيش و أقوى ثقافة وأدب هو شعب أهبل؟
الشعب الألماني ليس أهبلاً. و إنجيلا ميركل المواطنة التي كانت تنتمي لألمانيا الشرقية قبل توحيدها مع الغربية قد حققت نجاحات غير مسبوقة في ألمانيا .لذلك إختارها الألمان مستشارة .لقد إختارها الشعب بسبب نشاطها الدؤوب لخدمة شعبها و بسبب مؤهلاتها الفكرية التي فرضت نفسها كأفضل مؤهلات وليس لجمالها أو لطبيعتها الأنثوية .فالشعوب الديموقراطية حقيقة تتكلم لغة الأرقام و الحساب و الإحصاءات و الإنجازات وليس لغة العواطف .
أما من حيث الطبيعة الرقيقة التي تحدث عنها أردوغان و عممها على السيدات فهذا ليس صحيحا .لأنه يمكننا أن نحدد بالإحصاء نسبة مائوية من السيدات غير الرقيقات اللواتي يمكنهن القيام بأعمال أكثر إتقانا يقوم بها عادة الرجال .و معلوم أن الإمكانيات المتوفرة اليوم كيمائية ورياضية و غيرها يمكنها تطويع جسم السيدة ليصبح أكثر صلابة وكفاءة للقيام بأعمال شاقة تتطلب صبرا أكبر ومقاومة أشد لا يقوم بها غير الرجال و ينجحن في المهمة .و هذا ليس عسيرا على إرادة السيدات إذا توفرت لديهن رغبة التصميم على الفعل.
صراحة التصريحات من هذا النوع الخالية من الفهم للقانون و ليس من الإحترام للسيدات تدفع دفعا للتساؤل عن الكيفية التي أدت بدولة علمانية مثل تركيا أن تنجب حزبا إسلاميا يقودها في هذا العصر ، بعد ما قلنا أن كمال أتاتورك زعيم حزب "تركيا الفتاة" المفكر الذي قطع مع الخلافة الإسلامية مبكرا في تركيا قد وضع البلد على السكة الصحيحة للأبد .ربما الفساد الذي عرفته الأحزاب العلمانية و المؤسسة العسكرية هو الذي أدى بأغلبية االشعب التركي لنبذها ليس حبا في الحزب الإسلامي وإنما هروبا منها بعد ملله و يأسه في قدرتها على تحسين أوضاعه و لم يجد أفضل .
ربما أردوغان لا يعرف أن بويضة السيدة هي المصنع الذي يتكون فيه الذكر والأنثى و أن الحيوان المنوي لا يساهم إلا بالتصاميم للصفات الذكورية على شكل حامض نووي فحسب ،و أن الذكور لا يرثون العضيات الخلوية لآبائهم الذكور و إنما عضيات أمهاتهم ،و أن المساواة القانونية المذكورة هي فقط رمزا للإعتراف للسيدات بحمل مشعل الحنان والحب وإستمرار النوع البشري.لذلك و عكس ما قال أردوغان ،في حالة الحمل والولادة تقدم للسيدات كل التسهيلات و يتم تعويضهن بآخرين في العمل ولا مشاكل تقديرا لهذا الدور البيولوجي في كل البلدان التي لا تناقش اليوم مساواة السيدات بالرجال.
و أخيرا فيمكن القول رغم كون أغلب الحكام في العالم ذكورا فإن الحاكمين الفعليين للعالم هم سيدات أنجبنهم و ربينهم أو بجانبهم أو كما يقول المثل "بجانب كل عظيم سيدة" .