ملوخية ، كوتا وبامبرز ..



قاسم حسن محاجنة
2014 / 12 / 5


في مدينتنا وبعض القرى المحيطة بها ، تُعتبر طبخة الملوخية بالدجاج ، الطبق الأهم في أيام الجُمع . وقد تصل نسبة العائلات التي تتناول هذه الوجبة في ايام الجمعة إلى ال- 90% من العائلات . هذا لا يعني بالضرورة غياب أطباق أخرى ، لكن يوم الجمعة يعني ملوخية ودجاج في منطقتنا ..
وقد أصبح من ضمن مهام ربة البيت قطاف اوراق الملوخية ، لكن في منطقتنا نستعمل كلمة خاصة لقطف الأوراق ، وهذه الكلمة هي "تقطيم " الملوخية ، أما المصدر اللغوي لكلمة تقطيم والأفعال المشتقة منها ، فهي مجهولة بالنسبة لي ، وقد أقوم ببحث لغوي لاحقا عن مصدر الكلمة .
وليس بمُستغرب أن يُشارك أفراد الأسرة جميعهم في تقطيم الملوخية التي تنوي العائلة "خزنها " لفصل الشتاء والذي تنعدم فيه الملوخية الخضراء ، كما لا بد وانكم تعلمون . ويتم في العادة تجفيف أوراق الملوخية "المُقطمة " ثم فركها باليد وغربلتها لتُصبح صالحة للتخزين وجاهزة للطبخ .
لذا فالعائلات تشتري عشرات الكيلوغرامات من أعواد الملوخية بأوراقها ، تقوم بتقطيمها ، تجفيفها ، فركها يدويا ، غربلتها ومن ثم خزنها في مرطبانات زجاجية أو بلاستيكية لكي لا تصيبها رطوبة تؤدي الى فساد طعمها .
ويُحكى أن طالبا ، يدرس في خارج البلاد ، في اوروبا حيث لا ملوخية ، حينما سافر لأول مرة ، زودتهُ أمه بكيس ملوخية "ناشفة " لكي يطبخ لنفسه طبخة ملوخية ، كلما عنّ على باله ذلك ، في بلاد الغربة . وأثناء تفتيشه في المطار قبل صعوده إلى الطائرة ،تم توقيفه للإشتباه بحيازته للماريخوانا أو الغراس !! وبعد جهد جهيد تم "تحريره " بعد أن اقتنع المفتش بأن ما في الكيس هو ، نوع من الخضار يؤكل ولا يُدخن ، لكنه وزيادة في الإحتياط صادر كيس الملوخية الناشفة ..!!
لكن الزراعة تطورت في بلادنا ، وأصبحت زراعة الملوخية تتم تحت الدفيئات ، لذا ففي هذه الأيام ، وتحديدا اليوم الجمعة ستكون وجبتنا ملوخية خضراء مع دجاج ، رغم أن الفصل شتاء ...!! فالحمد لله والفضل للتكنولوجيا الزراعية المتطورة في بلادنا ، فإننا نأكل ملوخية خضراء صيفا وشتاء ...!
لكن ، أختفت من حياتنا ، تلك " اللمة " العائلية حول كومة كبيرة من أعواد الملوخية ، والتي تغطي أكثر من نصف مساحة غرفة الجلوس في أمسية جماعية لتقطيم الملوخية ، يشترك فيها الصغير والكبير . ولا نستغرب إذا شارك الزوج زوجته في تقطيم الملوخية خصوصا في اول الحياة الزوجية أو في السن المتقدمة كدلالة على المودة والمحبة بينهما والحياة المشتركة التي تجمعهما (لكن يبقى أمر شراكة الزوج في التقطيم ، سرا عائليا !!) .
ومن ضمن الطقوس التي في طريقها إلى الزوال والمُرتبطة بالملوخية ، طقس "فرم " أوراق الملوخية يدويا وبشكل ناعم جدا ، فالميكسر الكهربائي يقوم بالدور الأن ، ولو أن طعم الملوخية المفرومة يدويا ، أزكى !! وكذلك طقس تقطيم الملوخية في طريقه إلى الزوال ، إذ يقوم بعض أصحاب حوانيت الخضار بالتعاقد مع بعض السيدات اللواتي لا يعملن خارج بيوتهن ، يتعاقدون معهن على "تقطيم " الملوخية ، "حفر" الكوسا ، " تبزير" البازلاء والفاصولياء و"تقميع " البامية ، طبعا مقابل أجر يقوم صاحب السوق بإضافته الى سعر الخضار "الجاهزة " للطبخ !! وربما يستبقي لنفسه شيئا من "أجرة " العاملات ..!!
لذا فالنساء العاملات ، لم يعُدنَ بحاجة إلى "قضاء " الساعات الطوال في التقطيم ، الحفر والتبزير.
لا أعلم ما هو الوضع في الأردن ، لكن النساء العاملات ، يحق لهُن أن يشترين ملوخية مقطمة وكوسا محفور وجاهز .
لكن ، هل زوجة النائب في البرلمان الأُردني، الذي أرسل عضوات البرلمان لتقطيم الملوخية ، هل زوجة سعادته ما زالت تُقطم الملوخية في البيت ؟؟ أم تشتريها مقطمة وجاهزة ..؟ أنا على ثقة بأنها تشتريها جاهزة، هي وغيرها من زوجات أعضاء البرلمان الذكور .. فهم قادرون على دفع الزيادة في سعر الخضار الجاهزة للطبخ ..!!
إذن ، لماذا هو غاضب على عضوات البرلمان ؟؟
هو غاضب عليهن وعلى من مكّنهُن من الوصول الى البرلمان ، لأنهُن يفضحن "تفوقه " الرجولي ، ويُثبتن بأنهن على قدم المساواة معه بل ويفضلنَهُ في مجالات كثيرة .
الذنب على الكوتا .......!! لكن من هو المسؤول عن وجود الكوتا ؟؟
أليس هو النظام الحاكم ؟؟ فلو لم يضمن النظام تمثيلا وبالحد الأدنى للنساء ، لما إستطاعت النساء الوصول إلى البرلمان في مجتمع ذكوري كالمجتمع الأردني ، وغيره من المجتمعات العربية .
وأثناء زيارة عائلية لي ، في الأردن ، والتي تزامنت مع الإنتخابات للسلطات المحلية ، أفرزت الإنتخابات عن تمثيل كبير للنساء . وقد وصلت نسبة التمثيل إلى الثلث من المقاعد .. وهي نسبة أعلى بكثير من نسبة تمثيل النساء في السلطات المحلية الإسرائيلية ..!! نعم لقد فرحتُ للأردنيات ..!!
وبما أن النائب المحترم لا يستطيع مهاجمة الحكومة والقصر ، فقد قرر مهاجمة النساء وهُنّ الحلقة الأضعف، كما تعلمون ..!!
لكن ، هل نسي سعادته ، بأن أُمه الفاضلة ، قد نظفت فضلاته وهو صغير ، ووقتها لم تعرف مجتمعاتنا البامبرز ، فهل سيرسل إبنته لتنظف "براز " الصغار إذا خالفتهُ يوما ما ؟؟!! والسؤال الأهم : هل هناك بامبرز للقاذورات التي تنطلق من أفواه البعض ..؟؟ ومن سيقوم بتنظيفها يا ترى ؟؟! النساء المحسوبات على حزبه الذكوري ؟! ربما .....