لكي لا تكون المرأة ضحية دون ثمن ...!



فواد الكنجي
2014 / 12 / 28

جرائم الاعتداء والاغتصاب هي من الأفعال الشنيعة تجرمها كل قوانين العالم وشرائع السماوية ، وتصنف جريمة الاغتصاب على أنها من الجرائم الجنائية التي تستحق عقوبات قاسية ،وأعتبر (الاغتصاب والاستعباد الجنسي) بموجب اتفاقية جنيف جرائم ضد الإنسانية و جرائم حرب باعتبارها عنصرا من عناصر (جريمة الإبادة الجماعية )عندما ترتكب بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة مستهدفة، ومع ذلك و رغم كل القوانين والإجراءات الدولية التي أنصفت المرأة لردع مرتكبي هذه الجريمة، ولتأخذ العدالة مجراها الطبيعي والحقيقي ضد مرتكبي العنف الجنسي ضد المرأة ، الا ان ولغاية الآن لا تزال جرائم الاعتداء والاغتصاب يحدث وعلى نطاق واسع في الحروب وفي نفس الوقت يتم الإفلات من العقاب أو من تقديم الجناة إلى المحاكم بسبب ان الدول تتعامل مع هؤلاء كعناصر معادية لدولة و كمقاتلين غزاة ومعتدين يتفننون في أساليب الحرب التدمير ، فعندما تتحرك الدولة او الدولة لقضاء عليهم يكون في سياق تصفية وجودهم وإبادتهم ، ولكن الخطورة تكمن حينما يتم إنهاء المشكلة بين طرفي النزاع بطرق سلمية فان مرتكبي جرائم الاغتصاب يفلتون من العقاب، وهنا تكمن المشكل ..!
فلاغتصاب كما هو معروف من اشد أنواع العنف الجنسي الممارس ضد المرأة في زمن الحروب و في كل المجتمعات ليس فحسب في المجتمعات الشرقية بل حتى في المجتمعات الغربية ، وعلى مر التاريخ، وهو في الوقت ذاته من أسوأ المخاطر التي قد تتعرض لها المرأة في الحروب والنزاعات المسلحة، وكيف حال في الحالة الداعشية التي أجندتها هي نشر الإسلام السلفي في المجتمعات الشرقية بقوة السلاح والقتل وفرض السلفية على هوية الأخر ومن هو ليس أساسا مسلما ، وضمن أجندتهم هي إباحة جهاد النكاح والسبي وإذلال المرأة الغير المسلمة او الغير المتمذهبة بمذهب الدواعش، لأنه أحد الأسلحة الخطيرة التي يلجأ إليها مجرمي الدواعش كوسيلة للتعذيب والإهانة، لا للمرأة فقط، وإنما للرجل أيضاً، باعتبار أن المرأة رمز للشرف والهوية في الشرق ، فهي عرضة لهذا النوع من العنف الجنسي أكثر من الرجل.
من هنا أخذت القوانين الدولية على عاتقها حماية النساء، في زمن الحرب، فهناك أكثر من عشرين اتفاقية عالمية بهذا الشأن، وجل هذه القوانين تخص المرأة والتي شرعت بعد جهد متواصل من قبل المجتمع المدني وضغطه من جهة، وبعض هيئات الأمم المتحدة والدول الأعضاء من جهة ثانية، فقد أصدر مجلس الأمن عام 2008 القرار (1820 ) الخاص بالعنف الجنسي المرتبط بالنزاعات المسلحة، "..إذ أصبح مجلس الأمن المسؤول عن السلم والأمن الدوليين، بتصنيف العنف الجنسي ضمن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، واعتمادا على ذلك طالب القرار المذكور بضرورة الحاجة إلى مشاركة المرأة في صنع القرارات ذات الصلة بالموضوع ومناقشتها..." ، وفي عام 2009 أي بعد عام على صدور القرار رقم( 1820 ) اعتمد مجلس الأمن الدولي القرار رقم (1888 ) والهدف العام منه هو تعزيز القرار( 1820) بتكرار المطالب نفسها بشان مرتكبي جرائم الاغتصاب والعنف ضد المرأة "... وتحديد أطراف النزاع المسلح المشتبه في ارتكابهم لجرائم الاغتصاب وغيره من أنواع العنف الجنسي، و تعيين ممثل خاص بالأمم المتحدة للعنف الجنسي أثناء النزاعات.." ولأن جرائم العنف الجنسي خلال النزاعات المسلحة لا تزال تحدث بانتظام وعلى نطاق واسع فقد قرر مجلس الأمن في عام 2010 " ..اعتماد القرار رقم( 1960 ) الذي قدم نظاما لمحاسبة المسؤولين عن تنفيذ القرارين( 1820- 1888 ) مع توفير أدوات مؤسسية لمكافحة الإفلات من العقاب، ورسم خطوات محددة للوقاية وتوفير الحماية من العنف الجنسي في حالات النزاع و بتحديد الأطراف المشتبه بهم، مع تكليف الأمين العام لإدراج أسمائهم في التقارير السنوية، ومن ضمن ذلك (التشهير بهم).."، ويضمن القرار مكافحة الإفلات من العقاب وتعزيز المساءلة، ويتضمن ذلك وضع نظم لمحاسبة ومحاكمة المشاركين في جرائم العنف الجنسي، وعدم السماح للعنف الجنسي أن يكون جزءاً من أحكام (العفو العام) عند البدء في عمليات السلام، وينبغي أيضاً أن يتم تعزيز المؤسسات الوطنية لتتمكن من جمع البيانات والأدلة اللازمة لملاحقة هذه الجرائم قضائياً.
وعليه فان جرائم التي يرتكبها تنظيم داعش في العراق بسبي النساء واغتصابهن واستبعادهن، يدرج تحت لوائح جرائم حرب ضمن قرار( 1960) ويجب إدراج ذلك في مذكرات تقدمها (الدولة العراقية) بعد ان يتم الاستقصاء والمتابعة لكل التقارير الإعلامية المقروءة والمرئية وإدراجها في مذكرة تقدمها الى الأمم المتحدة ليتم متابعة الجناة وملاحقتهم وكشف من كان يدعم ويمول هؤلاء المجرمين في مدينة الموصل العراقية بحق المرأة العراقية .
فالمعلومات التي تتسرب اليوم الى وسائل الإعلام والجهات الرسمية تشير حول الانتهاكات الخطيرة التي يرتكبها إرهابيو تنظيم (داعش) في العراق ، ليتبين أن إرهابيي التنظيم قاموا باستعباد واغتصاب المئات من الفتيات القاصرات في مدينة الموصل العراقية ، وربما الآلاف، خلال الشهور الخمسة الماضية من احتلالهم المدينة، في واحدة من أكبر عمليات الاستعباد في التاريخ الحديث - وهنا نحن نتحدث فقط بما حدث في الجانب العراقي ، لان هناك تقرير كشفت عن هذا ممارسات اللا خلاقة لتنظيم الإرهابي داعش مارسها في سبي والاغتصاب واستعباد المرأة ألسوريه في الجانب السوري - فالتقارير المصورة من قبل مقاتلي تنظيم داعش نفسه والتي بثها عبر مواقعهم على الانترنيت تبين حجم الجرائم الإنسانية التي ارتكبت بحق المرأة من الاغتصاب والاستعباد على أيدي مقاتلي تنظيم داعش، وهناك اليوم مقاطع فيديو و صور و أفلام توثيقه صورت مشاهد وأحاديث تدور بين مقاتلي دواعش تتحدث فيما بينهم عن مزايدات في بيع سباياهم من نساء العراق بشكل غير أخلاقي وتلك الأفلام صورت من قبل مقاتلي الدواعش أنفسهم كما ذكرنا ، وبثت عبر مواقعهم على الانترنيت ، ويمكن الاطلاع عليها ،وهناك ألاف من التقارير الصحفية كتبت من مواقع الحدث ، وهنا سنأخذ نموذج من تقرير و تحقيق صحفي مصور ومطول ورد في جريدة (التايمز البريطانية) يسط الضوء عن ما يرتكبه داعش من فضائح غير أخلاقية بحق المرأة حيث يذكر التقرير بـ" ..أن طفلات يبلغن من العمر 12 عاماً تم اغتصابهن مع أمهاتهن من قبل عناصر التنظيم، بعد أن تم تمزيق عائلاتهن، وتصنيفهن إلى مجموعات حسب العمر ودرجة التعليم، وما إذا كن قد سبق لهن الزواج أم لا، كما يتم التمييز بين الفتيات اللواتي سبق أن تم شراؤهن من قبل مقاتلين أو كنّ بحوزة أي من الإرهابيين كهدية أو جائزة أم لا، وهكذا ، فإنه يتم بيع الفتيات البالغات من العمر 12 عاماً فقط، أو أكثر أو أقل، مقابل مبالغ لتمويل إعمالهم الإجرامية في المنطقة ، فضلاً عن أن بعضهم يتم تقديمهن كهدايا أو جوائز للإرهابيين ويجبرن على ممارسة الجنس.
ويكشف تحقيق التايمز أيضاً وجود سوق لبيع وشراء النساء المستعبدات جنسياً، على أن السوق مفتوح للراغبين بالبيع أو الشراء، ويديره تنظيم داعش الذي نشر أيضاً دليلاً من أجل إسداء النصائح والتوجيهات للإرهابيين فيما يتعلق بالفتيات والنساء المستعبدات اللواتي يتم بيعهن وشراؤهن في السوق، وكيف يجب التعامل معهن، بما في ذلك كيفية معاقبتهن عندما يرتكبن خطأ ما.
وبحسب الدليل الذي نشره مقاتلو داعش في سوق العبيد، فإن ممارسة الجنس ممكنة مع الفتيات غير البالغات ولكن في ظروف معينة.
وتقول التايمز في تحقيقها، إنها التقت عدداً من الفتيات الهاربات من تنظيم داعش في العراق، حيث وصفن كيف يتم اختطاف النساء وجرهن من شعورهن، كما يتم فصلهن عن عائلاتهن ودفعهن في سيارات الشحن الكبيرة من أجل إرسالهن الى مراكز الفرز، ومن ثم يتم إهداء بعضهن لمقاتلين كجوائز، أو بيعهن، أو إحالتهن إلى السوق للبيع.
وتكشف الصحيفة البريطانية أن من بين من يقومون باستعباد واغتصاب النساء ، عدد من المقاتلين الأجانب المتحولين مؤخراً إلى الدين الإسلامي.."
وهذه الجرائم الداعشية، التي ترتكب يوميا في مدينة الموصل ومنذ احتلالهم لها في حزيران 2014 ، بلا ادنى شك ، تترك صدمات نفسية خطيرة في نفسية المرأة المغتصبة و الناجمة عن تعرضهن للعنف وللأعمال الوحشية والغير الأخلاقية ، وتخوض النساء والفتيات في مدينة الموصل العراقية تجربة الحرب بأبشع صورها بما يتعرضن لأعمال عنف جنسية وحشية والافتقار إلى سبل البقاء الأساسية والرعاية الصحية وفقدن الأمل لعودتهن الى أسرهن والخوف اذا ما عادوا في كيفية تعامل مع الأهل والمجتمع، بما ينتابهن من شعور بالإحباط والألم وندب حظوظهم بما ألت إليه أوضاعهن بعد ان تعرضوا الى أفعال شنيعة من قبل هؤلاء الأوغاد من مقاتلي الدواعش ، بكون العنف الجنسي هو أبشع ما تتعرض إليه المرأة ، وقد تعرضوا هؤلاء النسوة اليه ،والتي لها انعكاسات سلبية على أوضاعهن النفسية والأسرية والاجتماعية الى جانب نظرتهن الى الحياة والتكيف معها والاندماج مع مكوناتها المجتمعة من الأسرة والأصدقاء والأقرباء ..الخ ، إضافة الى ما تعرضوا إلى النزوح والتشرد وازدراء بهم من قبل هؤلاء الأوغاد الدواعش .
ومن هنا تأتي أهمية المعالجة النفسية والأسرية للضحية، بعد انتهاء هذه الأزمة والقضاء على هذا التنظيم الإرهابي وسحقهم وطردهم من العراق بتحرير كافة مناطقه التي دنسوها و أرعبوا نفوس المواطنين الأبرياء .
وعلى الدولة العراقية تسخير كافة إمكانياتها الطبية والنفسية وفتح مراكز لاستقبال المعرضين للعنف الجسدي والاغتصاب والاستعباد ليتم تأهيلهن نفسيا واجتماعيا من خلال مراكز او أقسام في المستشفيات الدولة لتأهيل المغتصبات بعرضهن للجان طبية علاجية متخصصة بمختلف الاختصاصات النفسية والطبية الأزمة ليتم اندماجهن بصورة سوية في المجتمع، بكون الحالة النفسية للمغتصبة تشوبها اضطرب وقلق وإحباط وهذا ما يجعلها أكثر عدوانية باتجاه المجتمع ومن حولها لما ينتابها من إحساس وشعور بأنها مرفوضة وان الكل ينظر إليها بنظرة دونية ، بعد ان انتهك جسدها وخصوصيتها، وهذا الإحساس سيجعلها أكثر انطواءا و اضطرابا وعدم التركيز والقلق والخوف الشديد من المستقبل ، من هنا تأتي أهمية إعادة دمج المغتصبة في المجتمع، وليس عزلها، لأن العزل يولد الإحساس بالذنب، وهنا تدخل الحالة في مراحل الألم النفسي والإحساس بالمعاناة والعذاب نتيجة ما حدث لها، ومن هنا لابد من وجود فريق طبي علاجي وباختصاصات نفسية ليتم التغلب على ما أصاب هؤلاء النسوة ، وعمل جلسات علاجية فردية وجماعية وهذا ما يجعلهن أسرع لشفاء لان العلاج الجماعي يترك لديهن انطباع في نفس كل واحدة منهن بأنها ليست وحدها من تعرضت لهذه المشكلة، وإنما توجد أخريات تعرضن للأذى نفسه .
وكذلك لا بد من تثقيف المجتمع نفسه عبر برامج التوعية والاستشارات الاجتماعية بفضل الستر على المرأة ، والعمل على تقيم هذه البرامج عن طريق تحليل نتائجها شهريا والاستفادة من التجارب الدولية في هذا الشأن أي في مجال مساعدة وتأهيل ضحايا الاغتصاب للاستفادة منها بما يلاءم واقع المجتمع العراقي .
و تكثيف جهود الدولة والمنظمات المرأة في داخل العراق وقيامهن بالتنسيق مع المنظمات الدولية لإصدار مذكرات دولية و الملاحقات قضائية ضد الجنات في كل بقاع العالم لكي لا يفلتوا هؤلاء المجرمين الدواعش من عقاب والقصاص بما ارتكبوه من جرائم قذرة بحق النساء والفتيات المسالمات .
ان تصاعد عدد المغتصبات في مدينة الموصل الى ما يزيد عن خمسة ألاف امرأة وفتات، ما يدعو اليوم جميع المنظمات الغير الحكومية والحكومية في عموم العراق و المنطقة والعالم إلى حشد جودهن في تقديم مذكرات احتجاج الى الأمم المتحدة لمتابعة هذا الموضوع عبر الخروج في التظاهرات احتجاجية للمطالبة بالتدخل لانقاد الفتيات ونساء العراق من أسرهن وسبيهن واستبعادهن من قبل فصائل الدواعش التي احتلت مدينة الموصل، والتنديد بالعنف ضد المرأة و المطالبة بتوفير الحماية وإنقاذهم مما يتعرضن لحالات الاغتصاب والسبي والبيع في الأسواق كجواري مستهينين بالمرأة وقيمها وإنزال القصاص على الجناة وملاحقتهم قضائيا لكي لا يفلتوا من جرائمهم دون عقاب ، وعلى المرأة العراقية والعربية في كل دول المنطقة حشد جهودهن في تظاهرات وعدم الانزواء والتقوقع والخوف والتردد لان الحقوق لن تأخذ الا بحشد الطاقات والمتابعة وتجنيد كل الوسائل الممكنة لنجدة أخواتهن الأسيرات في مدينة الموصل ، و استنكار الأعمال البربرية التي تقوم بها فصائل داعش الإرهابية بسبي النساء واغتصابهن في مدينة الموصل انتهاكا لحقوقهن ، حيث تتعرض الأسيرة للاعتقال والاغتصاب والسبي والبيع في الأسواق بما ينافي كل قيم الإنسانية حيث انتزعن من بيوت أزواجهن و ذويهن او أبنائهن ليتم انتهاك حقها بالاغتصاب والاعتداء بالضرب، حيث يعيشون ظروف صعبة وقاسية ويتذوقون آلام الجوع والعطش والمرض، فلابد للمرأة العراقية في بغداد وكافة المحافظات وفي كل مدن العالم إن يرسلوا رسالة احتجاج الى الأمم المتحدة وكل منظمات الدولية لكي يصل صوتها إلى العالم الحر بان سبايا العراقيات في سجون دولة داعش الإرهابية يخضعن لمعاملة وظروف صعبة جدا ويجب تحريرهن من قيود الأسر.
فمن غير معقول ان تمضي عدة أشهر على جرائم التي يرتكبها ويرتكبها داعش هذا التنظيم الإرهابي ضد المرأة العراقية في مدينة الموصل دون ان نرى تظاهرة دعم ومساندة للمرأة الأسيرة في سجون داعش حيث تنتهك خصوصيتها بأبشع الأفعال الغير الإنسانية وللا أخلاقية، فلابد من تكثيف الجهود لتحريك الرأي العام والضغط على المنظمات الدولية لتنفيذ التزاماتها اتجاه المرأة في مناطق النزاع لكي لا تكون المرأة ضحية دون ثمن .