المرأة ونظرية ( راحت علينا )



حميدة العربي
2015 / 1 / 6

في مجتمعاتنا التي تحرم المرأة من كل شئ جميل ومريح ومفيد، ولا تعترف ان لها حقوقا ودورا في الحياة ما عدا انجاب الذرية وخدمة الذكور ، تفرض تلك المجتمعات قيودا اضافية على المرأة غير القيود المتمثلة بالتقاليد الاجتماعية والالزامات الدينية والاوامر الذكورية والاعراف العشائرية .. الا وهي القيود النفسية ( المعنوية). وتمر المرأة عندنا بمرحلتين : الاولى ينظر فيها للمرأة على انها قاصر وغير قادرة على تحمل مسؤولية نفسها لذا فهي بحاجة الى ذكر ليسندها ويدير شؤونها! وهذه تبدأ من الولادة الى ما بعد الزواج وحتى سن الاربعين تقريبا.. والمرحلة الثانية، مرحلة ( راحت عليكِ ) وتبدأ عندما تتقدم المرأة بالسن ، فما ان تصل المرأة الاربعين ـ وربما اقل ـ حتى يعاب عليها اي شئ تقوم به وتقابل كل نشاطاتها بالنقد والاستنكار، فلا يحق لها ان تشارك في فرح او فعالية ترفيهية ولا يحق لها ان ترغب او تعجب بشئ ولا ان تلبس ازياء ملونة او حلي او مجوهرات، تعامل وكأنها بلا مشاعر او احاسيس او رغبات.. وذلك تحت مبدأ او نظرية ( انك اصبحت كبيرة في السن وراحت عليك الدنيا ) وعليها ان تعتزل الحياة وتعيش في عتمة وحزن بانتظار الموت.. والا توصم بصفة متصابية!
يبدأ الرجل ( الزوج ) ببث روح اليأس والانكسار داخل نفسية المرأة ( الزوجة ) كلما تقدما في السن، فيرسخ لديها فكرة سن اليأس واعراضه ( وهي فكرة ذكورية بامتياز، فاليأس الذي ينتاب بعض النساء سببه الرجل وليس التقدم في العمر ) لأن الرجل يمر بنفس السن ونفس الاعراض الا ان ما يخفف عنه هو الحرية ( الكاملة ) التي يتمتع بها حيث يقضي ما يشاء من الوقت خارج المنزل مع الاصدقاء في السهر والمرح والسفر وحتى الزواج او معاشرة أخريات!.. في حين تكدح المرأة بين جدران المنزل من الفجر حتى منتصف الليل، بين اشغال البيت المرهقة وتربية الاولاد وتحمل مسؤولية كل صغيرة وكبيرة، وبدل ان تجد العون والمساندة يقابلها الرجل بالحجود والنكران وعدم التقدير.. وان اشتكت او تذمرت فهي ناكرة او متمردة او نكدية.. فكيف لا تشعر باليأس والاحباط؟
وحتى الزواج ( والمفروض هو حلال ) تنتقد عليه المرأة كلما تقدمت في السن ولا يشمل ذلك الرجل مهما بلغ من العمر. ويساهم المتدينون في تحبيذ وترسيخ فكرة الزواج بالصغيرات ، لان العلاقة مع المرأة ـ بالنسبة لهم ـ جسدية فقط وليست حياة انسانية مشتركة بين اثنين ناضجين يعيشان معا ويكبران معا.. لذا فالرجل يرى المرآة تكبر وتشيخ في حين لا يرى نفسه كذلك ويدعي انه مازال فتيا حتى بعد السبعين . والرجل، بصورة عامة، يزداد تفكيره بالصغيرات كلما تقدم في السن ( ليوهم نفسه والآخرين انه مازال قويا ) لذا يقصي ( الكبيرات ) من امامه بشتى الوسائل والطرق اللاانسانية.
وبسبب الجهل الذي اغرقت به المرأة وقلة الوعي ـ او انعدامه ـ عند الكثيرات فقد تبنت المرأة نظرية ( راحت علينا ) وآمنت ان حياتها تتوقف بعد سن الاربعين ولذا نجدها تردد دائما وبكل مناسبة ان الحياة ( راحت علينا ) او ( لا نأخذ زماننا وزمان غيرنا) .. الخ من القناعات القمعية التي تبعد المرأة عن خضم الحياة وهي في اوج نضجها الانساني.
والكثير من رجالنا ( ونسائنا ايضا) يعتبرون الغرب مثالا سيئا للمقارنة لأنه ـ ببساطة ـ يمنح المرأة حرية واستقلالية وحقوقا مساوية لحقوق الرجل، وهذا ما لا يريده المجتمع الذكوري .. لأن منح المرأة حقوقها وحريتها واستقلالية قرارها يسحب بساط الهيمنة والتسلط من الرجل… فالمرأة ـ عندنا ـ استغلت للواجبات فقط، تبدأ حياتها خادمة للاب والاخوة, وبعد الزواج خادمة للزوج والابناء، وعندما تكبر في السن يتم الاستغناء عنها ـ كالآلة ـ تهمل وتركن في احدى زوايا البيت .. اما في الغرب فالمرأة تتقاسم كل شئ مع الرجل بالتساوي وتبدأ حياة جديدة بعد الستين ( ما يسمى بالعمر الذهبي ) حيث تتفرغ لنفسها بعد رحلة من المسؤوليات والعمل والتربية، فنجدها ترتاد الاندية الرياضية والمسارح وتشارك في السفرات والرحلات وتنتظم في دورات ادبية او فنية او اجتماعية، او تطوير هواية او امكانية معينة، او التطوع في اعمال خيرية.. اضافة الى اهتمامها بمظهرها وشكلها بمتابعة آخر الموضات واختيار الالوان البهيجة والحلي والاحذية المناسبة.. مع التسريحات وقصات الشعر الحديثة .. دون ان تسمع كلمة متصابية او عبارة ( راحت عليكِ ) او ( اولادك اطول منك ).. ولأن المجتمعات الغربية تتبنى فلسفة خاصة مفادها ان : الحياة فرصة قصيرة واحدة، يجب ان يستثمرها الانسان ويستمتع بها قدر ما يمكن، لذا تخلصوا من عقد التخلف وتجاوزوا كل ما يعيق تقدم حياتهم وانشغلوا بالانتاج والبناء والابداع ليعيشوا برفاهية وازدهار … في حين تتبنى المجتمعات الذكورية فلسفة الحياة من اجل الموت، فالانسان ـ عندنا ـ يتعذب ويعاني ويضطهد نفسه ويقمعها املا في حياة اخرى بعد الموت .. لذا لا يهتم بتحسين حياته وتطويرها ـ بالاختراعات والابتكارات والاكتشافات ـ يجتر الماضي ولا يعنيه الحاضر او المستقبل، مستهلك لا يفكر بالانتاج ولا يبالي حتى بالترفيه او التسلية ولا يسعى للاستمتاع بما توفره له الحياة. يفضل الانعزال على المشاركة والحزن على الفرح والبكاء على الضحك.. فبالتأكيد لن يسمح هكذا مجتمع للمرأة ان تعيش حياة طبيعية، وهي خصمه الوحيد القادر على دحره باسم الدين، الذي فسره لصالحه، والاعراف والتقاليد التي ابتدعها بنفسه وثبتها لتصبح قوانين جائرة، يعاقب بها المرأة على اي خطوة لا تعجبه او لا تصب في صالحه. والغريب ان المثقفين ودعاة الحرية يعرفون هذه الحقائق المرّة ويشيرون اليها وينتقدونها الا ان احدا منهم لم يتجرأ ويغير من واقع نساء بيته، الكل خاضعين ومستسلمين لارادة المتنفذين. اما الآن وبعد ان تعرض البلد الى الدمار والخراب والمجتمع الى اقسى الويلات والمصائب، اصبحت المطالبة بحقوق المرأة ومساواتها امرا ثانويا.. والحرية الشخصية ترفا يستكثرونه عليها.. وهنا تبرز اهمية دور منظمات المجتمع المدني ومنظمات حقوق المرأة ورافعي شعارات المساواة والحرية والعدالة.. في بث الوعي بين الرجال والنساء والصغار والكبار، حول حقوق المرأة في الحياة الطبيعية وحريتها ومساواتها في كل شئ.. والتصدي لمحاولات المتطرفين في فرض قوانينهم وثقافتهم على المجتمع .. وهذا لن يتم بالشعارات والندوات المغلقة وانما بحملات شعبية، جماهيرية، يشارك بهاالاعلام والمنظمات المدنية والوزارات المعنية والمدارس والجامعات والاوساط الثقافية كافة .. بمعنى ان القضية بحاجة الى ثورة ثقافية يشارك بها الجميع، ان كنا نريد بناء مجتمع مدني متحضر، فالموقف من المرأة هو مقياس تحضر الرجل والمجتمع معا.