عن المراهقة



عائشة خليل
2015 / 1 / 30

تعنى مؤسسة اليونسيف بشؤون الأطفال والمراهقين حول العالم، وتصدر الإحصائيات والتقارير الدورية عن أحوالهم المعيشية، من صحة وتعليم وتغذية ونمو وغيرها. ولقد أصدرت منظمة اليونسكو في شهر أكتوبر الماضي تقريرا عن حالات العنف ضد المراهقات في شتى أنحاء العالم، وتأتي أهمية الموضوع نظرًا لوفاة فتاة مراهقة كل عشر دقائق في أحد أصقاع الأرض نتيجة للعنف الممارس ضدها. هي إذًا ظاهرة تستحق الالتفات، حيث تكون مرحلة البلوغ هي أدق فترة في حياة الفتيات.

وحسب دراسة مؤسسة اليونسيف تشكل الوفاة نتيجة للعنف نسبة عشرة بالمئة من وفيات المراهقات ما بين العاشرة والتاسعة عشر على مستوى العالم. حيث يأتي العنف في المرتبة الثانية بعد الأمراض المعدية ليقصف بحياة54,000 مراهقة طبقًا لإحصائية عام 2012، ناهيك عن العنف الذي لا يؤدي إلى الوفاة، والذي تتعرض له ثلثي الفتيات ما بين العاشرة والرابعة عشر، أما ما بين سن الخامسة عشر والتاسعة عشر فتتعرض الفتيات حول العالم لمخاطر أكبر نظرًا لشيوع الزواج المبكر للفتيات صغيرات السن.

وتتعرض الفتيات ما بين العاشرة والرابعة عشر للعقاب البدني، حيث تتصدر دولتين عربيتين تلك القائمة بالتقرير: اليمن (ما يزيد عن 80%) ومصر (ما يقارب 80%). ولكن التقرير يسوق مؤشرا جيدا وهو انحسار الزواج المبكر للفتيات على مستوى العالم، حيث تبلغ نسبته في منطقة الشرق الأوسط حوالى 5%. وبالرغم من ذلك تتعرض نحو 40% من المراهقات المصريات ما بين 15 إلى 19 سنة للإيذاء البدني، يقع بنسبة تقارب 50% من الأزواج أو الآباء، وبنسبة تقارب 25% من الأمهات أو الأشقاء. كما يوضح التقرير النظرة السائدة حول الإيذاء البدني من الزوج لزوجته، حيث ترى حوالي 50% من الفتيات في تلك الفئة العمرية أن العنف يمكن تبريره في بعض الأحوال. وبالطبع فإن تلك النظرة تتفاوت ما بين الفتيات الحاصلات على قدر من التعليم وغيرهن. فالفتاة المتعلمة لا تنطبق عليها هذه النظرة بمثل انطباقها على الفتاة غير المتعلمة.

بالإضافة إلى ذلك تتعرض نحو 70% من الفتيات المراهقات في مصر للترهيب من الأقران (bullying)، والذي يتخذ في الأغلب أشكال ضغوط نفسية مثل التجاهل والمقاطعة، أو إطلاق الشائعات.

وبالنسبة لختان الإناث والذي تجرمه القوانين المصرية، وضح التقرير أن حوالي 80% من الفتيات المصريات ما بين 15 إلى 19 سنة تعرضن للختان، وهي نسبة تقل عن السيدات المصريات ما بين 45 إلى 49 والتي تفوق 90% في تلك الفئة العمرية، مما يؤشر إلى انحسار تدريجي لتلك العادة في مجمل القطر المصري.أما رؤية الفتيات المصريات لعادة الختان فهي تتوزع بالتساوي: ترى ثلث الفتيات وجوب استمرار العادة، بينما يرى الثلث الآخر وجوب القضاء عليها، ويتردد الثلث الأخير في هذا الشأن.

والتساؤل المنطقي بعد عرض هذه الإحصائيات المخيبة للآمال التي أوردها التقرير: عن ماهية الفتاة التي ينشئها المجتمع المصري؟ كيف ينشئها بهذا القدر من العنف (النفسي والبدني) ثم يتطلع لأن تكون نصف المجتمع لتبنى وتشيد؟ ماذا تبقى للفتاة بعد كل هذا التشويه في تلك الفترة الحرجة من حياتها؟ فترة المراهقة هي الفترة التي يبحث فيها الإنسان عن ذاته، ويتقلب بين توجهات مختلفة إلى أن تتوازن نفسيته فينطلق للإبداع. وهي الفترة الحرجة التي ينصح فيها علماء النفس الآباء والأمهات والمربين بضبط النفس أمام أهواء المراهق أو المراهقة، حيث إن التغيرات الفسيولوجية التي يمر بها الشاب أو الفتاة هي المحدد الرئيس للغريب من تصرفاته؛ كما ينصح علماء النفس القائمين على المراهقين بحثهم على طرق أبواب الإبداع المختلفة حتى يستقروا على إحداها؛ ويحثوهم أيضا على تحميل المراهقين والمراهقات لمسؤوليات تتناسب مع أعمارهم، حيث يتخذون القرارات، ويتحملون عواقبها، ويتعلمون من إخفاقاتها. بذلك فقط تتطور شخصية المراهق إلى النضوج الكامل. قد يكون علينا إعادة النظر في كيفية تنشئة الفتاة المصرية المراهقة لتصبح شخصية كاملة ناضجة وعضوا فاعلا في المجتمع. فالصحة البدنية والنفسية للمجتمع تبدأ بأفراده من مرحلة المراهقة وما قبلها.