ثقافة الجواري



سعد الله خليل
2005 / 9 / 12

لماذا نلقي اللوم على غيرنا، ونتهم الآخرين بالكيد لنا، والتآمر علينا؟ لماذا نتباكى على سوء حالنا، ونندب صباح مساء، وآناء الليل وأطراف النهار، حظنا العاثر، وماوصلنا إليه من قهر وبؤس، وهزيمة وفساد، وتخلف وانحطاط؟ لماذا لا نشرّح جثثنا وعقولنا، وثقافتنا ومفاهيمنا، لنشخّص أمراضنا، ونعرف داءنا، وأسباب موتنا في الحياة، وإقامتنا في سراديب نائية عن الزمان والمكان؟
ماذا ترانا نقول عندما تتقدم مجموعة من النسوان اليعربيات (المتعلمات)، بالتماس إلى ولي الأمر، يرجونه ويتوسلونه، ويكررون بكل حرارةٍ، التوسلَ والرجاء، كي لا يسمح للمرأة بقيادة سيارة، بحجة أن ذلك مروق على الدين، وابتذال وشر، ينشر الفتنة، ويحول المرأة إلى سلعة..! وأنه مخالف لطبيعتها ووظيفتها التي خُلقتْ لأجلها..! وأن مكانها الطبيعي- كي يرضى عنها الله- هو البيت، وعلى النساء أن يحتجبن فيه، ولا يبرحنه. وعلى الرجل أن ينفق عليها..!
وماذا نقول عندما تؤكد مجموعة أخرى من النسوان اليعربيات في بلد عربي آخر من خلال استطلاع للرأي، يؤكدن، وبكل ما يتوجب على الأَمَة من ذل وانكسار، وبكل ما لُقنت من خضوع وخنوع: أن من حق الرجل- حقا مطلقا- ضرب زوجته وتأديبها، كلما رأى ذلك ضروريا، ومن واجب المرأة الرضا والقبول، فهو سيدها، وبعلها*(ربها)، وهو أمانة أودعنه لديها حوريات الجنة، ولن يلبثن أن يستردّن أمانتهن..! ومن حق الرجل أيضا أن ينكح ما لذَّ له من النسوان وطاب، حتى عدد أربعة، أو ما ملكت يمينه، وأن يجمع بينهن. (* بعل إله بعلبك، وقد استخدم العرب اللفظة نفسها صفة للزوج، للدلالة على مكانته المقدسة لدى المرأة).
وما عسانا أن نقول أيضا، عندما تتظاهر مجموعة أخرى من النسوان اليعربيات في المغرب العربي ضد قوانين الأحوال الشخصية التي تكفل للمرأة حقوقها وكرامتها وحصتها من أملاك زوجها في حال الطلاق، وضد القوانين التي تدمج المرأة في برامج التنمية، وتجعلها امرأة حرة منتجة ذات كيان مستقل، مساوية للرجل في الحقوق والواجبات والأجور.
وماذا نقول أيضا، وهنا المصيبة أكبر، عندما تتظاهر مجموعة من النسوان اليعربيات (البرلمانيات) العراقيات، اللواتي يفترض بهن الدفاع عن حقوق المرأة وكرامتها ومشاعرها، والسعي لإقرار القوانين التي تكفل حريتها واستقلالها، ودمجها في المجتمع. عندما تتظاهر هؤلاء النسوان ضد القوانين التي تساوي بين الرجل والمرأة، وضد حق المرأة في الوصاية على أطفالها في حال الطلاق، وضد القوانين التي تعرقل نكاح الرجل لأربع نسوان، ويطالبن بعودة القوانين القديمة التي تشرع سيادة الرجل وتفوقه على المرأة..!
ما عسانا نقول في هكذا نسوان وهكذا مطالب وهكذا حالة؟ يقينا سنتذكر قول الشاعر: (الأم مدرسة إذا أعددتها...) ثم ننعي مستقبلنا، ونتمتم بانكسار: على النشء والعباد، والتقدم والأماني، والبلاد... السلام.
لماذا تستعذب هؤلاء النسوان حياة الجواري والإماء؟ كيف استطعن أن يتقبلن خنوعهن، ويصرّن على تعاستهن وشقائهن وذلهن، ويدافعن عنهما، ويشكرن الله على ما هنَّ فيه من خير وفير وأمان ونِعَم؟
من المسؤول عن غرس هذه القناعات والمفاهيم في نفوس فتياتنا؟ من المسؤول عن خلق هذا الشعور بالنقص والضعف والخوف، والذل والانكسار في نفوس بناتنا؟ من المسؤول عن إحساسهن بأنهن في مرتبة أدنى بكثير من مرتبة الرجل؟
من الذي حبب للمرأة العربية سجنها، وأوهمها بأنه جنتها ونعميها، وأقنعها بالتشبث به، والدفاع عنه؟
من الذي جعلها تتملق وتتوسل الرجل كي يقبل بها ويرضى عنها، فلا يتزوج عليها امرأة أخرى تقاسمها هذا السجن؟ مع أنها تعطيه الحق بذلك..!
من المسؤول عن ترسيخ القناعة في عقول فتياتنا بأنهن قد خلقن لمتعة الرجال وخدمتهم وإسعادهم؟ وأن
المرأة التي لا يرضى عنها الرجل، لا يرضى عنها الله والملائكة والأنبياء.!
من الذي جعل المرأة تشعر بالذنب، وبأنها سبب الخطيئة في الكون؟ بل سبب كل المصائب والبلايا، والزلازل والأعاصير والفيضانات التي اجتاحت، وتجتاح العالم؟ وأنه بسبب سلوكها، وتبرجها، وفجورها، تحل اللعنة الإلهية، ويعاقب الله الشعوب..!
كل بلاد العالم المتطور تقف على ساقين اثنين، إلا بلاد العربان بساق واحدة، ولذا لا تقوى على الوقوف. في كل بلاد العالم المتقدم، النساء شقائق الرجال. كريمات حرات، تدافع الدولة والمجتمع عن حريتهن وكرامتهن، وحقوقهن واستقلالهن. إلا في بلاد العربان، المرأة عورة من رأسها حتى أخمص قدميها. صوتها عورة، كفها عورة، وجهها عورة، ممنوعة من نور الشمس والهواء الطلق، والعمل. فخروجها للعمل فتنة، وتعليمها شر..!
ومع ذلك ندعي أننا لا نئد البنات، ونستغرب ونستنكر تخلفنا..!