مأساة النساء في الهند



فضيلة يوسف
2015 / 2 / 3

يُشار الى الهند أنها أكثر البلاد خطورة في العالم لتعيش فيه "الفتيات" ، نتائج الدراسات المثيرة للجدل التي أجرتها الأمم المتحدة التي بُنيت على أساس مجموعة من الإحصاءات الاجتماعية المؤلمة المتجذرة وتمسّ النوع الاجتماعي والطبقي ، والكثير منها يمكن ارجاعه للاستعمار البريطاني المدمر في القرن ال18 وسياسة "فرق تسد" الممنهجة المستخدمة من قبل البريطانيين..
في جميع أنحاء البلاد وفي أعلى وأسفل سلم الطبقات الاجتماعية فرحة الأبوة مشروطة بجنس الطفل المولود . إذا ولد صبي، تعمّ الفرحة الأسرة؛ واذا كان المولود أنثى ، يعمّ القلق وخيبة الأمل. والسبب الوحيد لذلك اقتصادي؛ عندما تتزوج الفتيات (لا تزال حوالي 70٪-;- من حالات الزواج في الهند تتم بالترتيب)، تدفع عائلة العروس مبلغاً من المال لأسرة العريس - سواء كانوا قادرين أم لا. هذا هو نظام المهر سيئ السمعة، وهو أسلوب غير قانوني يلفه الاستغلال المالي والعنف ، مثل أشياء أخرى كثيرة في هذا البلد الاستثنائي، وتم تكريسه بالتقاليد والثقافة (وغالباً ما تستخدم التقاليد والثقافة للحفاظ على التكيّف الاجتماعي ومقاومة التغيير) ، وقد حظرته الحكومة الهندية عام 1961. وحتى الآن، ورغم العدد الكبير من البيانات التشريعية الليبرالية النوايا، لا يزال النظام قائماً بلا هوادة. لا يزال قانون "حظر المهر" وبموجبه يواجه أي شخص يقدّم أو يتلقى مهراً السجن لمدة خمس سنوات وغرامة كبيرة، غير مطبق. وفي عام 1986 تم تعديل القانون وأُضيفت مادة توضح أن أي وفاة أو عنف ضد الزوجة في غضون السنوات السبع الأولى من الزواج من شأنه أن يُعامل على أنه عنف المهر. تؤدي البيروقراطية ، والفساد المنتشران في جميع المجالات في كثير من الإدارات والمكاتب الحكومية إلى عدم الثقة في الشرطة أو النظام القضائي، وإلى عدم الإبلاغ عن الغالبية العظمى من جرائم المهور، كما هو الحال مع جميع الجرائم ضد المرأة..
الجذور الاستعمارية الفاسدة
سنّ البريطانيون عندما تم تنصيبهم في الهند قواعد مختلفة لمراقبة وتقسيم الشعب الهندي.تُشكل اثنتان من هذه الأدوات التشريعية القمعية الجذور السامة لنظام المهر والاعتداء الجنسي على نطاق واسع. قدم الحاكم العام البريطاني، اللورد كورنواليس في عام 1793 "التسوية الدائمة في البنغال"، قانون واحد من العديد من القوانين التي تعرف باسم قوانين كورنواليس. وفرت هذه القوانين في الولايات المتضررة وسيلة لجمع الإيرادات وتمكين الملكية الخاصة في كثير من الحالات ولأول مرة وتسليع الأرض (كانت هذه الارض نظرياً ملكاً للملك ولا يمكن طرد أي أحد منها ،( الإمبراطورية : أصول الجريمة الثقافية) .كان البريطانيون يأملون أن يشجع ذلك أصحاب الأملاك على الإدارة الجيدة وتعزيز الاقتصاد الزراعي المحفوف بالمخاطر. ومع ذلك، تم تعزيز الانقسام الاجتماعي وتعرض الفلاحون الذين كانوا تحت رحمة أصحاب الأملاك لسوء المعاملة والاستغلال، أصبحت ملكية الأراضي وراثية وبالتالي حصرية، ودفع الضريبة إلزامي، بغض النظر عن المواسم الجيدة أو المجاعات. ، سمح حكام الولايات لمسؤول القرية (البانشاي) ب 10٪-;- من عائدات الضرائب يستخدمها لصالح القرويين قبل هذا القانون الجائر . تعمل القرية على نظام التبادلية التي شكلت مثل الغراء الاجتماعي، بعد هذا التحول [الذي فرضته بريطانيا]، لم يعد الأخ على استعداد للتشارك مع أخيه . ( قسّم واحكم ، "فرّق تسد" ) وفي الوقت نفسه، يحظر هذا القانون على المرأة امتلاك الأراضي والممتلكات بسبب قصر النظر البريطاني، والجشع والجهل المجتمعي. خلق إعطاء الرجال حقوق الملكية (الأراض ) وكذلك المسؤولية عن جمع الضرائب / الإيرادات اختلالاً حاداً في التوازن بين الجنسين ، خلق تهميش النساء ورفع مكانة الرجال الهنود على هذا النحو القانوني والاجتماعي ، النظام الأبوي الذي نراه اليوم .شكلت هذه المطرقة ضربة للنساء، كان الرجال والنساء شركاء في ترتيبات حيازة الأراضي في عصر ما قبل الاستعمار وكما قد يتوقع المرء ربما - هن من يخترن أزواجهن، ويحصلن على المهر .
كانت الفتيات تحصل أيضاً على مجموعة من الهدايا الطوعية تضم الملابس والمجوهرات والسلع المنزلية والنقد من العائلة والأصدقاء في عرسها (في 1870) . تقدم هذه الاستقلالية المالية للمرأة درجة أكبر من المساواة الاجتماعية. ومع التغيرات في حقوق الملكية، أصبحت الفتيات والنساء - زوجات المستقبل – يشكلن مصدر دخل محتمل من وجهة نظر الرجال وأسرهم وتم خلق القانون الجشع والانقسام الاجتماعي؛ وأصبح الأولاد شيئاً ثميناً ، والفتيات عائقاً اقتصادياً. "تعززت قيمة الأولاد وأصبحت الأسر تطالب مطالب نقدية ومجوهرات وازداد الوضع سوءاً بشكل مضطرد كما أوضحت فينا تاولر.
ومع منع النساء من امتلاك الموارد الاقتصادية أصبحت كثير من النساء بلا مأوى ويعتمدن اعتماداً كلياً على أزواجهن وإذا عانين من سوء المعاملة من الأزواج لم يكن لديهن القوة للجوء إلى القانون .
ونتيجة لذلك، ظهر تيار من الانتهاكات القائمة على النوع الاجتماعي والتمييز الطبقي التي ما زالت تثير الغضب في جميع أنحاء البلاد حتى يومنا هذا، مما تسبب في معاناة بالغة بالنسبة للملايين من الفتيات والنساء على الرغم من إصلاح القوانين التي تحكم الميراث في عام 1956 فلم تتم المساواة بين الرجل والمرأة في القانون حتى عام 2005 ولكن نظراً لضعف التعليم فإن 22٪-;- من النساء، على بينة من حقهن القانوني في وراثة الأرض والممتلكات فقط كما جاء في تقرير للأمم المتحدة.
الآثار المدمرة
أُرتكبت سلسلة معقدة ومترابطة من العقوبات تنبع من الظلم الاجتماعي ضد النساء الشابات منذ القرن ال18: الإجهاض للأجنة الإناث، الوأد. الاتجار؛ الزواج القسري ومجموعة من الاعتداءات الجنسية - بما في ذلك الاغتصاب - داخل البيت والمجتمع الأوسع، فضلاً عن إهمال الوالدين والعبودية المنزلية..

يرجع ذلك إلى حقيقة اعتبار الفتيات عبئاً اقتصادياً والأولاد مصدراً للدخل، تم وأد الفتيات الرضع ( وأد البنات) بالملايين في الهند. وتقدر مجلة لانسيت أن نصف مليون حالة إجهاض أجنة إناث تتم في الهند كل عام. ونتيجة لذلك ووفقاً لهيئة الإذاعة البريطانية فُقد "ما يقدر بنحو 25 حتى 50 مليون من النساء في الهند ، إذا قورنت نسبة النساء في السكان مع الدول الأخرى. يعتقد اليونيسيف أن 10 ملايين من الفتيات، لقين مصرعهن بأيدي آبائهن وأمهاتهن في السنوات الثلاثين الماضية.
الوأد - القتل المتعمد للطفل خلال السنة الأولى من حياته - غير قانوني في جميع أنحاء العالم - ومحظور من قبل البريطانيين في الهند منذ عام 1870، ولكن هذه الممارسة تحدث على نطاق واسع (وتشير تقديرات الأمم المتحدة أن 80٪-;- من الحالات تتم في الهند) .
نمت هذه الجريمة الوحشية غير القانونية مع إدخال التصوير بالموجات فوق الصوتية في العيادات في الثمانينات من القرن الماضي ويُمنع الأطباء من إخبار الوالدين جنس الطفل، ولكن الكثيرون يقومون بذلك؛ فإذا كانت فتاة يكون مصيرها غير مؤكد، ولو كان صبياً – تعم البهجة والارتياح بين الآباء والامهات. عندما تم حظر وأد البنات من قبل الحكومة الاستعمارية، زعموا أن الأسباب الرئيسية لهذا العمل غير الإنساني "كانت التعصب والمال. "المال" المشار إليه هو المهر. أما "التعصب "، فالتعصب الطائفي والقبلي يفضل قتل الرضع الإناث على منحهن لجماعة منافسة [الطائفة أو القبيلة] حتى في الزواج ".
تعاني غالبية الفتيات اللواتي ينجون من الوأد ويتم الاحتفاظ بهن من قبل والديهم سوء المعاملة والإهمال. الكثير من سوء التغذية (الهند لديها أعلى معدلات سوء التغذية بين الأطفال في العالم - اليونيسيف) والحرمان من العلاج الطبي. ويتم إرضاع الفتيات من الثدي لفترة أقصر بكثير من الاولاد ويكون طعامهن أقل جودة. "لأنهم يخشون أن التغذية الجيدة تسرع في ظهور البلوغ والحاجة للتحضير لحفل زفاف مكلف. ويرسل الأهالي الاطفال الذكور المرضى للمستشفيات والعيادات بينما لا ترسل الفتيات الصغيرات بنفس السرعة لأن أسرهم ليس لديها نفس الاهتمام ببقائهن على قيد الحياة "، تقول رانجانا كوماري من مجلس البحوث الاجتماعية: أن الغذاء المتاح محدود للفتيات اللواتي يعانين من الجوع وسوء التغذية ، في كثير من الأحيان مما يؤدي إلى فقر الدم وتوقف النمو - ويؤدي إلى وفيات الأمهات والأطفال الرضع، وكذلك الرضع منخفضي الوزن. ويتردد أولياء أمور الفتيات في إرسالهن إلى المدارس خوفاً من الاعتداء الجنسي ، خاصة إذا كانت المدرسة بعيدة عن المنزل والمعلمين من الذكور ، لذلك غالباً ما يتم الاحتفاظ بهن في المنزل ويجبرن على القيام بالأعمال المنزلية. وقد أدى ذلك إلى أن نسبة القراءة والكتابة لدى النساء في الهند 67٪-;-، (مقارنة مع 82٪-;- من الرجال) وهي من أدنى مستويات القراءة والكتابة بين الإناث في العالم. يؤثر نقص التعليم بشكل مباشر على مهارات الأمومة ويؤدي إلى ضعف رعاية الأطفال، وسوء التغذية ووفيات الرضع العالية نتيجة فشل الأمهات الأميات في فهم وممارسة السلوك المعزز للصحة الجيدة، مثل التطعيم والنظافة الشخصية الجيدة ..
القتل أو الإتجار
ذكرت اليونيسيف أن قتل الفتيات الصغيرات اتخذ أبعاد الإبادة الجماعية. وهناك ممارسات مختلفة أخرى بشعة لقتلهن ، يعود تاريخ الكثير منها إلى القرن ال18 " .قامت الأمهات في وسط الهند لفترة طويلة، في تغذية الطفلات الصغيرات بالملح لقتلهن أو حشو فم الطفلة ببضع حبات من الأرز الخشن مما يتسبب في خنق الطفلة حتى الموت ، والتسميم، باستخدام المواد الكيميائية العضوية أو غير العضوية، والإغراق، والخنق والتجويع وكسر الحبل الشوكي، وكذلك دفن الطفلات على قيد الحياة.
سيشكل الفعل الإجرامي للوأد (يشعر الواحد منا) صدمة للوالدين، اللذين يواجهان نظام المهر المشوه القائم على الاستغلال والجشع، ولا يرى الوالدان أي خيار سوى قتل بناتهم - وبالملايين، مما يؤدي إلى اختلال خطير بين الجنسين في البلاد، ولهذا عواقب مروعة. ذكر تقرير صحيفة هافينغتون بوست في عام 1991 ، " هناك 947 فتاة لكل 1000 من الفتيان،" وفي عام 2012 انخفض هذا العدد إلى 914"، وضعت بعض المصادر نسبة منخفضة تصل إلى 700 فتاة لكل 1000 من الفتيان على الصعيد الوطني. الولايات الشمالية (ولاية البنجاب وهاريانا) هي المتضررة بشكل خاص ، وجدت هيئة الاذاعة البريطانية أن "لدى هذه الولايات أعلى نسبة من الفتيات في عداد المفقودات عند الولادة". "وكانت الاعتداءات الجنسية ضد الأطفال أسوأ ما يمكن في المدن الغنية والحديثة مثل دلهي وشانديغار "، وسجلت صحيفة التلغراف نسبة الإناث إلى الذكور في أكثر من 3600 من القرى في ولاية غوجارات، وكان هناك نسب أقل من 800 فتاة لكل 1000 الفتيان دون سن السادسة عشرة من العمر ".و في إحدى القرى كان نسبة عدد الفتيان إلى عدد الفتيات 4-1.
وقد أدى هذا الخلل الإقليمي لاختطاف وتهريب عشرات الآلاف من الفتيات والشابات في كل عام، تم فقدان 11 ألف فتاة في عام 2011 من ولاية واحدة، نسبة الفتيات عالية بها نسبياً (ولاية البنغال الغربية على سبيل المثال)، تُنقل الفتيات إلى جزء آخر من البلاد فيه عجز ، بسبب تفشي وأد البنات، وترتفع الأرقام باستمرار يتم اقتياد النساء الشابات، وغالباً المراهقات، واختطافهن اميالاً عن قراهن ويجبرن على الزواج (في كثير من الأحيان تكون الزوجة "مشتركة" بين الإخوة) ، أو الاتجار بهن لممارسة البغاء، كما أخبرت ركشانا محطة (بي بي سي) كيف اختطفت من قبل ثلاثة رجال وهي في طريقها إلى البيت من المدرسة. واضافت "هددوني بسكين وقالوا أنهم سيقطعونني إلى قطع إذا قاومت"، وأضافت " بعد رحلة مرعبة لمدة ثلاثة أيام وصلنا إلى منزل في ولاية في شمال الهند هاريانا حيث تم بيع روكشانا لأسرة مكونة من أربعة - أم وأولادها الثلاثة. ولمدة عام واحد لم يسمح لها بالخروج. وتقول إنها تعرضت للإهانة والضرب والاغتصاب " بشكل روتيني من قبل الابن الأكبر سناً من الأبناء الثلاث - الذي سمّى نفسه زوجها "".

ملايين الضحايا البريئة من الفتيات مثل روكشانا ، هن ضحايا الممارسات الاجتماعية البالية التي يعود تاريخها إلى القرن ال18، الممارسات التي تم التمسك بها من قبل المجتمع الذكوري بشدة للسيطرة وقمع الفتيات والنساء، ولا سيما النساء من الطبقات الدنيا. تدور جميع النظم والأعراف حول انقسام مركزي طائفي وطبقي عانت النساء منه كثيراً.
يحتل نظام المهر القلب المتعفن للعديد من المشاكل المترابطة التي تعاني منها الفتيات والنساء، بل وتواجهها الأسر عموماً، وبينما يصعب كسر ما يسمى الممارسات الثقافية القديمة - مهما كانت مدمرة ، فمن الواضح أن المعاملة الإجرامية للفتيات والنساء في الهند هي أزمة وطنية وتتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة. يجب وضع حد لنظام المهر (وهو أيضاً عامل رئيسي في تفشي حالات الانتحار بين المزارعين من أصحاب الأملاك الصغيرة )،يجب النظر إليه كعمل إجرامي وليس ابتزازاً مالياً فقط وتقديم الأسر التي تصرّ على دفعه للعدالة. الحكومة الهندية سعيدة لتمرير كل أنواع القوانين، ولكن لا يوجد إرادة سياسية لتنفيذها وبذلك تبقى لا معنى لها ..
مترجم
GRAHAM PEEBLES