المساواة: بين الرؤية والتطبيق



سامر أبوالقاسم
2015 / 2 / 27

إذا كان هناك من نقاش رصين حول وضعية حقوق المرأة ومساواتها بالرجل اليوم، لابد أن يكون ـ من حيث المبدأ ـ مرتبطا أشد الارتباط بمحددين أساسيين هامين:

يتمثل الأول في علاقة المساواة بحق كل المواطنات والمواطنين في التمتع بالحقوق والحريات كقاعدة ارتكاز أساسية للتحول الديمقراطي الذي تعرفه بلادنا، وهي اليوم على درب قطع بعض الأشواط من حيث العمل على تجسيد معالمه على أرض الواقع، بالرغم مما يعترضها من عقبات وحواجز، وبالرغم من أن حجم الإمكانيات قد لا يكون موازيا أو في نفس مستوى سقف التحديات المطروحة والإكراهات القائمة في الواقع، وبالرغم من وجود مشاكل عدة على مستوى الحكامة في تدبير الممكن والمتاح من هذه الإمكانيات، وبالرغم من وجود مقاومة ذات طابع محافظ داخل فئات وشرائح مجتمعية ذات ثقل من حيث التأثير على موازين القوة، وبالرغم كذلك من بوادر القلق البارزة بخصوص الانتكاس والتراجع إلى الوراء والتفريط في المكتسبات.

ويتجسد المحدد الأساسي الثاني في علاقة قيمة المساواة بالوظائف المؤسساتية المعنية بإنفاذ مضامين ومحتويات مشاريع التسيير والتدبير للسياسات العمومية وفق القواعد والمساطر المعمول بها في إطار الارتقاء بالأدوار والمهام المنوطة بالدولة، والملزمة بها تجاه مجتمعها.

فأن يكون مجتمعنا في خدمة ترسيخ وتعزيز مفهوم حق المرأة في العيش على أساس مساواتها للرجل، سواء في سياق الدينامية السياسية والحقوقية الوطنية، أو في سياقات الاهتمام البشري بهذا الحق، وقواعد التفكير في بلورته وتحسين شروط تفعيله على أرض الواقع، ونقط الارتكاز في عملية تجسيد معانيه في كل تفاصيل العلاقات والتفاعلات الجارية داخل المجتمع، فهذا يعني أننا ملزمون بتبني مفهوم المواطنة، بما تعنيه من كونها معبرة عن مجمل العلاقات والتعاقدات، التي تربط الفرد/المواطن والمواطنة بمؤسسات الدولة، حقوقا والتزامات، باعتباره شخصية قانونية، تساهم في تدبير الشأن العام.

وهذا يعني ما يعنيه على مستوى ما يتطلبه الأمر من جهد وعمل في إطار المساهمة من أجل تنامي الاهتمام بالبعد الإنساني وبشروط تواجده السياسي داخل المجتمع. كما أن له من الدلالات ما يلزمنا كشعب باقتفاء آثار الاهتمام بمفهوم التاريخ ومسارات تطوره في مجال تمكين الكائن البشري من حقوقه وحرياته بشكل عام، وكذا في مجال تجسير الهوة الساحقة بين الرجل والمرأة على مستوى التمتع بهذه الحقوق والحريات بشكل خاص، وهو ما يفرض بالضرورة وجود إرادة إنسانية وسياسية فعلية في صياغة قواعد قانونية ناظمة لعلاقات الأفراد والجماعات والمؤسسات.

ونحن كشعب ـ بهذه الرؤية والخطوات والإجراءات ـ نصبو إلى ألا نكون أقرب ـ إن لم نكن في قلب ـ الاهتمام الإنساني والاجتماعي والسياسي الكبير بمآسي الإنسان عبر مختلف المحطات التاريخية، التي زجت بالإنسان ذاته في أنفاق ارتكاب أبشع الفظاعات في حق الإنسان، امرأة كان أو رجلا، سواء بمبررات تاريخية أو حضارية أو اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو دينية أو جنسية...

لذلك، ومن أجل مساواة فعلية للمرأة مع الرجل، فالأولوية اليوم، لترسيخ البعد التعددي الاختلافي على قاعدة مفهوم المواطنة، والتوجه مباشرة إلى تفكيك ونقد الأسس التراثية التي شكلت دعائم الفكر المعادي للبعد الإنساني في تنظيم العلاقات داخل المجتمع الواحد. وبناء العلاقات من جديد على أساس أن لنا راهنا مشتركا للأفراد والجماعات داخل مجتمعنا ومستقبلا مشتركا بيننا، والتواصل فيما بيننا هو أداة لتبديد الحواجز التي تنتصب عائقا أمام الأفراد والجماعات، وأساسا للوحدة التي تربط بيننا وتضمن انتماءنا للمجتمع الواحد وللإنسانية.

والمنطلق باختصار شديد هو تصور مكانة الإنسان في التاريخ بعيدا عن منطق تعميم فكرة دينية أو جنسية أو عرقية أو لغوية على التاريخ. والهدف يتمثل أساسا في تحقيق المساواة. والمطلوب هو انخراط الفاعلات والفاعلين السياسيين والاجتماعيين والثقافيين في دينامية التحول الجارية.