فلتبقينه عانسات !



زكي لطيف
2005 / 9 / 18



العنوسة مفهوم اجتماعي نسبي، فسن العنوسة من الممكن أن يكون في مجتمع ما من سن السابعة والعشرين وفي مجتمع آخر من سن الثالثة والثلاثين، أي أن الفتاة التي لم تبلغ بعد هذه السن ما تزال فرصتها في الزواج جيدة .
العنوسة نشئت واستفحلت في المجتمع الشرقي الذي تسيره النظم الاجتماعية والقانونية ذات المنشأ البرجوازي ، بينما لا يوجد في المجتمع الغربي هذا المفهوم فالعلاقات الجنسية في الغرب متاحة للجميع ، وتعتبر من بديهيات الحياة الاجتماعية، فكيف أن الإنسان يأكل ويشرب فانه كذلك يمارس الجنس عبر مؤسسات البغاء أو عن طريق العلاقات الخاصة ، بينما يعاني الفرد في المجتمع العربي من الكبت الجنسي ، إذ أن تصريف الرغبة الجنسية محظورة في غير مؤسسة الزواج، التشريع الإسلامي اوجد قنوات مرنة لتصريف الطاقة الجنسية، على الأقل في المذهب الشيعي، فهناك الزواج الدائم والمؤقت وقديما في عصور الإسلام الأولى ملك اليمين ، إلا أن تراكمات نظام الاستعباد والاستبداد السياسي والاجتماعي والديني اوجد عقدا مستحكمة في الذات الاجتماعية ، فتصريف الطاقة الجنسية أصبح من الأمور الصعبة والمعقدة في المجتمعات الإسلامية المعاصرة، فتكاليف الزواج وتعقيداته أضحت من الصعوبة بحيث يبقى رجالا ونساء بغير زواج لسن متقدمة ، في المقابل تنعدم في المجتمع أية مؤسسات فاعلة تواجه تلك المشكلة الخطيرة بشفافية وواقعية ، بل على العكس من ذلك نشئت مؤسسات تجارية تستغل الرغبة الجنسية والفطرية الجامحة لدى الرجال والنساء من اجل تحقيق الأرباح، إنها ذات المعادلة ونفس النظام الذي يسيطر على مناحي حياة الإنسان المعاصر ولكن بطرق أخرى وأوجه مختلفة ، ففي الغرب هناك الأفلام الجنسية والإعلانات التجارية وبيوت البغاء المنظمة التي تدر الملاين من الدولارات وتستغل فقر وعوز الملايين من النساء حول العالم لإجبارهن على ممارسة الدعارة ، وفي المجتمعات الإسلامية المحافظة، التي تدعي الإسلام والعفة والشرف تنشط تجارة الزواج ويستغل منتفعيها الحاجة الملحة والطاقة الجنسية الضاغطة في الرجل والمرأة من اجل تحقيق الربح والمنفعة المادية ، وفي بعض البلدان الفقيرة ومحدودة الدخل كاليمن ومصر تزوج العائلات الفقيرة بناتها لتجار وسائحين مقابل مبالغ طائلة بالنسبة لعملتهم المحلية، وينتهي الزواج بمجرد مغادرة السائح للقطر ، إنها معادلة واحدة ، استغلال الرغبة الجنسية العظيمة في تحقيق المآرب المالية على حساب إنسانية الإنسان وحقوقه المشروعة في الكرامة والعزة والحرية .
إننا في مجتمعاتنا الإسلامية عندما ابتعدنا عن التشريع الإلهي التابث والقطعي وتبعنا النظم الحاكمة التي انشتئها الطبقات البرجوازية المستبدة ، وقعنا في منزلق التخلف والتناقض العجيب ، فالشباب العربي يمارس اغلبه الجنس قبل الزواج، وعندما يتزوج يبحث عن فتاة شريفة عفيفة طاهرة من منبت حسن!! والفتاة عندما يتقدم لها رجل مشهور بالأخلاق والدين، ترفضه بحجة الفقر تارة، وكونه متزوج تارة أخرى ! وتساهم المفاهيم المتخلفة في تأصيل تلك القيم في الذات الاجتماعية، وكون المرأة العنصر المغلوب على أمره في المجتمع العربي ألذكوري الاستبدادي لا شك في أنها ستغذوا الضحية الأولى في المعادلة المقلوبة .
المرأة ذلك الكائن المتخلف ، الهامشي والمهمش، المنغلق على ذاته ، الغير قادر على العطاء في مجتمع جبل على احتقاره وامتهانه، المرأة ذلك المخلوق المسلوب الإرادة ، الذي ليس له وصاية على نفسه إلى أن يموت ، لا يستطيع مواجهة تلك المفاهيم المتأصلة في الذهنية العامة ، لا يمكنه مواجهة السلطة الذكورية الحاكمة ، لا يستطيع مواجهة النظم الاجتماعية المتخلفة ، لذلك تساهم المرأة بطريقة مباشرة في استفحال ظاهرة" العنوسة " في مجتمعاتنا الشرقية ، فعندما تشترط المرأة لإتمام زواجها تلك الشروط البعيدة عن الواقع الإنساني والاجتماعي والاقتصادي ، وتحلق بأحلامها خلف سراب خادع فإنها بذلك تتبع أهواء مستحيلة التحقيق وعواطف خائرة وأحلام مائعة ليتوارى العقل خلف نزوات النفس التائهة .
عندما تبتعد المرأة عن التشريع الإلهي القطعي فإنها بذلك تجلب على نفسها البؤس والشقاء في مجتمع لا يرحم كائن اسمه"المرأة"
أيتها النساء ابقين عوانس إذا ما كنتن تتبعن أهوائكن المريضة وعواطفكن البائسة ، أما الرجل فحظه في الحياة واسع لدرجة لا يمكنكن تصورها، فله من الزواج الشرعي ما له، وإذا ما باء بالإدبار من فتاة فان أحضان أخرى تستقبله بالزهو والأمل ، وله أن يصرف طاقته الغريزية بمختلف الطرق ولن يكون عليه حسيب أو رقيب سوى خالقه، وحتى لو شاع ذكره في آفاق المجتمع فان باب التوبة مفتوح على مصراعيه، أما انتن فليس لكن سوى هذه العباءة البالية لترتدين ها خوفا من سلطة المجتمع وعصاه الغليظة !
إن سبب العنوسة في مجتمعاتنا هن النساء أنفسهن ، إذ يبدوا أن هذه العباءة لم تكن لتحجب فقط جسد المرأة بل أيضا عقلها ، فأصبحت تتبع النظم المتخلفة والمفاهيم العرجاء دون تفكير أو روية أو محاسبة .
عجيب أمر هذا المجتمع، يدعي العفة ونسبة عظيمة من شبابه يمارسون الجنس قبل الزواج! عجيب أمره، يدعي أن أسهل بناء في دينه هو الزواج إلا أن أصعب بناء هو مؤسسة الزواج ! يكيل اللعن لمجتمعات الغرب لإباحيتها ومتاجرتها بالجنس إلا انه يتاجر بالجنس أيضا ولكن بصورة مغايرة ، فهناك يتاجر بالإشباع وهنا يتاجر بالحرمان ، يا لها من مفارقة عجيبة مذهلة ! في الغرب لا يصل المرء لسن العشرين إلا ولديه إشباع جنسي ، وهنا تصل المرأة لسن الخامسة والثلاثين ولم تتزوج بعد وعندما يتقدم لها زوج ترفضه لأنه فقير أو متزوج! في مخالفة للقيم الدينية الحاكمة التي تجيز للرجل الزواج بأربعة نساء وتحث على زواج الفقراء ! لتبقى أسيرة الحرمان والرغبة الجامحة ، مقيدة بأغلال المفاهيم السقيمة والقيم الممسوخة ، أما الرجل فانه إذا ما كان غير قادرا على الزواج بسبب التعنت الاجتماعي وتخلف ذهنية المرأة فانه يطلق العنان لإشباع غريزته دون وازع ، ومن دون أن يلحظ ذلك أحدا ما، فنحن في بلاد نمارس كل شي في صمت، نفكر في صمت، ونعمل في صمت، ونكتب عما في ضمائرنا بأسماء مستعارة خلف لوحة المفاتيح ، كل شي نقوله ونعمله في صمت مطبق ، حتى ما يجيزه المذهب الشيعي من الزواج المؤقت ، ترفضه نظم المجتمع ويستأثر به رجال الدين الأفاضل، وكل ذلك في صمت ، صمت يحكم كل شي حتى الضمير والوجدان .. وهكذا يعيش إنسان المجتمع العربي والإسلامي في بؤس عظيم وشقاء رهيب، وتناقض مريب، فلتبقينه أيتها النساء عانسات إذن فذاك ما اخترتموه لأنفسكن البائسة في زمن الزيف والضيم والأسى.