العنف ضد المرأة تحليل سيكولوجي



قاسم حسين صالح
2015 / 3 / 8


توطئة:
يحتفل العالم في الثامن من آذار من كل عام بيوم المرأة العالمي.ويعدّ العنف الموجّه ضدها أحد ابرز القضايا التي شغلت اهتمام الحركات التحررية والمنظمات الانسانية التي دفعت الامم المتحدة الى تثبيت عبارة (العنف ضد المرأة) بدورتها الستين (2005) بقرارها (48) وعرّفته بأنه (أي فعل عنيف تدفع اليه عصبية الجنس ويترتب عليه،او يرجح ان يترتب عليه أذى او معاناة للمرأة ،سواء من الناحية البدنية البدنية او الجنسية او النفسية).
وكان لعلم النفس الدور الرائد في التنبيه الى الآثار السلبية لهذه الظاهرة الخطيرة،ليس فقط على صعيد المرأة الذي يؤدي في حالات الى انتحارها،بل وعلى صعيد الأطفال والمجتع ايضا،وذلك عبر دراسات ميدانية تخصصية على مدى اكثر من نصف قرن،واليه يرجع تزايد الاهتمام العلمي بدراستها.فبعد ان كان عدد الدراسات عنها بحدود (400) دراسة،ارتفع عددها الى عشرات الالاف في بداية القرن العشرين..ولعلم النفس ايضا يعزى الفضل في وضع البرامج لمعالجة اخطر تهديد تتعرض له المرأة.
المفارقة،ان دور علم النفس في هذه القضية الخطيرة..مغيب سواء على صعيد الحكومة (التي سيست حتى هذه القضية)او المجتمع ،باستثناء المنظمات الدولية ذات الشأن العاملة في العراق..ومن هنا يأتي تقديم هذه الدراسة.
تحديد مفهوم:
يعني العنف ضد المرأة اي سلوك ی-;-صدر من الرجل بطابع فردي أو جماعي، وبصورة فعلی-;-ة أو رمزی-;-ة أو على شكل محاولة أو تھدی-;-د أو تخوی-;-ف أو استغلال أو التأثی-;-ر في الإرادة، في المجالات الأسری-;-ة أو المجتمعی-;-ة أو المؤسسی-;-ة،سواء أكان ھذا الرجل أب،أخ،عم، خال،زوج،إبن،زمی-;-ل،أو أي رجل آخر قری-;-ب أو غری-;-ب بقصد إی-;-ذائھا جسدی-;-ا أًو جنسی-;-ا أًو نفسی-;-ا أًو لفظی-;-ا،ًأو بقصد التحقی-;-ر والحط من شأنھا أو الانتقاص منھا، أو انتھاك حقوقھا الإنسانی-;-ة أو القانونی-;-ة أو كلی-;-ھما،مما ی-;-تسبب في إحداث أضرار مادی-;-ة أو معنوی-;-ة أو كلی-;-ھما بغی-;-ة تحقی-;-ق غرض شخصي لدى المعنَفِ ضد المرأة الضحی-;-ة.
انواع العنف
ليس العنف ضد المرأة نوعا واحدا كما هو شائع في ثقافتنا،بل انواع نوجزها بالآتي:
n العنف الجسدي:
كل سلوك عدواني ی-;-ھدف إلى إی-;-ذاء جسم الضحی-;-ة وإلحاق الضرر بھا سواء كان بالضرب أو التعذی-;-ب بالكي والحرق أو شدّ الشعر أو الرمي والقذف من مكان لآخر. وی-;-عدّ العنف الجسدي من أشد انواع العنف واكثرها شيوعا،وی-;-تراوح من أبسط أشكال الضرب الى اخطرها الذي ی-;-تسبب بترك آثار وتشوھات على جسد الضحی-;-ة يسبب لها آلاما نفسية،وينتهي بافضعها..القتل.
n العنف الجنسي:
السلوك الذي ی-;-تمثل باستغلال الضحی-;-ة جًنسی-;-ا سًواء أكانت قاصرة أو بالغة.. بالغصب ولی-;-س بالرضا،بصورة اعتداء دون رضاء المرأة،سواء المتزوجة أم غی-;-ر المتزوجة كالاغتصاب والتحرّش والإرغام على المحرمات الجنسی-;-ة الشاذة.
n العنف النفسي:
محاربة الضحی-;-ة معنوی-;-ا وًمحاولة إی-;-ذائھا وإذلالھا نفسی-;-ا بًإی-;-جاد المعنف لنفسه الأعذاركأن تكون تحت مسمى الدی-;-ن أو السلطة أو غی-;-رھا.وی-;-تجسد بالحبس وتقی-;-ی-;-د الحری-;-ة،فرض الحجاب،الطرد،الھجر،الجفاء،التحقی-;-ر..وكذلك إذلالھا وإشعارھا بالدونی-;-ة أو الشتم والتحقی-;-ر.. واتھامھا بالجنون أو التھدی-;-د التي تؤدي الى قتل الطاقات العقلية والاصابة بامراض نفسية مثل الاكتئاب والانكفاء على الذات.
n العنف اللفظي:
وفی-;-ھا تكون الألفا ظ الجارحة ھي الوسی-;-لة التي ی-;-ستخدمھا المعنَفِ ضد ضحی-;-ته بما ی-;-ؤدي إلى إی-;-ذاء مشاعرھا مثل السب أو الشتم أو أي كلام ی-;-تضمن التجری-;-ح،أو وصف الضحی-;-ة بصفات مزری-;-ة تشعرھا بالإھانة أو إنقاص قی-;-متھا الاعتباری-;-ة.
ولا ينحصر العنف الموجه ضد المرأة بالأسرة (أب،زوج،أخ..)كما هو شائع،بل هنالك ثلاثة مصادر اخرى،هي:
n العنف المجتمعي
ويقصد به العنف الممارس من قبل المجتمع ضد المرأة الضحی-;-ة، الناجم عن موروثات الأعراف والتقالی-;-د الاجتماعی-;-ة والتفسی-;-ر الخاطئ للدی-;-ن التي تسوغ أو تسھّل أو تعطي الحق بشرعی-;-ة ممارسة العنف ضد المرأة وتقی-;-ی-;-د حری-;-تھا، وممارسات تنتھك حقوق المرأة التي قد تكون على شكل تحرّش أو تحمّل أي نوع من التمی-;-ی-;-ز الجندري. وتكون بی-;-ئتھا الأماكن العامة والمنتزھات وطوابی-;-ر الانتظار والشوارع.
مفارقة:
في العراق..(جاد) النظام الديمقراطي على المرأة بنوع جديد من العنف هو (العنف الطائفي).فقد استغل او اضطر او اجبر الرجل الشيعي على تطليق زوجته السنّية،وكذا حدث للرجل السنّي المتزوج من شيعية..حتى لو كان لديهم اولاد وبنات وصلوا مرحلة الدراسة الاعدادية!.
n العنف المؤسسي
هو العنف الممارس في المؤسسات الحكومی-;-ة وغی-;-ر الحكومی-;-ة متمثلا بًالقوانی-;-ن والتعلی-;-مات والتشری-;-عات والأوامر والنصوص التي تتبنى التمی-;-ی-;-ز،في دوائر حكومية أوقطاع خاص,تقرّه عادات المجتمع ومعترف بھا قانونا أو بصمت من المؤسسة القانونی-;-ة الرسمی-;-ة.
مفارقة:
في شری-;-عة حمورابي ،قبل كذا الف سنة!،نص يعطي الزوجة حق الطلاق في حالة عدم ترك زوجها ما يكفي لأعالتها ،او تقليله من قيمتها ،او رغبته في الزواج من أمرأة سيئة الأخلاق,فيما القانون العراقي لا يجيز لها الطلاق ويساند الخيانة الزوجية من قبل الزوج ..الا في فراش الزوجية!.
العنف الأسري
توصلت الدراسات الميدانية الى تحديد اهم اسباب العنف الاسري بالآتي:
• عدم فهم كل من الزوجين لنفسية وطباع الآخر،والتمسك بالرأي،و(العناد العصابي).
• كيفية الانفاق على الأسرة اذا كانت الزوجة موظفة،والاختلاف ما اذا كان الانفاق مسؤولية الرجل أم يجب عليها ان تشاركه.
• الزواج عن طمع او كسب مادي او جاه اجتماعي او مكانة سياسية،ونشوء ازمة حين لا يستطيع احد الطرفين تحقيق ذلك.
• عدم نضوج عقلية الزوج او الزوجة لمواجهة امور الحياة،وفي حالات الزواج المبكر تحديدا.
• الغيرة العصابية.
• وجود عاهات جسمية لدى احد الزوجين تؤدي الى الاحساس بالنقص والانكفاء على الذات او زيادة حاجته الى الطرف الآخر.
• عجز رب الأسرة عن تأمين حاجات الزوجة والأطفال.
وشخصّت دوافع هذا النوع من العنف بثلاثة اصناف:
أولا: دوافع ذاتية: تكمن في شخصية الانسان،ناتجة عن:
أ:عقدة نفسية ناجمة عن سوء معاملة وعنف في الطفولة تدفعه الى التعويض،
ب:نمذجة الطفل سلوكه على سلوك اب يستخدم العنف.
ثانيا: دوافع اقتصادية..تفريغ الأب لشحنات الخيبة والفقر.
ثالثا: دوافع اجتماعية..تقاليد تفرض على الرجل التصرف بقوة وعنف،والا نظر له بأنه ضعيف.
خصائص شخصية الرجل المعنف
كثيرة هي الدراسات السيكولوجية التي اهتمت بهذا الموضوع .وقد حدد الدلی-;-ل التدری-;-بي الإرشادي صفات الزوج الممارس للعنف بالآتي:
سرعة الغضب والشك، تعكر المزاج،شدة الامتعاض،الحساسی-;-ة الشعور بخی-;-بة الأمل،الخوف وعدم الإحساس بالأمان،انخفاض تقدی-;-ر الذات،الشعور بعقلی-;-ة الخاسر،عدم القدرة على تحمّل المسؤولية،الغيرة العصابية،تعاطي المخدرات وإدمان الخمر،حب التملك،النظرة الدونية للمرأة،وممارسة الجنس باعتباره نوعا من العدوان.
وتوصلت دراسات تتبعية الى ان الرجل الذي يمارس العنف ضد المرأة كان من الذين لديه مشكلات في التفاعل مع الأقران،ضعف في المهارات الاجتماعية ،البعد عن الواقعية،والشعور بالنبذ الاجتماعي،وضعف القدرة على تحمّل الغموض،
اساليب تنشئة أسرية خاطئة،والاحساس بانه كان ضحية.

استنتاجات..وتوصيات.
يعدّ علم النفس اكثر العلوم الانسانية انشغالا بالعنف ضد المراة.وما قدمناه هو خلاصات مركزة لأسبابه ودوافعه وانواعه ومصادره والخصائص الشخصية للرجل المعنف.
ونشير هنا الى استنتاجين:
الأول: مع ان العنف ضد المرأة موجود حتى في المجتمعات المتقدمة،اذ تفيد دراسة حديثة ان امرأة واحدة من كل عشر نساء في المجتمع الفرنسي..تتعرض الى العنف،فان احصاءات منظمة الصحة العالمية ومنظمات نسائية عربية ومؤسسات حكومية تفيد بأن نسب العنف ضد المرأة في البلدان العربية هي من بين الأعلى على مستوى العالم..وان اقسى ظاهرتين لهذا العنف هما جرائم الشرف والطلاق التعسفي.
والثاني: ان الحكومات العربية بلا استثناء لا تكترث بدور علم النفس والطب النفسي في دراسة هذه الظاهرة واقتراح سبل معالجتها..وعليه فاننا نوصي بالآتي:
- قيام اقسام علم النفس وعلم الاجتماع في الجامعات باجراء دراسات ميدانية تتقصى اسباب العنف ضد المرأة في مجتمعاتنا ومؤشراتها الاحصائية،وتواترها وآثارها النفسية على الرجل المعنف والضحية والاطفال.<