خُبز وورود



ليديا يؤانس
2015 / 3 / 10

الورود جميلة رقيقة ناعمة، بألوانها المُتنوعة تُلون الحياة، بأشكالها المُختلفة تُبهج النفوس، بشذي أريجها تُسكر القلوب والعقول.
الخبز بالنسبة للبعض ليس ضرورياً، ولكنه بالنسبة للبعض الآخر ليس من السهل الإستغناء عنه لأنه يُعتبر مصدراً أساسياً للحياة وإستمرارها.

كذلك المرأة خُبز وورود!

الفيلسوف الصيني كونفوشيوس، الذي نجح في إقامة مذهب يتضمن كل التقاليد الصينية عن السلوك الإجتماعي والأخلاقي، قال عنها "المرأة أبهج ما في الحياة."
وقال عنها سقراط الفيلسوف اليوناني الكلاسيكي "أعظم إمرأة هي التي تُعلمنا كيف نُحب ونحن نكره وكيف نضحك ونحن نبكي وكيف نصبُر ونحن نتعذب."

المرأة علي مستوي العالم وعلي مدي الزمان تُعاني من التعصب ضد جنسها، تُعاني من الإضطهاد والدونية، تُعاني من عدم المُساواة في الحقوق مع الرجل، مما دفعها إلي الثورة ضد الأعراف والقوانين والحكومات، فخرجت تتظاهر وتطالب بحقوقها، وكانت الشرارة في عام 1856 في نيويورك للإحتجاج علي الظروف اللا إنسانية التي كُنْ يُجبرنْ علي العمل تحتها.

مرت السنين، ومازالت المرأة تُعاني وتتعثر خطواتها وسط الأعراف والقوانين والثقافات الذكورية حتي في الدول المتقدمة.

ولكن ما هي حكاية "خُبز وورود"؟

في يوم 8 مارس عام 1908 ثارت الألآف من عاملات النسيج في نيويورك، فخرجن للتظاهر حاملات قطعاً من الخبز اليابس وباقات من الورود، ولافتات مكتوب عليها "خُبز وورود" للمُطالبة: بتخفيض ساعات العمل، منح المرأة حقوقها السياسية وعلي رأسها حق الإقتراع، ووقف تشغيل الأطفال.

وبدأ الإحتفال بالثامن من مارس كيوم للمرأة الأمريكية تخليداً لخروج مظاهرة نيويورك في 8 مارس 1909.
وكان للمرأة الأمريكية دوراً بارزاً، في حث الدول الأوربية على تخصيص 8 مارس كيوم للمرأة وإن لم يُخصص كعيد عالمي للمرأة إلا بعد سنوات، وجاء ذلك علي أثر عقد أول مؤتمر للإتحاد النسائي الديمقراطي الذي عقد بباريس عام 1945.

ومنذ ذلك الحين والعالم يحتفل بالإنجازات الإجتماعية والإقتصادية والسياسية للمرأة في الثامن من مارس والذي يُعرف بعيد المرأة العالمي "International Women’s Day" ومنذ 8 مارس 2011 وحتي الآن تقوم روسيا والصين وكوبا بمنح النساء أجازة رسمية في ذلك اليوم.

ولكن اليوم، أين المرأة من يوم المرأة العالمي؟
هل إستطاعت المرأة وخاصة العربية وعلي أخص الخصوص المرأة المصرية أن تحقق ولو جزء من مطالبها؟
هل إستطاعت المرأة في المجتمعات الإسلامية المطالبة بحقوقها؟

في الواقع المرأة في دول العالم الثالث، والمجتمعات العربية والإسلامية، يجدن صعوبة بالغة في المطالبة بحقوقهن لعدة أسباب:

في بعض الأحيان يكون الجهل والأمية وعدم الثقافة، عائقاً في أن تُعبر المرأة عن إحتياجاتها وكيفية المطالبة بحقوقها.
فكيف يتسني لمن ينقُصهن التعليم، وهن نسبة كبيرة في العديد من هذه الدول، أن يرفعن سقف طلباتهن وإحتياجاتهن للجهات المسئولة أو الحكومات أو المنظمات الحقوقية؟
ولكي تستطيع المرأة أن تُطالب بحقوقها يجب عليها أن تنال قدراً من العلم والثقافة، والمسئولية هنا مُلقاة علي الدولة بمؤسساتها وأيضاُ النساء.

النساء اللآتي يقعن تحت نير الإضطهاد والتعسف العنصري والتعصب الديني والإرهاب والغالبية منهن مسيحيات، والأمثلة علي ذلك عديدة، كما حدث مع التلميذات النيجيريات علي أيدي جماعة بوكو حرام، وما حدث ويحدث للآن مع النساء العراقيات والسوريات علي أيدي داعش وأخواتها حيث يتم بيعهن في أسواق النخاسة، وأخذهن سبايا بهدف المتاع الجنسي تحت أي مسمي، إدانة ومحاكمة وقتل النساء بتهمة الزنا في حين لا يتم محاكمة أوقتل رجلاً واحداً، وكأن جريمة الزنا أحادية وليس ثنائية الأركان، أيضاً خطف وإغتصاب وأسلمة القبطيات وغالبيتهن قاصرات!
كيف يتسني للنساء اللآتي يندرجن تحت هذه النوعيات أن يتكلمن أو يثرن وهن مُكبلات مُكممات الأفواة والموت مُسلط علي رقابهن؟
هؤلاء يجب أن يكون هناك من يقوم بالمطالبة بحقوقهن، هذه مسئولية المجتمع الدولي كله، والمنظمات الإنسانية الحقوقية والكُتاب ووسائل الإعلام والمُتنورين والعلمانيين.

النساء في المجتمعات الإسلامية الذين ينظرون للمرأة علي أنها عورة، وليس لها أي قيمة في الحياة سوي أن تُقدم المُتعة للرجل، وفي نفس الوقت ليس لها الحق في أن تستمتع بحياتها الجسدية حتي وإن كانت زوجته، كل المطلوب منها أن تكون تحت أمر الرجل لتشبع رغباته حتي وإن كان هذا الرجل حيوان متوحش، أيضاً يجب عليها أن تكون خادمة له، وبالتأكيد خادمة لأبنائها وباقي أفراد العائلة.
المرأة هنا يجب عليها أن تثور وترفض كل ما يُقلل من آدميتها كإنسانة قبل كونها إمرأة، بالتأكيد هذه المهمة صعبة ولذا يجب أن تتدخل الحكومات ومؤسسات المرأة بسن القوانين وتكفيل الحماية للمرأة لكي تستطيع الحصول علي حقوقها.

في بعض الدول مثل السعودية لا يسمحون للمرأة بالعمل مهما إن كانت إمكانياتها الفكرية أو التعليمية، هذا بإستثناء بعض القلة منهن وفي وظائف معينة.
أيضاً لا يسمحون للمرأة السعودية ونحن في القرن ال 21 أن تقود سيارة ويتم معاقبتها قانونياً وقد تصل العقوبة إلي السجن أو الجلد أو أي عقوبات شديدة وكأنها إرتكبت جناية.
بالتأكيد هنا المرأة يجب أن يكون لها دور وأن تثور علي هذا الوضع المُذري، بالتأكيد سيتعرضن للمُحاكمة والإدانة، ولكن ليست هناك ثورات بدون ضحايا، وقد يكون هؤلاء الضحايا هن الشرارة التي تُلهب الأخريات للمطالبة بحقوقهن، وسوف يكون هذا سبباً وجيهاً لتشجيع الدول المُتقدمة ومنظمات المرأة علي مستوي العالم وحشد الرأي العام العالمي للوقوف بجانب المرأة السعودية.

في بعض الدول العربية وخاصة في فترة الربيع العربي، برزت أدوار مُشرفة ومُشرقة للمرأة في مساندة بلادها.
كان للمرأة المصرية دوراً رائعاً في ثورتي 25 يناير-30 يونيو، وقدمت المرأة المصرية مطالبها والتي تمثلت في أن مصر يجب أن تكون أولاً وقبل أي شئ، وحققت المرأة المصرية هذا الإنجاز الرائع، وأثبتت عملياً لمن يُقللون من شأنها، بأنها ليست أقل من الرجل، أنها ليست عورة، أنها ليست ناقصة عقل أو دين أو وطنية، بل تفخر بجنسها وتعرف دورها جيداً وتقوم به في الوقت المناسب.
علي ما أعتقد أن المرأة المصرية علي مدي التاريخ كان لها أيضاً إنجازات رائعة، ولكن مازال لها حقوق لم تحصل عليها، ومطالب يجب أن تثور من أجلها، ليس لكي تتساوي بالرجل ولكن لأن هذا حقها كإنسان يعيش في القرن ال 21 حيث التقدم العلمي والتكنولوجي، يجب عليها المُطالبة بكامل حقوقها السياسية والإجتماعية والإقتصادية، كما يجب عليها الثورة علي الثقافات المتخلفة وخاصة الثقافات الذكورية التي دائماً تقول للمرأة: لا يجوز، لا يصح، ولا يحق لك، لأنك إمرأة ولست رجلاً!

في النهاية وبمناسبة عيد المرأة العالمي أُهنئ المرأة علي بعض الإنجازات التي حققتها، وإن كان المطلوب المزيد من رفع سقف الطلبات والعمل علي تحقيقها بكل الوسائل.
بالتأكيد ليس المطالب بالتمني ولكن بالإرادة والتصميم والإصرار، لأن السكوت علي الحق شيطان أخرس.
وأختم حديثي معكم، بأن أضم صوتي إلي صوت كاتبنا القدير توفيق الحكيم، حينما قال "إن عقل المرأة إذا ذبل ومات فقد ذبل عقل الأمة كلها ومات."