العائلة الفلسطينية- نقد النمذجة المنهجية



وسام رفيدي
2015 / 3 / 10

المقدمة
ليست بالقليلة تلك الدراسات، ومعظمها إحصائية، التي تناولت العائلة الفلسطينية من زوايا مختلفة. بعضها تناول العائلة من زاوية مستوى الدخل، وأخرى من زاوية مصدر القرار، وثالثة من زاوية العلاقات الداخلية وموقع المرأة، وهذه كثيرة بحكم الإغداق المالي، ,غيرها من زاوية التكيف مع المتغيرات. ولعل اهم دراسة مقاربة لموضوع ورقتنا هذه هي دراسة الثلاثي( مالكي، لدادوه وشلبي) حول سوسيولوجيا التكيف المقاوم خلال انتفاضة الأقصى.[2]
وهذه الدراسة الوافية والتي افدنا منها كثيراً في اعداد هذه الورقة انما تتناول التكيف على مستوى المجتمع الفلسطيني ككل، وخلال فترة زمنية محددة هي انتفاضة الأقصى، اي ما بعد العام 2000 حصراً. إن هذه الدراسة تناولت المجتمع الفلسطيني ككل، بمختلف بناه الاجتماعية، رسمية وغير رسمية، وقد طال تركيزها معرض بحثها عن آليات التكيف العائلة مع ان هذه الأخيره، العائلة، ظهرت في البحث، ولكن كجزء من البنية ككل لا كوحدة خاصة خاضعة للدراسة، لاسباب مفهومة، ناهيك عن أن الدراسة حصرت نفسها، لأهداف بحثية ولطبيعة هدفها أصلاً، في الفترة الزمنية بين انطلاق انتفاضة الاقصى عام 2000 وصدور الدراسة 2003.
ان ورقتنا هذه لن تتناول ما تم تناوله في الدراسة المذكورة اعلاه( آليات التكيف وأشكال التضامن والاسناد....) إلالا انها تستند لها لإظهار حقيقة الممارسة التقدمية للعائلة عبر دورها الوظيفي الاسنادي.
وورقتنا هذه لا تدعي تناول تكيف العائلة تناولاً وافياً لا تسمح به الورقة ولا المؤتمر المقدمة له ولكنها ستتكيء على ذات المفهوم لدراسة ظاهرة أخرى نعتقدها تتشابك وظاهرة التكيف ونعني بها ثبات التحولات على العائلة الفلسطينية من عائلة نووية لعائلة ممتدة مع بقاء الدور الوظيفي للعائلة الممتدة قائماً، بل ويتعمق اكثر، ويلعب، هذا الدور نعني، دور الحامل والحاضن الاساس لظاهرة التكيف. ولما كنا نتناول التكيف والدور الوظيفي للعائلة تحت الاحتلال وفي مواجهة الاوضاع المعيشية الصعبة، الناتجة عن الاحتلال واجراءاته بالاساس، وإن ليس بشكل كامل، فأننا نتفق مع ما ذهب إليه الثلاثي الباحث من أنه (تكيف مقاوم) لسلسة الاعتبارات التي ساقوها لتبرير استخدام هذا المصطلح الموفق.[3] ونضيف: ولأن التكيف ذات طابع شمولي في البنية الاجتماعية في لحظة معينة، كما ذهبت الدراسة المنوه لها، ولأنه يتكيء على الدور الوظيفي المتعاظم للعائلة، كما ذهبنا أعلاه، فهو بهذا المعنى يكتسب بعداً بنيوياً، بمعنى ان هذا الدور يغدو في صلب البنية العائلية ليس فقط لأنه نتاج تركيبة علاقاتها الداخلية، بل لأنه يلعب ايضاً دوراً، هو الآخر، في اعادة تشكيل هذه البنية وعلاقاتها الداخلية وأدوار اعضائها.
العائلة تاريخياً: المبنى والدور الوظيفي
في تعريج سريع للعائلة الفلسطينية وأدوارها تاريخياً نلحظ ما يلي:
1-  سيادة شكل العائلة الممتدة( الحمولة) من حيث المبنى والدور باعتبارها المحور والقاعدة الاساس للتظيم الاجتماعي ما قبل العام 48. وحتى مع بروز دور التظيمات السياسية ومختلف تعبيرات الحقل السياسي الفلسطيني فترة العشرينيات والثلاثينيات والاربعينيات إلا أن الهيمنة العائلية كانت هي السمة البارزة في الحقل السياسي، فمن قيادة الأحزاب إلى المرافق الحكومية الي المؤسسات الشعبية والمؤتمرات....تمكنت العائلة الممتدة، وبحكم هيمنتها الاجتماعية من تحقيق هيمنتها على الحقل السياسي حتى باتت هذه الهيمنة هي السمة البارزة للحقل السياسي الفلسطيني ما قبل العام 48.
2-  بعد العام 48 نلحظ متغيرين تاريخيين: تدمير البنية الاجتماعية الزراعية لثلثي الشعب الفلسطيني وتهجيرهم قسراً الامر الذي ضرب بالاساس القاعدة الانتاجية الاساس للعائلة الممتدة، نعني الأرض، وهذا قاد للمتغير الثاني وهو تحول سريع وقسري للعائلة الممتدة، بفعل التهجير، لعائلات نووية متناثرة. ومع ذلك، يبدو أن العائلة الممتدة عصية على الاندثار: فقد حافظ ذلك الشكل من العائلة على دوره الوظيفي، وإن تنازل عن مبناه كعائلة ممتدة، ويؤشر على ذلك بقاء انماط من الأدوار الوظيفية للعائلة في المخيمات وبلدان اللجوء حتى مع عدم وجود تواصل جغرافي، وتناسب هذا الدور مع نشوء شكل آخر من التشكيل الاجتماعي ونعني به الروابط والتكتلات المناطقية/ الجهوية داخل المخيم وفي بلدان اللجوء. ولكن انتهت في هذه المرحلة هيمنة العائلة على الحقل السياسي نتيجة النكبة التي اصابت الشعب وقيادته لاسياسية/ العائلية، وبالنتيجة لذلك برز دور الفئات الوسطى الجديدة وتشكيلاتها السياسية الجديدة الأمر الذي وضع حداً لشكل الهيمنة السابق.[4] وما تهمش حكومة عموم فلسطين ووفاة زعيمها منسياً ومعدوماً من أي دور في القاهرة الا مؤشراً على انتهاء هذا العهد. اما محاولة النظام الناصري ضخ الدماء من جديد في جسم هذا الدور العائلي بتمكينه بعضاً منه ( الشقيري نموذجاً) من قيادة منظمة التحرير عند تأسيسها فلم تعمر سوى 5 سنوات حيث عادت الهيمنة وتأكدت للقوى والفئات الجديدة الصاعدة.
3-  انطلاق حركة المقاومة وجه ضربة اضافية لنفوذ العائلات التقليدية والتي اصبحت، اجمالاً، الركيزة الاساس للحكومة الاردنية في الضفة الغربية، وتلك ركيزة تشكلت بعد العام 48، وتحديداً في مؤتمر اريحا في العام 52 عندما اعلنت تلك العائلات موافقتها على ضم الضفة للأردن ( كممثلة) للشعب الفلسطيني! ولكن الصورة هنا متشابكة: فمن رحم بعض تلك العائلات وعائلات جديدة برزت للواجهة، برز دور مؤثر للعديد من الشخصيات الوطنية التي التفت حول منظمة التحرير في تحول سريع للولاء نتج عن تأثير تصاعد دور المنظمة في السبعينيات وتأكد، هذا التحول في الولاء نعني، في انتخابات البلديات في العام 76. وكل ذلك يقدم مؤشراً على الدور الوظيفي للعائلة الممتدة الذي ما انفك يمارس تأثيره، ولو عبر ولاءات جديدة ومهام جديدة.
4-  بعد العام 94 ونشوء سلطة الحكم الاداري الذاتي كنتاج لاتفاقات اوسلو، عاد دور العائلة للواجهة، وبتشجيع وصل حد التشريع، من السلطة القائمة. غدى الحقل السياسي متنوعاً على مستوى الادوار الاحتماعية تنوعاً يصعب وصفه بالصحي او ان شئتم بالديموقراطي!! فمن جهة تلعب القوى السياسة، وتحديداً حركتي حماس وفتح، دوراً مصيرياً في النظام السياسي ومن جهة ثانية باتت التشكيلات العشائرية والجهوية لاعباً، ايضاً مقرراً، في الحقل السياسي لا بل يصعب على اللاعب الاول، القوى السياسية، ممارسة دوره بمعزل عن اللاعب الثاني، التشكيلات الجهوية والعشائرية. اكثر من ذلك: لقد غدت التشكيلات العشائرية والجهوية، ولطبيعة نظام المحاصصة والزبائنية، مكوناً اساسياً في النظام السياسي الفلسطيني لا بديلاً عن القوى السياسية ولكن كمندغمة فيها ومقررة لحركتها، واحياناً كثيرة لخياراتها. ولعل كافة التحليلات للعمليتين الانتخابيتين، 96 و2006 للمجالس المحلية وللمجلس التشريعي، لحظت ذلك بوضوح، إذ ان اعتى تنظيم سياسي من حيث قاعدته الجماهيرية لم يكن ليتجاوز، في توجهاته ودعايته وتكتيكاته وتشكيل قائمته، التركيب العشائري والجهوي.....وكل ذلك شكل اسقاطات سلبية على مجمل الحقل السياسي وشكل النظام السياسي وعلى موضوعات اكثر حساسية مثل الهوية مثلاً.[5]
من هذا التعريج التاريخي السريع نلحظ ان العائلة الممتدة، وإن تراجعت كبنية لصالح العائلة النووية، فإنها ما فتئت تلعب دوراً وظيفياً اساسياً، تنحني في مرحلة لتسارع لتنتصب في مرحلة أخرى، تحول ولاءاتها لتحتل مكانتها من جديد....لا زالت لاعباً اساسياً بحكم وظيفتها، في البنية الاجتماعية الكلية.
النمذجة في دراسات العائلة
يجدر التنويه اننا في تحليلنا السابق واللاحق نميز بين دورين وظيفيين للعائلة الممتدة: دورها السياسي الاجتماعي في الحقل العام في صلته مع المسألة الوطنية بكافة عناوينها وتفرعاتها، والاسهاب في هذا ليس من وظيفة هذه الورقة، والدور الثاني على صعيد اعضائها في مواجهة ظروف الحياة القاسية تحت الاحتلال من جهة والظروف الاقتصادية الصعبة، كنتاج للظروف الأولى بالأساس، من جهة أخرى، اي دورها في الحقل الخاص، داخل العائلة، إن جاز التعبير، دون غفلان ان دورها في العائلة كوحدة قاعدية مجتمعية له انعكاسات مباشرة على دورها في الوحدة الاعم: المجتمع. 
وتلك، اي التمييز بين الدورين، نعتقدها مسالة هامة. فقد جرت العادة على تناول الدور العائلي حصراً في الحقل العام عبر تحليل النظام والحقلين السياسيين، او ابرز المظاهر السياسية الناتجة عن آليات فعل الحقل والنظام معاً كالانتخابات التشريعية والبلدية، فيما يتم بشكل عام، اهمال دور العائلة في الحقل الخاص، باستثناء الدراسات حول التكيف والتضامن. ويشذ عن هذا التوصيف العديد من التقارير والدراسات حول مكانة ودور المرأة في العائلة. بالمحصلة فإننا نعتقد ان دور العائلة الوظيفي في الحقل الخاص لم يحظ بالاهتمام الكافي، ولعل مرد ذلك هيمنة التوصيفات النمطية العامة لدور العائلة، او بسبب طغيان دراسة مكانة المرأة، حصراً، بفعل التمويل الغربي بالاساس، على العديد من الجوانب التي ينبغي دراستها غير ذلك، وان ليس بديبلاً عنها. وهذا ما سنتناوله بالتعليق.
شرابي وبركات وتنميط استنتاجاتهما
لعل اكثر عالمي اجتماع مارسا تأثيراً فكرياً على اجيال متعاقبة هما هشام شرابي وحليم بركات، والأول اكثر. في تحليلهما للمجتمع العربي وللعائلة فيه استندا لمنهجين لا ثالث لهما: بركات للمنهج الماركسي في كتابه المعروف (المجتمع العربي) والثاني دمج بين المنهجين الماركسي والفرويدي في كتابيه( مقدمات لدراسة المجتمع العربي) و(النظام الأبوي واشكالية تخلف المجتمع العربي).كانت مادة التحليل لدى الاثنين المجتمع العربي والعائلة العربية على العموم رغم تميز بركات هنا بتناوله الأكثر تفصيلياً لأوضاع المجتمعات العربية القطرية، واحياناً كل على حدة، انما الاثنان تناولا المجتمع العربي كوحدة دراسة قلئمة بذاتها فتقدموا باستنتاجات شاملة للمجتمع العربي ككل.
ان من ابرز ما توصل له الباحثان هو مفاهيمهما الوصفية للعائلة العربية والتي غدت ادوات تحليل معتمدة اكاديمياً وبحثياً: تقليدية، بطريركية، ابوية، ابوية مستحدثة.....بحيث لا يخفى الطابع الرجعي[6] للعائلة وفق هذه التوصيفات التي غدت (لازمة) يرددها الباحثون كيفما اتفق.
ليست المعضلة هنا في اشتقاق المفاهيم الناتجة عن دراسة متأنية لواقع العائلة العربية، بالعكس، فقد أثرى العالمان العلوم الانسانية، وعلم الاجتماع تحديداً، بتحليلات اجتماعية نظرية ومفاهيم غدت بمثابتها ادوات تحليل لا زالت تستخدم على نطاق واسع في الدراسات الانسانية والاجتماعية. المعضلة في اتجاه آخر: انه في تنميط تلك المفاهيم والتحليلات من جهة بما يفقد التحليل بعده النقدي الضروري، ومن جهة ثانية ففي سحب التحليل العام للعائلة العربية على العائلة المحلية في اي قطر دون النظر للخصوصيات المحلية ولا للظرف التاريخي، الأمر الذي يتناقض، كمنهجية، حتى مع منهجية التحليل المعتمدة لدى الباحثين ونعني المنهجية الماركسية.!!!!!
ومع ذلك فتلك المفاهيم، شأن اية مفاهيم، لا يمكن تناولها تناولاً ميكانيكياً أحادي الجانب، سلبي في جوهره، بل انها في لحظات معينة، وضمن خصوصية معينة، تتضمن ابعاداً ايجابية، هذا اذا ما نُظر لهذه المفاهيم نظرية جدلية. فالابوية وإن تضمنت فعلاً السيطرة وقمع الشخصية الفردية والاستقلالية ومصادرة الحريات الشخصية والإملاء الأبوي...غير أنها في ظروف محددة، كظروف الاحتلال، تعني التضامن والتكاتف والدفاع عن عضو العائلة، وفي ظروف اقتصادية صعبة تعني رعاية صاحب المكانة الابوية( اب أو أخ) لأفراد العائلة واسنادهم وتعزيز قدرتهم على العيش ولو بالحد الأدنى من الكرامة. والتشابك العالي بين اعضاء العائلة الواحدة، والذي يصل أحياناً لدرجة ذوبان الفرد في العائلة، وإن عنى مصادرة خصوصية الفرد وخياراته الشخصية واخضاعه لنظام العائلة حتى لو على حساب خياراته، إلا أنها تجسد ايضاً التلاحم في الظروف الطارئة والنزعة التضامنية والاسنادية. بمعنى آخر تتشابك السمات القمعية والرجعية للعائلة مع سمات تقدمية في لحظة معينة وظرف طارئ معين. وبتقديرنا أن هذا الفهم الجدلي لدور العائلة هو المدخل الاساس بديلاً عن التنميطات والكليشيهات المكرورة ونسيان خصوصية اللحظة والتعامل بميكانيكية مع المفاهيم المتداولة.
ان اكثر ما تتجسد عبره السمات التقدمية للعائلة في علاقتها بأعضائها هي في ظرفي الخضوع للاحتلال والتعرض للمارساته الفاشية  من جهة ومن جهة ثانية في الظروف الاقتصادية الصعبة التي تواجه افراد العائلة. وهذا ما سنتناوله بالتفصيل.
نورد فيما يلي بعض المعطيات عن الاجراءات المحلية والتأثيرات التي تركتها على حياة السكان.[7]
·        بلغ حجم الخسائر الفلسطسنسة في القطاع الزراعي منذ اندلاع الانتفاضة الثانية وحتى العام 2003 903 مليون دولار حسب احصاءات وزارة الزراعة الفلسطينية.
·        وخلال نفس الفترة جرى تجريف 55 الف دونم من الأراضي الزراعية الأمر الذي الحق الضرر ب 8222 مزارع فلسطيني.
·        خلا عام واحد فقط منذ 1/10/2001 وحتى30/9/2002 جرى تدمير 4385 منشأة صناعية!
·        وحتى 15/8/2003 جرى تدمير تخريب 4046 منزلاً في الضفة الغربية وقطاع غزة.
·        سنة 2002 بلغ عدد العاطلين عن العمل 120 الف عامل اما نسبة الإعالة فقد ارتفعت من 6,5 في 2001 الى 7,1 في 2002.
·        اما الملاحظة الأبرز فهي معدلات الفقر فقد قفز معدل الفقر من 23% في العام 98 الى 60% بعد 15 شهراً على اندلاع الانتفاضة.
·        وهذا الامر قاد الاسر لاتخاذ اجراءات تكيفية محددة منها ان 69,7% من الاسر خفضت مصروفاتها بسبب ان 501 الف من الاسر انخفض دخلها.
يتضح من الاحصاء السابق، ان الاحتلال يكاد يكون مس بإجراءاته كل عائلة فلسطينية، فكل ممارساته اعلاه الحقت الضرر بالعائلات على المستويات الاقتصادية والتربوية والمعيشية اليومية، ناهيك عن العلاقات الاجتماعية. وفي ظل غياب نظام للضمان الاجتماعي ومحدودية، بل وبؤس نظام الدعم الحكومي،[8] فالأسئلة التي تنطرح بقوة من نوع: كيف يعيش54 % من الاسر ومستوى حياتها مصنف تحت خانة الفقر، وفي غزة يرتفع الرقم ال 79%[9]؟؟؟؟ وكيف يعيش الذين يحييون تحت خط الفقر؟؟؟ كيف يتدبر المزارع الفلسطيني امره بعد مصادرة ارضه لصالح الجدار؟؟؟؟وكبف يتدبر العامل الممنوع من العمل داخل الكيان الصهيوني لقمة خبز عائلته؟؟؟؟؟ علماً انه وحسب مدير برنامج الغذاء العالمي فقد ارتفع عدد الاشخاص الذين بحاجة للمساعدة بنسبة 25% اي من 480 الف الى 600 الف في العام 2007. ويعتبر المدير في ذات التقرير ان 51% فقط من العائلات تدبر امر غذائها دون مساعدى فيما يشير لظاهرة تقليص الوجبات البيومية لبعض العائلات لوجبة واحدة فقط يومياً!!!!! وكيف يتعلم اكثر من 130 الف من الطلبة في الجامعات حيث كلفة التعليم باهظة بكل المقاييس؟؟؟؟ وكيف تتدبر ام منزلها وعائلتها بعد فقدان عشرات الآلاف من الرجال في ساحتي النضال والاعتقال؟؟؟؟؟ هذا مع العلم أنه وحسب جهاز الاحصاء المركزي فإن 61% من الاسر التي ترئسها نساء فقيرة، فيما 79% من الاسر التي ترئسها نساء وتعيل المرأة فيها 7 اطفال هي فقيرة.
وحقيقة الموقف الشعبي من الدعم المقدم من جهات حكومية وغير حكومية أو من وكالة الغوث او من البلديات ونقابات العمال..... فهو التندر سواء كان دعم ال 90 شاقل من وزارة الشئون الاجتماعية في فترة ما او برنامج البطالة او المواد العينية التي تقدمها وكالة غوث الاجئين التي بدأت اصلاً بتقليص خدماتها ودعوماتها، رغم ان هذا الدعم المحدود قد نشل عائلات عديدة من التسول!
وامام هذا الواقع لم يبق سوى العائلة ودورها الوظيفي في اسناد ضحايا الاحتلال والفقر والعوز، دون نسيان الدعم العائلي القادم من المهاجرين....وهو بالنهاية عائلي اصلاً، لا بل مؤشر على ان الدور الوظيفي للعائلة الممتدة لا يتوقف عند حدود جغرافية، فحركة الدعم اليومي لمطالب الحياة اليومية وكذلك بناء المنازل بأموال المهاجرين باتت حقيقة معروفة في الضفة وغزة.
بالمحصلة فإننا نعتقد ان مظاهر التكيف المقاوم للعائلة الفلسطينية انما يتجلى سوسيولوجياً بدور وظيفي تنهض به العائلة النووية كموروث سوسيولوجي من مرحلة العائلة الممتدة ويلعب دوراً تقدمياً في صمود السكان اما الاحتلال.
اخيراً، ولأن اللجنة التحضيرية للمؤتمر طلبت مني التحدث عن علاقتي بالعائلة، كحالة دراسية، رغم عدم تحمسي للتحدث عن نفسي لاعتبارات مفهومة، الا انني اسوق مختصراً لتلك العلاقة. لقد عدت للحياة بعد انقطاع دام حوالي 17 عاماً قضيتها متنقلاً بين التخفي في العمل السري والمعتقلات الصهيونية، وحصيلتي كانت ببساطة: تاريخ اعتز به ومساهمة وطنية معروفة ولكنني كنت لا املك من مقومات الحياة المستقرة شيء!!! لا وظيفة ولا شهادة تعليمية ولا اسرة! بيت العائلة وفر، على الاقل، فرصة الاقامة دون دفع الايجار، الذي يهد ( الحيل) في بلدنا! وزارة شئون الاسرى اسندتني ضمن برامجها الاسنادية للأسرى، ولكنه اسناد محدود وممكناته محدودة بحكم محدودية الموازنات: نصف القسط التعليمي لاكمال دراستي للبكالوريوس، تغطية نفقات الحصول على رخصة سياقة...لا اكثر! من حسن حظي انني وجدت العائلة المساندة: تزوجت واكملت تحصيلي العلمي للدرجة الاولى وللثانية وكذلك الامر زوجتي الاسيرة السابقة فعلت....انشأنا اسرة واثثنا بيتنا وعملنا ولا زلنا نعمل!
ولكن هل كل الاسرى يتوفر لهم ذلك؟ بالقطع تتوفر العائلة واسنادها ولو بالحدود الدنيا! والا لكانوا على قارعة الطريق لا ينفعهم تاريخهم المشرف وعذاباتهم لتدبير رغيف الخبز لأبنائهم، فوزارة شئون الاسرى، على دعمها المخلص لهم، لن تستطيع توفير متطلبات حياتهم، خاصة للمحريين بعد 10 او 15 او 20 عاماً من الأسر! هنا ينتصب دور العائلة بقوة باحتضان هؤلاء كأفراد وبتوفير ما امكن للعيش من جديد!
وبأخذ مثل الاسر التي ترأسها نساء حسب الرقم اعلاه فالسؤال الذي ينتصب: كيف تعيش هذه الاسر ومن اين تدبر المرأة القائد للاسرة شئون بيتها واسرتها؟؟ لو حسبنا فقط الاسر التي تقودها النساء نتيجة غياب الرجل في الاسر او بفعل الموت فنحن نتحدث عن عشرات آلاف الاسر فكيف يعيشون؟ وزارة الاسرى تعطي الاسير المتزوج 1200 شيكل وفوقهم 800 اذا كان من فصائل المنظمة فهل يمكن تصور اسرة من 6 افراد يعيشون ب 2000 شيقل؟؟ هنا بتقديري يظهر دور العائلة الاسنادي. وتالياً تنطرح اسئلة حول مجموعات وفئات عديدة: كيف يعيش العاطلون عن العمل؟؟ المزارعون الذين نهبت ارضهمظ المزارعون الذين صارت ارضهم خلف الجدار؟
اختم بالقولك الدور الوظيفي التقدمي للعائلة الفلسطينية عصي على الكسر وهو مقوم مهم من مقومات الصمود وعليه، من المبكر اعلان شهادة الوفاة للعائلة الفلسطينية! ولذلك، ينبغي النظر بمنهجية جدلية للمفاهيم الاطلاقية حول الدور التقليدي في العائلة، فداخل كل مفهوم اطلاقي رجعي متداول، نقيضه الذي ينبغي فحصه.
 


[1] - ورقة قُدمت في مؤتمر انعاش الاسرة- فلسطين ونُشرت في كتاب تضمن اوراق المؤتمر في العام 2007
[2] - المالكي، مجدي وشلبي، ياسر ولدادوه، حسن. المجتمع الفلسطيني في مواجهة الاحتلال- سوسيولوجيا التكيف خلال انتفاضة الاسرى. مواطن.المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديموقراطية. آب 2004 رام الله / فلسطين
[3] - المصدر السابق. المقدمة ص 11.
[4]  نشير هنا لأبرز التشكيلات الجديدة: القوميين العرب والبعثيين وحركة فتح والشيوعييون بعد تشكيل الحزب الاردني كبدائل موضوعية لانهيار احزاب الدفاع والوطني وغيرها ممن كانت قائمة قبل النكبة.
[5]  - راجع ورقة مقدمة لمؤتمر انعاش الاسرة حول الهوية الفلسطينية في آذار 2008 في كتاب صدر عن المؤتمر لنفس الباحث.
[6] - يتجلى الطابع الرجعي هنا في ثالوث السيطرة عند بركات: سيطرة الرجل على المرأة/ سيطرة الكبير على الصغير/سيطرة رب الاسرة على العائلة...ويتفق الباحثان على نتائج عديدة تؤكد الطابع الرجعي لنظام السيطرة: الاغتراب/ فقدان النزعة النقدية/ فقدان الاستقلالية وحرية القرار.....وغيرها الكثير.
[7]  كافة الاحصاءات والأرقام مأخوذة عن مصدر سابق/ المالكي. المجتمع الفلسطيني في مواجهة الاحتلال. ص 68 وما يليها.
[8] - يمكن الاطلاع على ملاحظات وانتقادات العائلات المعوزة لنظام الدعم في المصدر السابق. ص 239 وما بعدها
[9] - تقرير لاوتشا نقلاً عن الاحصاء الفلسطيني المركزي