الإحتفال بيوم -المرأة العالمي-: بين مواصلة النضال . . وتلوين المناسبة !



علاء مهدي
2015 / 3 / 11

أحتفلت نساء العالم في الثامن من آذار ، بيوم المرأة العالمي الذي أعتمدته الأمم المتحدة ليكون يوما يستذكر من خلاله نضال المرأة عبر التأريخ لإستعادة حقوقها المشروعة التي ولدت معها والتي تم إغتصابها عبر فترات أتسمت بالظلام والتخلف تحملت المرأة فيها أشكالا مختلفة من ممارسات الإستعباد والظلم والإغتصاب. في تلك الفترات التأريخية وبغض النظر عن الأديان والمعتقدات ومفاهيمها ونظرتها للمرأة فإن ماتعرضت له المرأة من غبن وإستعباد وظلم وإستبداد قد تجاوز كل الحدود المقبولة.
الملاحظ في هذا العام أن المقالات التي كتبت والبيانات التي صدرت والنشاطات التي أقيمت بهذه المناسبة قد فاقت بعددها ما تم تقديمه في السنوات الماضية وهذا بإعتقادي يمثل رد فعل للمارسات الشاذة التي مورست ضد المرأة خلال الفترة المنصرمة خاصة في فترة مابعد الربيع العربي وسيطرة الأحزاب والمجموعات الدينية المتطرفة على تلك الحركات التغييرية التي أدت إلى سقوط عدد غير قليل من الأنظمة الديكتاتورية الشمولية التي بقيت متربعة على عروشها لعقود من الزمن.
ففي دول عربية كمصر وليبيا وتونس واليمن وسوريا ، كانت المرأة مستهدفة من قبل المجاميع المتطرفة لأسباب عقائدية متخلفة تعتمد وتؤمن بأفكار وممارسات كانت سائدة في عصر الجاهلية وربما بعد الإسلام أيضاً. وحيث أن المرأة تمثل الجانب الأضعف في تلك المجتمعات فإنها تعرضت للكثير من الممارسات الإجرامية المتدنية أخلاقيا مثل الإغتصاب والمقايضة بها كسلعة وإعتبارها عورة وعلى هذا الأساس مورس ضدها الإضطهاد في مختلف المجالات الإجتماعية والإقتصادية والجنسية والثقافية. حدث هذا على الرغم من أن هذه الدول وتحت ظل حكم الديكتاتوريات التي حكمتها لمدد طويلة كانت قد شرعت قوانين تقدمية تضمن للمرأة في تلك الدول حقوقاً تتساوى فيها مع الرجل بصورة نسبية ، مثال ذلك ، تونس على عهد الرئيس بورقيبة الذي أصدر في منتصف خمسينيات القرن الماضي تعديلات على قانون الأحوال الشخصية التي تضمنت منع تعدد الزوجات وتقييد حرية الطلاق وهي قرارات تصادمت مع القواعد الدينية.
في سوريا ، التي غدت مسرحاً للعنف المدمر ليس لبنيتها التحتية فقط بل لمجتمعها بأكمله، دفعت المرأة السورية بمختلف إنتماءاتها الدينية أو الطائفية ، ثمناً باهظاً بسبب من حالة الإضطراب والإقتتال الطائفي والسياسي والديني وبتزكية غير مباشرة من دول المنطقة العربية والإسلامية ( السعودية ، قطر ، تركيا ، مثالاً) والدول العظمى (أمريكا ، بريطانيا وفرنسا مثالاً) ، حيث عاثت المنظمات الطائفية والدينية والإرهابية بكل أشكالها ومسمياتها وإنتماءاتها فساداً كانت المرأة السورية فيه المستهدف الأول حيث مورست ضدها جرائم السبي والاغتصاب والبيع والمقايضة والقتل والتعذيب وغير ذلك من الممارسات اللإنسانية وغير المتحضرة وبكل وقاحة وإبتذال.
وكانت الطامة الكبرى ظهور المنظمة الإرهابية – داعش – وأخواتها من منظمات إرهابية صغيرة في العراق وسوريا. المنظمة التي ظلت، وربما ستبقى لفترة طويلة لغزاً لم يجد له المحللون السياسيون تفسيرا ولا تحليلاً حقيقيا ومفصلا وشاملا عن من أين أتت ومن هو خلفها ومن هو ممولها وداعمها وساندها؟. "داعش" المنظمة التي تمكنت من أن تدخل التأريخ ليس رغماً عنا جميعاً بل رغماً عن أنف التأريخ نفسه. المنظمة التي تمكنت من أن تدحر بسهولة عدة فرق عسكرية تتربع على أكتاف قادتها نجوم وسيوف عديدة وعلى صدورهم نياشين ومداليات تفوق تلك التي حصل عليها قادرة كبار مثل رومل وديغول وأمثالهم.
"داعش" لم تفجر مراقد الأنبياء في الموصل فقط ، ولم تدمر الآثار العراقية في متحف الموصل فقط ، ولم تهدم آثار مدينتي النمرود والحضر الآشوريتين فقط ، ولم تسرق نفط العراق وموارده فقط ، بل مارست كل الموبقات التي من الممكن أن يمارسها أقذر المجرمين ، كل ذلك تم تحت أنظار العالم بقصد إعادة الشرق الأوسط والدول الإسلامية إلى عهود العصور المظلمة.
ولتكوين صورة شاملة عن ممارسات هذا التنظيم الإرهابي الإجرامية بحق النساء والفتيات العراقيات نستعرض بعضاً منها، وهو ماتناقلته الوسائل الإعلامية علماً بأننا على يقين من أن الكثير من الممارسات الأخرى لم ينشرها الإعلام لأسباب تتعلق بطبيعة وظروف المجتمعات الإسلامية المحافظة.
فبسبب من جرائم داعش الإرهابية شاهد العالم بأجمعه عودة " تجارة الرقيق " حيث قامت المجموعات الإرهابية ببيع آلاف النساء والفتيات من المسيحيات والأيزيديات والشبكيات وبقية المذاهب في أسواق للنخاسة ، وهي ممارسة كانت سائدة في العصور المتخلفة والمظلمة. عدا ذلك فقد ذكرت بعض الفتيات أن عملية بيعهن كانت تتم لعدة مرات في اليوم الواحد وبين مجموعة من الرجال مقابل حفنة من الدولارات. كما أشارت التقارير الإعلامية أن حالات إغتصاب وإعتداء جنسي وإتجار بالنساء والفتيات القاصرات والزواج القسري مورست وربما لازالت تمارس. ان مثل هذه الممارسات الجرمية تحدث أمام أنظار العالم المتمدن والمتحضر وبعلم المنظمات الإنسانية الدولية دون ان تحرك أيا منها ساكنا فيما عدا بيانات التنديد والإستنكار!
أن الحالة المأساوية التي مرت بها المرأة العراقية بصورة عامة وعلى وجه الخصوص المسيحية والإيزيدية والشبكية على أيدي مجرمي داعش وبقية العصابات الإرهابية، والتي تجلت بعض أشكالها بما وصفت بالـ " العبودية الجنسية "، خاصة وأن العديد منهن تم تقديمهن كهدايا لمقاتلي داعش تقديرا وتثمينا لجرائمهم ، تعتبر من جرائم الدرجة الأولى بحق البشرية جمعاء كونها تمثل إهانة مباشرة للمرأة بصورة عامة. وقد أشار تقرير عن حوادث إغتصاب جماعي حدثت في مدينة حدودية مع سوريا ، إلى أن الإرهابيين "فرضوا أحكاماً أدعوا شرعيتها تتمثل بأن مجرد التكبير على رأس أو كتف الفتاة يجعل تزويجها شرعيا ومحللا ضمن مبدأ جهاد النكاح ورفض المرأة يعني قتلها"!
ان الأعمال الإجرامية التي أرتكبت بحق الإيزيديين والمسيحيين والشبك في العراق تعتبر بمثابة "إبادة جماعية وتطهير عرقي" وفق المعايير المعتمدة من قبل المنظمات العالمية. وأن هذه الممارسات الإجرامية كانت قد سبقتها عمليات إرهابية وان كانت بعدد أقل ولم يتم تداولها من قبل وسائل الإعلام بالطريقة التي تتم الآن. هذه الجرائم حدثت ليهود العراق الأصلاء ، ولطائفة الصابئة المندائيين والأكراد الفيلية وآلاف المواطنين العراقيين الذين أتهمهم النظام السابق بتبعيتهم لإيران وقام بتصفيتهم ودفن شبابهم بمقابر جماعية بعد تسفير أهاليهم أو تسليمهم لعصابات وسراق على الحدود العراقية الإيرانية. كل تلك الممارسات الإجرامية سواء التي أرتكبتها الأنظمة التي حكمت العراق أو العصابات الإرهابية كانت المرأة فيها تمثل الهدف المباشر بسبب النظرة الدونية لها أولاً، و بسبب ثقافة العنف المسيطرة على المجتمع البدوي والذكوري في المنطقة ثانيا.
ونحن إذ نستذكر كل هذه الأحداث المؤلمة فإننا بنفس الوقت ندعو لأن يكون الإحتفال بـ " يوم المرأة " العالمي متميزاً بنشاطات سياسية تدعو إلى مواصلة النضال المشترك بين قطبي المجتمع الإنساني المتساويين في الحقوق والواجبات (المرأة والرجل) من أجل القضاء على الإرهاب العالمي والتفرقة العنصرية على أساس الجنس، والعمل على تحقيق مساواة عادلة تضمن حقوقا عادلة للمرأة أسوة بحقوق الرجل ، والتذكير بمنجزات رائدات الحركة النسوية العالمية أو المحلية على مستوى الدول ، وإبراز الدور الحضاري والنضالي للمراة في بناء المجتمعات الحديثة وتقديس دورها الرائد في البناء العائلي ، لا أن يتم "تلوين" المناسبة خارج نطاق أهدافها التي أشرنا لها. ومن الأهمية بمكان أن يتم تقييم رائدات المجتمع من النساء اللواتي قدمن من الخدمات الجليلة والمتميزة الكثير للمجتمع ككل وللمراة بصور خاصة ووفق معايير توضع من قبل متخصصين حيث يتم أختيار اللواتي يستحقن التقدير والتثمين وفقها ليكن مثالاً يقتدى به !

تحية تقدير وإجلال للمرأة العراقية في يوم المرأة.

-;--;--;-