يوم الثامن من آذار لا يكفي للاحتفال فهو يوم واحد



مصطفى محمد غريب
2015 / 3 / 15

آذار الربيع يحل كل عام في دورة الطبيعة الاعتيادية، وفي كل بقعة على المعمورة تبدأ دورة الحياة مفعمة بالنمو والتطور والتخلص من رداء الشتاء القارص ، وآذار كما هو في كل بقاع الدنيا يحمل سمات الفرحة والتأمل على الرغم من اختلاف سماته المناخية من مكان لآخر فهو إن اختلف في البلدان الحارة عن البلدان الباردة أو حتى القطبية يبقى في جوهر معنى التغيير نحو حالة أخرى ترتبط بالتفاعل الجديد للتخلص من ركود نسبي في التطور والخلق الذي يلازم الحياة، ونحن في آذار نستبشر الخير على الرغم من كل الويلات والمآسي بسبب القهر السلطوي والإرهاب بكل أنواعه ومفاصله في الحقب التي مرت علينا في العراق ونعتقد أن آذار الأمل والحياة هو الغالب لان تأسيس حزب الشغيلة، شغيلة اليد والفكر كان في آذار، وعيد المرأة العالمي في آذار وتأسيس رابطة المرأة العراقية في آذار وأعياد نيروز في آذار وأعياد الشجرة في آذار وواو الكثير من الأفراح تطل من آذار بما فيها الثامن منه الذي هو يوم المرأة العالمي، وليوم واحد فقط وكان المفروض أن يكون أسبوعاً او شهراً وهذا أيضاً باعتقادنا قليل جداً بحق المرأة التي هي عماد المجتمع لان البقية الباقية من أيام وأسابيع واشهر هي أيام الرجل مع الفارق.. يوم واحد لا يكفي لأنه يَنفضُ بعجالة وبتهنئة سريعة ومقطوعة ببعض الورود والهدايا للتدليل على مكانة المرأة في هذا اليوم المحدد وهي اكبر قيمة من ذلك، وعندما ينتهي تعود مأساة عدم المساواة لتطرق أبوابهن ولعل ما قالته الممثلة " باتريشيا اركيت Patricia Arquette " التي حصلت على جائزة الاوسكار كأفضل ممثلة مساعدة لعام ( 2015 ) عن دورها في فيلم" Boyhood " خير مثال عندما طالبت بصوتٍ عالي من على منصة الاوسكار وهي تستلم الجائزة وأمام مسمع وأنظار كل العالم بضرورة مساواة المرأة مع الرجال بالأجور مما جعل القاعة المملوءة بالممثلين وصناعي السينما العالمين يقفون على أقدامهم وهم يصفقون ويهتفون، ونضيف لقولها بضرورة المساواة الكاملة بالحقوق الكاملة وليس فقط بالأجور، ومع ذلك فنحن نعتقد انه كان نداء كشفت فيه الظلم الذي يحيط بالمرأة ليس في الولايات المتحدة الأمريكية فحسب إنما في العالم كله.. فإذا ما قارنا حقوق النساء في البلدان الفقيرة أو ما تسمى بلدان العالم " الثالث أو النامية " على الرغم من اعتراضنا على التسمية فسوف نجد أعجب الأعاجيب التي لا يمكن حصرها بمقال صغير، إلا أننا ومن حقنا القول
ـــ لا توجد في العالم كله وبشكل صحيح ومتكامل حقوق للمرأة في المساواة إلا حقها بالإنجاب ومتعة الرجل وما تحصل عليه من فتات لكي تبقى عائشة حية، وإذا ما حصلت على بعض الحقوق بسبب صراعها ونضالها المرير فهناك من يحاول التجاوز عليها وتهميشها تحت طائلة من الحجج الدينية او التقاليد الرجعية المريضة بداء التسلط والخوف من المرأة المتحررة من عقلية الخضوع المطالبة بالحقوق المشروعة، وقد يكون المثال الحي في العراق وما نراه ونشاهده ونسمع عنه كيف يجري الالتفاف على حقوق المرأة في الكثير من المجالات وان ما حصل ويحصل من داعش الإرهاب والميليشيات الطائفية والكوتة النسائية في البرلمان خير مثال على عدم المساواة وإلا لماذا لا تشرع القوانين الصحيحة في تمتع المرأة في حقوقها في الانتخابات وغيرها! وما جاء في بعض مواد دستور البلاد الذي سن مؤخرا من نواقص وثغرات فيما يخص حقوق المرأة مثال آخر على عدم المساواة.. المرأة العراقية لا يكفيها شهر أو حتى سنة لكي نطالب بمساواتها بالحقوق مع الرجل لأنه ولمجرد انفضاض المدة تعود " البستة السيئة الصيت* بأنها ناقصة عقل ودين" التي مازال البعض يؤمن بها باطنياً وإن ينكرها علناً، نعم تعود "البستة" كما كانت إذا لم تكن هناك عقول نيرة وقوانين عصرية تسن لهذه الحقوق، وعندما نشير إلى الحقوق الطبيعية لا نعني المساواة في الجنس كي نسد الطريق على ذوي العقول الرجعية المتخلفة النتنة أن يصطادوا " في المياه العكرة "، فالحقوق التي نعني بها هي التي تجعل المرأة في مكانها الطبيعي كإنسان يشكل " نصف المجتمع " كي تساهم مع الرجل في البناء والتطور والتقدم ورسم آفاق المستقبل وان تكون عنصراً مهماً في إدارة البلاد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، وعندما يتحقق ذلك ليس بنضال المرأة لوحدها بل أيضاً بتكاتف ونضال الرجل معها فعند ذلك سيكون اليوم " الثامن من آذار يوماً مشهوداً " ومع كل ذلك سنبقى نؤكد وان لم يكف أن يوم الثامن آذار ليس يوماً للمرأة فحسب بل انه عيداً أممياً للبشرية نحتفل به كل عام وهو يحفزنا على تحقيق ما قلناه في المقدمة..
ألف تحية للمرأة في العراق والمرأة في العالم بعيدها المجيد، وألف تحية لنضال المرأة العراقية بالضد من العبودية السياسية والاجتماعية، ونقف بإجلال لذكرى الشهيدات العراقيات اللاتي قدمن حياتهن من اجل الحقوق المتساوية ومن اجل حرية الشعب واستقلال الوطن.
-------------
* البستة : نوع من الأغنية الشعبية باللهجة العامية العراقية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ