الأم تستحق مكانتها الأم تصنع عيدها



فاطمه قاسم
2015 / 3 / 20

الأم تستحق مكانتها
الأم تصنع عيدها

ربما ليس من قبيل الصدفة، بل من قبيل إنسجام المعاني، أن يكون الحادي و العشرين من آذار موعداً للإحتفال بعيد الأم، و عيد الربيع "النيروز" الذي ينبه أوائل ورد كن بالأمس نوماً – كما قال شاعرنا العبقري البحتري – و أن نحتفل فلسطينياً بيوم وطني خالد في حياتنا، حدثت فيه انتفاضة لشعبنا، يوم معركة الكرامة، حين كان العدد قليلاً، و العدة أقل، و الجيش الصهيوني كان يطلق عليه إسم الجيش الذي لا يقهر، و لكن معنى الصمود كان عند القلة في ذلك الوقت – كما هو الآن – العنوان الأول، فصمد أبناء الفتح، و ظلت راية الصمود الإرادة الفلسطينية و العربية كلها، فكان صموداً، و كان انتصاراً، و كان يوماً من أيام فلسطين و يوماً من أيام الله.
و عودة إلى الأم و عيدها الذي صنعته بكل ما هي عليه فطرة من الله و وعياً متجدداً، و ميراثاً متواصلاً، و دوراً يكاد يعادل الحياة، بل إننا لو نظرنا حولنا في هذه المنطقة من العالم، المنطقة العربية، و ما يجري فيها من أهوال، موتاً و خراباً و انهيارات دراماتيكية و نعرات مأساوية، فسوف نجد أن الأمل الذي ينبثق من اليأس، ديمومة الحياة ضد الموت، و فرصة العطاء و المحبة ضد الكراهية و الإرهاب بكل أسمائه.
في كل مخيم من مخيمات اللاجئين ، تقوم الام وتنهض بدور خارق، هي الدفء في الصقيع، و هي الحضن الباقي الذي يجمع شمل العائلة، بيدها تبلسم جراح عائلتها، هي طوق النجاة حين يتوحش المهربون في زوارق الموت، هي العنوان الدائم للمشتتيين، هي لحظة التواصل الخارقة حين تتمزق العائلة كل إلى حيث قذفته الرياح.
إنها الأم، في فلسطين حارسة نارنا المقدسة، كما قال محمود درويش، و هي الذاكرة الحية ترضعها للأجيال المتلاحقة بأن لنا وطن، و لنا حق، و لنا إنتصار حتمي قادم إسمه فلسطين.
إنها الأم، هي في العراق و سوريا، هي في مخيم اليرموك، هي في حماة و حمص، هي في جبل سنجار و في الرمادي و الفلوجة، هي في صنعاء و شبوة و البيضاء، هي في كل موقع إرتباك و اشتباك و سعار عنصري و طائفي و إرهابي، هي نسخ الحياة التي تنتصر على الموت المرعب.
إنها الأم، حين نحتفل بعيدها، و نقول لها "كل عام و أنتي بخير" و نقدم لها وردة حمراء هدية، نعترف لها بأن دماءنا التي تجري في عروقنا هي التي منحتنا إياها، و نهديها وردة بيضاء فإننا نحتمي بيقينها الأبيض و هي تقوم بدورها المقدس دون منة و لا ضجيج أو ادعاءات، إنها الأم التي سألوها: أي أولادك أحب إليك يا سيدتي الأم؟ فقالت: الصغير حتى يكبر، و المريض حتى يشفى.... و الغائب حتى يعود.
عيد الأم، لا يجب أن يتقولب في ذكرى عابرة، في تقليد ميكانيكي جامد، في كلمات محفوظة عن ظهر قلب نرددها بدون انتباه،عيد الأم هو اعتراف شامل لمن وهبتنا الحياة، و هو اختبار شامل لإيماننا بكل ما قرره ربنا من حقوق للأم، و هو مقياس ساطع لصعودنا في سلم الجضارة الإنسانية، و هو انحياز شامل لرؤيتنا لأنفسنا كبشر و كيف يجب أن نكون.
في عيدك، أمي، أوقد شموع قلبي، و أفتح نوافذ ذاكرتي، و أصلي في محرابك، و أتعلم منك كيف يكون الحب و كيف يكون العطاء
فكل عام و أنتي بخير
وكل عام وانتن بخير