في عيد الام استذكر الالم والاسى والقهر والحرمان والظلم والتسلط والعذاب والعدوان



سامي كاب
2015 / 3 / 21

امي....

استذكرك والدموع تغرق عيناي

فارقتيني ذاهبة في رحلة الموت قبل سبعة وعشرين عاما تلك السنوات في احساسي لا تساوي اكثر من سبعة وعشرين ثانية

امي انت ما زلت في قلبي ووجداني وذاكرتي اقرب الى احساسي من كل الاشياء

ابي ما زال حيا اراه كل يوم لكنه ابعد منك الى احساسي آلاف الاميال وبالحقيقة فانني لا احس بوجوده

اب غريب عني هو مجرد اسم مسجل بهويتي تربطني به علاقة نسب لا علاقة انتماء او وجدان او حس كما ارتبط معك

ابي كان ظالما لك يضربك يهينك يحتقرك يحرمك من من كل حقوقك الحياتية من اللباس والاكل والنوم والامن والسكن والطعام والحب ويحرمك من انسانيتك ويمنعك من ممارستها وكانت حججه كثيرة جدا لا يستوعبها منطق انساني ولا يقبلها عقل انساني ولا تندرج في منطق علمي

ابي ذاك الظالم المجرم بحقك .. انت الانسانة يا امي .. تحملت الظلم والاسى والقهر والحرمان والذلة والفقر والعازة وكل انماط الاسى والاحتقار دونما سبب وكل ما تحملتيه من اجلي ومن اجل اخوتي ووفاء لمسؤوليتك الانسانية الاجتماعية التي تعينها وتحسين بها رغم قلة تعليمك وثقافتك

معاناتك في مواجهة ابي الممثل لمجتمع ذكوري ظالم متسلط متحكم ومعاناتك في مواجهة مجتمع يتبنى ثقافة الذكورية المتسلطة الظالمة ذات الفكر الديني الغيبي ( فكر الاسلام ) الاستعبادي الذكوري التسلطي

كل هذه المعانيات خلقت منك انسانة متمرسة ذكية ذات احساس راقي واجتماعية ايجابية محبة عادلة متواضعة دمثة الخلق سهلة التعامل عطوفة رحيمة وذات صدر واسع وانسانية بكل المواصفات

كنت اجد لديك الابتسامة العريضة والكلمة العطوفة والفكرة الحليمة والفرصة لتصحيح الموقف عندما اخطىء عكس ما كنت اجده عند ابي الذي كان يضربني ويعنفني ويحطم معنوياتي ويصفني بالناقص المعاق المخطىء دائما

كنت يا امي سندا لي دائما في وقت كنت اتعرض به للحرمان من مقومات حياتي الاساسية من قبل ابي كالطعام واللباس وحاجاتي المدرسية من قرطاسية وكتب ومصروف

كان يعاقبني ابي بشكل دائم على افعال يتصورها هو على انها ذنوب ولكنني ببراءتي وحسن تفكيري وذكائي وطيبتي كوني طفل كانت تصرفاتي عفوية طفولية تنم عن طيبة قلب وبراءة ودونما قصد او تصميم

والعقاب كان قاسيا لا يتحمله الكبار الجبابرة

كان العقاب بالضرب المبرح والجلد والشبح والطرد من المنزل لايام واسابيع والحرمان من الاكل والشرب والمصروف والمنع من الذهاب للمدرسة وحرق الكتب وتدمير ممتلكاتي الخاصة كالصور والذكريات والكتابات كوني كنت اكتب ذكرياتي واحتفظ بمصوراتي وهدايايا ورسائلي

وبالاخصار كانت تتعرض طفولتي للقتل اليومي وانسانيتي للاعدام في كل دقيقة من حياتي على يد ابي ومن ورائه المجتمع العربي الاسلامي متمثلا باعراف العائلة وحكم الدين ومنطق العادات والتقاليد والاعراف

وفي هذا الجو الحياتي الاسود القاتم والقاسي المؤلم كانت امي هي الانسان الوحيد الذي يحضنني ويدفئني ويضمد جراحي ويطعمني ويحسسني بالامان ويعيد لي انسانيتي السليبة المهدورة ويسهر على سعادتي في نوم هنيئ آمنا سليما معافى

كانت امي تعمل بالخياطة فتعطيني من نتاجها النقود كي اشتري بها كتبا لاقراها اذ كنت احب القراءة وكانت تشجعني على القراءة والرياضة ومصاحبة رجال العلم والمثقفين والرحلات والابحاث والذهاب للمكتبة وتطوير الذات جسديا وعقليا ونفسيا

وكانت تنصحني بالابتعاد عن اصدقاء السوء وعن التدخين وعن الكذب والغش والتسلط والاعتداء على الآخرين وعن الكراهية والحقد والحسد والنميمة والسلوك العبثي الغير منتج وعن الازعاج والفوضى وترك الاوساخ واغلاق الطريق والصراخ والضجيج والكلام الغير مفيد والثرثرة والاستعراض وجلب الانتباه واستعطاف الآخرين والاعتماد عليهم والثقة بمن لا اعرفهم

وكانت تحثني على النشاط الدائم والسلوك المهذب والرقة والذوق والادب في الكلام والاستماع والجلوس والطعام ومقابلة المجتمع في كل المواقف والمناسبات وتحثني على النظافة وحسن الهندام والاهتمام بالمظهر وحسن الجوهر واحترام الاخر واحترام الذات والاعتزاز بالنفس والثقة بها وعلى الشجاعة والاقدام وممارسة الحياة بكل اشكالها مع تقدير الموقف كي لا اؤذي نفسي او الآخرين من حولي

وعلمتني امي ان احافظ على البيئة .. على نظافتها وحسنها وبقائها في افضل حالة وان احترم الشمس والهواء والغذاء والماء وكانت تقول لي مقولتها اليومية صحتك من الشمس والهواء ودواؤك من الغذاء والماء

عليك بالحركة ثم الحركة بالطبيعة مقابل الشمس وبالهواء الطلق في احضان الطبيعة في كل الفصول والظرورف الطبيعية ولا تخف من البرد والحر فكلاهما صحة لك ودواء لسقمك وسبب لسعادتك واساس لقوتك وغذاء لجسدك وعقلك واساس لكيانك

ومن هنا فانني امارس الرياضة يوميا معدل ستة ساعات يوميا منذ طفولتي وما زلت والفضل كله يعود لتوصيات امي وتعليمها لي وعليه فانني احس بالسعادة والقوة والصحة بك معانيها

وكانت تعطيني حاجتي من النقود كي اشتري لباسا اتباهى به امام اباء جيلي في المدرسة

كانت تمنحني الحب المفقود في مجتمع يصادر كل انواع الحب ويمنعه ويحرمه

كانت تعلمني اخلاق التسامح والعطف والحب والتعاون وتعلمني ان لا اتصرف ضد من يسيء لي بردة فعل انتقامية او سلبية وكانت توصيني دائما بحب ابي والتسامح معه بحجة انه يعاني من صدمة نفسية تلقاء تعامل المجتمع معه بطريقة سيئة وتلقاء حرمانه من حقوقه الحياتية من قبل عائلته وهو صغير

امي ليست بذاك العلم العالي وليست بتلك الثقافة الواسعة لكنها تمتلك قلبا كبيرا وعقلا كبيرا وذهنا نيرا وتفكيرا ذكيا واحساسا راقيا

اي انها انسانة وارادت ان اكون انسانا بدافع مسؤولية الام

امي استذكرك والدمع يغرق عيني حزنا على فراقك واحساسا بي كوني لم ارد لك ولو قسطا يذكر من جمائلك اتجاهي

لقد غادرت الحياة وانا في اضيق حال واصعب موقف اقتصاديا ومعنويا

امي الحبية .... وبذات اللحظة ابتسم وافرح لانني ابن ام عظيمة .. انسانة ... راقية حليمة ... عطوفة محبة متسامحة ... ذكية طيبة نشطة ... رقيقة ودودة .. لطيقة حلوة انيقة .. ذات منطق وفكر علمي وعقلانية ... انسانة اجتماعية لا تعرف الحقد ولا الكراهية .. انسانة متحركة فاعلة لا تعرف التعب ولا القعود ولا الكسل .. انسانة منتجة تصنع الحياة من العدم وتصنع الفرح من الحزن والضوء من الظلام والكثير من القليل

حكيمة قائدة مدبرة مديرة ريادية مثابرة مبادرة طلائعية ايجابية فاعلة تترك بصمتها في كل محفل وكل موقع ولها قصة وجود في كل ثانية من زمن عمرها

امي اقول لك كل عام وانت مثال الام ... الانسانة

وها انا احمل باقة ورد جوري احمر اضمها الى صدري واقبلها بقبلات الحب الوجداني الصافي

اضع الباقة على قبرك يا امي حاملة معها كل معاني الحب والوفاء لام فارقت بجسدها هذا العالم ولكنها ما زالت وستبقى موجودة بحضورها وبكيانها الحي الذي لا يموت ابدا

ما زالت امي وام الانسان اينما كان عنوانا للانسانية يحكي قصة حضارة لانسان متقدم راقي

في عيد الام اقدم لك يا امي الورود والزهور والحب والشكر والامتنان والذكرى الجميلة والعرفان ومن اجل رضاك تستحقين حياتي لك قربان