في رحاب الوداع الاخير لمرزية رزازي



قيس قره داغي
2005 / 9 / 21

انسانة عاشقة لثلاث ( كوردستان .. الفن والاسنان ) هجرت سماءنا فجأة لتترك لنا إرثها المثقل بالقيم الكوردية الاصيلة المتجسدة بإنطلاقتها المبكرة الى سوح النظال كبيشمركة في جبال كوردستان وتمزيقها للستائر البالية التي تحجب المرأة الكوردستانية عن مواكبة النصف الاخر في عمليات التصدي والبناء ، حيث صدحت بصوتها المتكامل قرارا وجوابا وأداءا باقة ملونة من الاناشيد الثورية لجمال كوردستان وبيشمركة الايام الصعبة .
لم تكترث هذه المرأة المناضلة بالخطوط الحدودية الطارئة على خارطة كوردستان الكبرى إذ قدمت نشاطها الفني الغنائي والمسرحي لكل كوردستان وقدمت عطائها في كافة القنوات الاعلامية للاحزاب والتجمعات الكوردستانية العاملة في أجزاء كوردستان الاربعة ولذلك تلقفت بنات وأبناء كوردستان نبأ رحيلها المفاجئ بالدموع المتلألئة والكلمات التي تليق بمقامها والمشاعر الجياشة التي تعبر عن المساحة المزروعة برياحين الحب لانسانة خصت جل حياتها لخدمة الآخرين ونجحت في امتحان الحياة ان تكون اُمّا وبيشمركة وفنانة وأنسانة تبقى ذكراها العطرة قناديلا متوهجة في طريق المرأة الكوردية المؤدية الى الشواطئ التي تمنح الانعتاق للمرأة الكوردية المتطلعة أبدا لذلك الانعتاق .
كنت قد شاهدت هذه النجمة التي أفلت مبكرا من سماء الفن الكوردي الاصيل في مقابلة شاملة تحدثت ضمن حديث مطول عن أمور كثيرة من محطات حياتها عام 2002 من فضائية كوردستان وقد تلقيت حديثها آنذاك عن الموت عاديا مثل أي أنسان يعرج في لحظة الى الحديث عن وصيتها بعد الموت ، غير إن الفضائية أعادت المقابلة يوم أمس وقد كانت لحظة تطوف على موجات من الدموع حينما تحدثت الراحلة عن رحلة العودة زائرة الجزء المحرر من وطنها مع عائلتها الرشيقة وزوجها الفنان الكبير ناصر رزازي بعد هجر دام ثمانية عشر سنة في المنفى الاجباري ووصفت تقبيلها للتربة الكوردستانية في مشارف مدينة آمد ( ديار بكر ) في شمال كوردستان وهي ليست من بنات تلك المدينة كما نعلم بل هي من مدينة مريوان في شرق كوردستان ، ثم أردفت قائلة بأنهما هي وزوجها الفنان فكرا أن يصطحبا حفنة من تربة كوردستان في رحلة الاياب الى منفاهما في السويد ليوصيا أن تدفن مع نعشيهما فيما إذا لم يتسنى نقل رفاتهما الى أرض الوطن وقد أختارا تلك الحفنة من أرض مصيف شقلاوة الرائعة ، لم تتمكن الراحلة وهي تصف هذه الرحلة من منع دموعها ان تسيل رقراقة .
مع انتقادنا للجمعيات والنوادي والاتحادات الكوردستانية الكثيرة في السويد حيث لم تتوفق تلك المنظمات من تنظيم الجالية الكوردية في ستوكهولم كي يجتمعوا أمام المشفى التي أخطئت في أجراء العملية الجراحية حسب زوجها الفنان ناصر الذي صرح لفضائية كوردسات من منزل العائلة الكائن في مصيف دوكان السياحي ، فتدفقت الجموع الحزينة من عشاق الفنانة مرزية الى اماكن متفرقة دون هدف والتجئت مئات منهم الى الغرف الكوردية على شبكة البالتاك كي يتبادلوا بعضعهم بعضا كلمات الحزن وعبارات المواساة ولا زالت هذه الغرف مكتضة بعشاق صوت مرزية وهم يتسابقون على تفريغ المتراكم من الاسى والاسف على جسامة الخسارة التي لحقت بالفن الغنائي الكوردي بعد الرحيل المفاجئ لمن سكنت القلوب اميرة .
أفلت نجم مرزية وأغانيها ستبقى مترددة على الالسن وخاصة تلك التي تناجي فراشاة الشاعر الراحل كاكه ي فلاح الستة ، القصيدة التي كتبها في سجنه عندما زفوا إليه خبر ولادة مولوده السادس حيث الاداء الرائع الذي يجعل من كل مستمع أب سجين و غائب عن فراشاته الظالة الممنوعة من متعة اللقاء بحنان الابوة .
اليك يا فنانة الوطن انحني اجلالا .