الخصائص الاجتماعية للمرأة العراقية



نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
2015 / 3 / 28

الخصائص الاجتماعية للمرأة العراقية
أولا: التركيب النوعي للسكان :-
تمثل النساء إجمالا نصف السكان تقريبا حسب التعدادات العامة للسكان، ولقد أشارت خطة التنمية الوطنية للسنوات 2010-2014 إلى أن نسبة السكان الذكور إلى نسبتها للإناث في العراق ظلت متوازنة تقريبا طيلة المدة الممتدة من عام 1980 وحتى عام 2008 مع تأثيرات بسيطة لعامل الهجرة الخارجية على نسبة الذكور.
أن نسبة الإناث من السكان قد بلغت عام 1980 (48.5%) مقابل 51.5% للذكور. ارتفعت نسبتها من الإناث بمقدار ضئيل إلى 48.6% عام 1987 مقابل 51.4% للذكور أي أن نسبة الإناث قد ارتفعت بمعدل نمو مركب 3.6% للمدة (1980-1987). واستمر ارتفاع عدد السكان من الإناث إذ بلغ عام 1997 نسبة (50.16%) و بمعدل نمو مركب قدره 3.7% للمدة (1987-1997)، مقابل انخفاض في نسبة السكان من الذكور إلى 49.84% للعام نفسه. ويرجع سبب التغييرات السكانية إلى الحروب التي شهدها العراق والعقوبات الاقتصادية وما نتج عنهما من ارتفاع عدد وفيات الرجال وهجرتهم إلى الخارج. ثم ما لبثت أن عادت نسبة السكان لصالح الذكور عام 2000 إذ بلغت 50.02% لتصل عام 2011 إلى 50.28% مقابل 49.72% للإناث بمعدل نمو مركب 3.12% للمدة (1997-2011). ويمكن تعليل ذلك بسبب الانخفاض المستمر الذي حصل لمعدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة، كون أن نسبة السكان من الذكور للفئة العمرية (4 فأقل) سنة هي أعلى من الإناث إذ تبلغ 51.65% عام 2011 .
أما من حيث التركيب النوعي للسكان حسب العمر، فيلاحظ أن نسبة الإناث دون سن 15 هي أقل من مثيلتها للذكور للأعوام 1985، 1997، 2011. ويرجع ذلك إلى ارتفاع عدد المواليد الأحياء للذكور مقارنة بالإناث، فعلى سبيل المثال بلغ عدد المواليد الأحياء للذكور 55 ألف مولود مقابل 52 ألف مولود للإناث عام2010. وكذلك الانخفاض المستمر لنسبة السكان دون سن 15 خلال الأعوام المذكورة، إذ انخفضت من 45.33% عام 1985 إلى 39.47% عام 2011. ويعود سبب الانخفاض إلى تراجع معدل الخصوبة الكلي في العراق.
أما الفئة العمرية (15-64) سنة من السكان التي تمثل السكان في سن العمل، فلقد كانت لصالح الذكور عام 1985 (26.37%) مقابل 24.72% للإناث. ولكن تغير ذلك في عام 1997 وعام 2011 إذ أصبحت نسبة السكان من الإناث في سن العمل هي الأعلى بواقع 26.12% و 28.90% على التوالي مقابل 25.46% و28.30% على التوالي للذكور، أي أن المسؤولية الأكبر لتحقيق تنمية شاملة تقع على عاتق المرأة.
وتبقى نسبة السكان من الإناث هي الأعلى في الفئة العمرية (65 سنة فأكثر) لكل من الأعوام 1985، 1997، 2011 بواقع 1.86% و1.90% و 1.83% على التوالي للإناث مقابل 1.71% و 1.50% و 1.50% على التوالي للذكور. إذ أن توقعات الحياة للإناث عادة ما تكون أعلى منها لدى الذكور.
وتشير العلاقة بين السكان والتنمية إلى إن النمو السكاني قد يكون محفزا لمعدل النمو الاقتصادي عندما يترافق مع تغيرات في التركيب النوعي للسكان باتجاه زيادة الأهمية النسبية للفئات القادرة على العمل، أو أن لا تقل نسبة السكان النشيطين اقتصاديا عن النصف. ويعد مؤشر العمر الوسيط من المؤشرات التي تدل على تغير التركيب العمري للسكان فهو يقيس العمر الذي ينقسم عنده السكان بشكل متساو إلى مجموعتين عمريتين الأولى أصغر من العمر الوسيط والثانية أكبر منه. ويعد المجتمع الذي يتمتع بعمر وسيط أقل من 20 سنة مجتمعا يافعا، فيما يعد المجتمع ذا عمر متوسط إذا كان وسيط العمر يقع بين (20-29) سنة، وإذا بلغ الوسيط 30 سنة واكبر يعد مجتمعا كهلا.
وتبين تقديرات السكان إلى أن وسيط العمر يجعل المجتمع العراقي مجتمعا يافعا، إذ تبلغ نسبة السكان دون سن 20 (50.42%) عام 2011 ويتوقع إنه سيصبح عام 2015 مجتمعا ذا عمر وسط نتيجة زيادة نسبة السكان في عمر الشباب. وأن تغيير التركيب العمري للسكان ينشأ مع انخفاض معدلات الخصوبة، الأمر الذي يقود إلى تحول المجتمع ذي الغالبية المعالة من الأطفال وصغار السن إلى مجتمع يشكل فيه السكان في سن العمل نسبة أكبر. وهذا يعني أيضا أن معدل النمو في فئة السكان النشيطين اقتصاديا سيكون أعلى من معدل نمو الفئات المعالة وهو ما يطلق عليه الهبة أو النافذة الديمغرافية (وفي العراق ستكون نسبة السكان من الإناث لهذه الفئة أكبر من نسبة الذكور)، التي تشكل فرصة تنموية تظهر في المجتمعات التي تتميز باتساع قاعدة هرمها السكاني، وتفتح المجال أمام عملية التحول الديمغرافي. لذلك فهي فرصة تتيحها عملية تغيير التركيب العمري للسكان، وهي مجرد إمكانية وليست نتيجة حتمية لتلك التغيرات ومن ثم فإنها نعمة إذا ما تم التعامل معها بايجابية من خلال بناء القدرات البشرية واستثمارها في عملية التنمية. أي لابد من تمكين المرأة اقتصاديا لاستغلال هذه الفرصة التنموية.

ثانيا: الحالة الصحية :-
1- الصحة الإنجابية:-
يقصد بالصحة بمعناها الشامل على وفق تعريف منظمة الصحة العالمية، هي تمام العافية بدنيا ونفسيا. وتشمل الصحة الإنجابية عدد من المؤشرات منها :-
أ‌- الرعاية الصحية في أثناء مدة الحمل.
ب‌- الإشراف الطبي عند الولادة.
ت‌- وفيات الأمهات ومعدل الخصوبة.
ث‌- وفيات الرضع والأطفال دون سن الخامسة.
ولقد بينت خطة التنمية الوطنية للسنوات 2010-2014 أن المؤشرات الايجابية في مجال الصحة الإنجابية هي ارتفاع نسبة الولادات التي تجري تحت إشراف موظفي الصحة من ذوي الاختصاص. إذ ارتفعت من 50% إلى 89% بين عامي 1990 و 2006. كما ارتفعت نسبة الولادات داخل المؤسسات الصحية للعامين 2007 و 2008 من 62.3% إلى 64% . كذلك أشارت بيانات المسح المتكامل للأوضاع الاجتماعية والصحية للمرأة العراقية (I-WISH) لسنة 2011 أن 90% من الولادات الحية التي تمت قبل خمس سنوات قد تلقت فيها الأمهات رعاية صحية قبل الولادة من قبل طبيب أو ممرضة مؤهلة أو قابلة مأذونه، وبلغت نسبة الولادات التي تمت في مؤسسات صحية 78.5% أي ارتفعت بمقدار 14.5% خلال ثلاث سنوات مما يعكس ارتفاع في مستويات الوعي الصحي.
بلغ عدد وفيات الأمهات في العراق 177 لكل مائة ألف ولادة حية في عام 1990، ارتفعت إلى 291 وفاة عام 1999 متأثرة بظروف الحصار وتدهور الوضع الصحي في العراق، ثم انخفضت إلى 84 عام 2006 واستمرت بالانخفاض إلى 63 وفاة لكل مائة ألف ولادة حية عام 2010. ويلاحظ ارتفاع هذا العدد مقارنة بدولة الإمارات العربية المتحدة إذ بلغ 12 لكل مائة ألف مولود حي والكويت 14 للعام نفسه.
إن مستويات الخصوبة في العراق واصلت انخفاضها إلى مستويات أدنى خلال العقود الثلاثة الماضية، إذ انخفض معدل الخصوبة الكلي من 6.7 أطفال لكل امرأة للمدة (1980-1985) إلى 6 للمدة (1985-1990) حتى بلغ 5.7 للمدة (1990-1999) واستمر بالانخفاض إلى 4.6 مواليد لكل امرأة في عام 2011. إلا إنه يزيد بحوالي ثلاث أضعاف عن معدل الخصوبة الكلي للبلدان متقدمة النمو إذ يبلغ 1.7 مواليد لكل امرأة عام 2011، بل إنه يزيد كذلك عن معدل الخصوبة الكلي لأقل البلدان نموا 4.5 مواليد لكل امرأة للعام نفسه .
أما معدل وفيات الأطفال الرضع ودون سن الخامسة من العمر فقد ارتفع خلال سنوات العقوبات الاقتصادية على العراق، بسبب تراجع الوضع الصحي بشكل خاص والوضع الاقتصادي بشكل عام. إذ بلغ معدل وفيات الأطفال الرضع ودون سن الخامسة من العمر 30 و 50 وفاة لكل ألف ولادة حية على التوالي خلال المدة (1984-1989) ليرتفع إلى 101 و 122 وفاة لكل ألف ولادة حية على التوالي عام 1999 . ومن ثم انخفض معدل وفيات الأطفال الرضع ودون الخامسة إلى 33 و 38 وفاة لكل ألف ولادة حية على التوالي عام 2011. وهو يزيد عن معدل وفيات الأطفال الرضع ودون سن الخامسة للدول ذات الدخل المرتفع إذ يبلغ 6 و 7 وفيات لكل ألف ولادة حية على التوالي عام 2008، مع ملاحظة الفارق الزمني ثلاث سنوات.
نرى إنه بشكل إجمالي يمكن تعليل التدهور في مؤشرات الصحة الإنجابية للمرأة العراقية مقارنة مع دول العالم إلى ما يلي :-
أ‌- اعتماد العراق لمدة طويلة من الزمن سياسات تشجيع الإنجاب، دون أن يقابل مثل هذه السياسات تطور في المستوى الصحي والاقتصادي.
ب‌- لا يتوافر تخصيص مالي في الموازنة العامة للغذاء اللازم والمناسب للمرأة خلال مدة الحمل والرضاعة، من اجل المحافظة على سلامة صحتها البدنية مع طفلها.
ت‌- عدم تمكن المرأة العراقية اقتصاديا واجتماعيا. إذ أكدت اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) أن هناك ترابطاً واضحاً بين سوء حالة المرأة الصحية ودرجة الانتهاكات الأسرية والمجتمعية لاستقلاليتها. فانتشار الزواج المبكر ومواقف الزوجين المتضاربة بشأن الإنجاب ورعاية الأطفال، واحتياجات تنظيم الأسرة غير المتوافرة، وقلة إشراك المرأة في إدارة ميزانية الأسرة، وانخفاض نزوع النساء عن القيام بأعمال غير زراعية مدفوعة الأجر، والقيود المفروضة في كثير من الأحيان على تنقل المرأة خارج منزلها وتدني مستواها التعليمي. جميع هذه العوامل يمكن أن ينظر إليها كمؤشرات واضحة على الوضع المتدني للمرأة الذي ينعكس سلبا على صحتها الإنجابية .
ث‌- قلة معرفة المجتمع العراقي بالمدة المناسبة بين ولادة وأخرى. إذ أن للمدة بين ولادتين تأثير مباشر في مستوى التفاوت في وفيات الأطفال. فيرتفع معدل وفيات الأطفال عندما تكون المدة بين ولادتين أقل من سنتين، ثم ينخفض المعدل عندما تكون المدة سنتين ويستمر بالانخفاض عندما تكون المدة ثلاث سنوات، و يعود ليرتفع عندما تتباعد المدة بين الولادتين لأكثر من ذلك. أي أن ثلاث سنين تفصل بين ولادة وأخرى تعد الأمثل من بين الفترات. ويرتفع عدد حالات الوفيات قليلا للأطفال في الترتيب الأول في حين ينخفض للتراتيب الأخرى، لكن معدل وفيات الأطفال يرتفع بشكل كبير للطفل السابع وما بعده. أما أثر عمر الأم في معدل وفيات الأطفال، فانه يرتفع عندما يكون عمر الأم (40-49) سنة، وتأتي بعده الفئة العمرية (أقل من 20) سنة، في حين ينخفض إلى أدنى معدلاته عندما تكون الأم من الفئة العمرية (20-29) سنة .

2- العمر المتوقع عند الولادة :-
يعبر مؤشر العمر المتوقع عند الولادة عن مدى تدني معدلات الوفاة في المجتمع بما يسمح للفرد بالبقاء على قيد الحياة. وفي مختلف أنحاء العالم غالبا ما يكون العمر المتوقع عند الولادة للإناث أعلى مما هو عليه للذكور، ويعود السبب في ذلك إلى زيادة احتمالات تعرض الذكور للوفاة في مراحل العمر المتتابعة منذ لحظة ولادتهم أحياء عن الإناث. فعلى سبيل المثال ذكر التقرير الوطني الثاني حول السكان في العراق 2012 أن هناك عدداً من العوامل تؤثر في ارتفاع الوفيات منها الحروب، والحوادث المرورية، وحوادث المهن، والتدخين، وارتفاع ضغط الدم، وارتفاع سكر الدم، وارتفاع الكولسترول وجميعها ترتفع فيها معدلات الإصابة بين الذكور مقارنة بالإناث. إذ بلغ معدل وفيات الذكور في العراق عام 2011 (2.3) وفاة لكل ألف نسمة مقابل 1.9 وفاة لكل ألف نسمة للإناث للعام نفسه.

ان الفرق بين العمر المتوقع عند الولادة بين الذكور والإناث واضح ، إذ يرتفع عند الإناث مقارنة مع الذكور على امتداد المدة الزمنية (1980-2011) مع ملاحظة التحسن بشكل عام لمتوسط العمر المتوقع عند الولادة لكلا الجنسين (باستثناء عامي 1994 و1995) وذلك نتيجة التحسن في مستوى الخدمات الصحية المقدمة للسكان. كذلك يبين الجدول أن الفجوة بين العمر المتوقع عند الولادة للذكور والإناث ازدادت لصالح الإناث خلال مدة الحرب العراقية الإيرانية، بسبب ارتفاع عدد الوفيات خلال الحرب والذي طال الرجال بصورة أكبر من النساء.
أما في تسعينات القرن الماضي فلقد أدى تدني الواقع الصحي والتغذوي نتيجة العقوبات الاقتصادية إلى تراجع العمر المتوقع عند الولادة لكلا الجنسيين، إذ بلغ عام 1994 (57) سنة بواقع 58 سنة للإناث و 56 سنة للذكور. ولكن مع تطبيق مذكرة التفاهم (النفط مقابل الغذاء) ارتفع مؤشر توقع الحياة عند الولادة للذكور والإناث عن ما كان عليه عام 1995 بحوالي خمس سنوات عام 1998 ليبلغ 62 سنة للذكور 65 سنة للإناث. واستمر بالارتفاع بعد عام 2003 نتيجة التحسن في المستوى المعيشي والصحي الذي عم حياة السكان في العراق، إذ بلغ 72 سنة للإناث و66 سنة للذكور عام 2011. إلا إنه بمقارنة هذا المؤشر مع متوسط العمر المتوقع عند الولادة لبعض الدول العربية يلاحظ إنه ما زال منخفضا، ففي دولة الإمارات العربية المتحدة بلغ للإناث 78 سنة وللذكور 76 سنة عام 2011 وفي الأردن 75 سنة للإناث 72 سنة للذكور للعام نفسه.
على الرغم من أن المرأة تعيش لمدة زمنية أطول من الرجل إلا إنه و بحسب ما ذكر في تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2005، أن النساء في المتوسط يعانين من فقدان نسبي لسنوات الحياة نتيجة المرض أكبر مما يعانيه الرجال. أي أن معدلات الوفيات تكون مرتفعة للذكور مقارنة بالإناث، إلا أن السنوات التي تحياها المرأة وتكون غير متمتعة بكامل صحتها بسبب المرض أو الإصابة أو كليهما هي أكثر مما هو عليه للرجل. إذ يتبين أن الفقدان الأكبر لسنوات الحياة بسبب المرض في حالة النساء تعود إلى فروق عامة في نمط الحياة و إلى الاختلافات البيولوجية بين الذكور والإناث، فهي لا تتوقف على مدى غنى المجتمع . أي بداية تتسبب أدوار المرأة البيولوجية في زيادة تعرضها لبعض المخاطر الصحية المتعلقة بالحمل والولادة، كما تعاني النساء من مخاطر صحية إضافية تتعلق بوضعهن وبدورهن النوعي داخل المجتمع. فعلى سبيل المثال هن أكثر تعرضا للعنف الأسري ، فضلا عن طبيعة المسؤوليات التي تعزا إلى المرأة خلال حياتها التي قد تتسبب بمخاطر صحية بدنية أو نفسية، ولكنها غير مهلكة ومن ثم لا تنعكس على العمر المتوقع لحياة المرأة. وفي المجتمع العراقي تقضي المرأة معظم حياتها بأعمال تتمثل بالتدبير المنزلي الذي يتسم بالخواص التالية :-
أ‌- أن الحيز الأكبر لهذا العمل يتمثل في أعمال لا تحتاج إلى مهارات أو تخصصات عالية المستوى. فضلا عن تنوع وتعدد الأعمال اليومية التي تؤدي إلى تشتت وتآكل القدرات والمهارات الكامنة لدى المرأة. مما يجعلها غير قادرة على زيادة مستوى إنتاجيتها، كما لو كان الأمر في حال تخصصها بمهنة محددة.
ب‌- يستغرق التدبير المنزلي وقتاً طويلاً خلال اليوم، ومن ثم فهو يحد من خيارات عمل المرأة خارج المنزل. إذ أظهرت بيانات استخدام الزمن للمسح الاجتماعي والاقتصادي للأسرة في العراق لسنة 2007 إن المرأة تصرف في المتوسط 335 دقيقة يوميا للقيام بالإعمال المنزلية (إعداد الطعام وتنظيف المنزل والعناية بالأطفال وكبار السن وأعمال منزلية أخرى) . ولذلك الأعمال الخاصة بالتدبير المنزلي تستغرق وقتاً طويلاً وبالأخص في المجتمع العراقي وذلك نتيجة للآتي :-
•ارتفاع مستوى التلوث الحضري إلى 138 ميكروغرام للمتر المكعب مقابل 25 ميكروغرام للمتر المكعب في منطقة أوروبا وآسيا الوسطى ، مما يؤدي إلى زيادة الوقت اللازم لأعمال التنظيف.
•الصورة النمطية للمرأة النموذجية هي التي تستغرق وقت طبخ وتنظيف أطول.
•غالبا ما تتضمن الأسرة العراقية أكثر من ستة أفراد، إذ يبلغ حجم الأسرة العراقية 6.4 أفراد عام 2011. فضلا عن احتمال وجود أكثر من أسرة في المنزل الواحد.
ت‌- تعرض المرأة إلى المياه غير النظيفة والمركبات الكيميائية الضارة بالصحة وإلى حرارة نار الطبخ في أثناء إنجازها أعمال المنزل. فضلا عن ما تتضمنه هذه الأعمال من حمل الأشياء الثقيلة أو قلة الحركة التي تتسبب بزيادة الوزن وأمراض المفاصل. ويزداد احتمال تعرض المرأة لشيخوخة الدماغ، ويحدث ذلك عندما يكون مخ الفرد أكثر شيخوخة من جسمه، نتيجة انقطاعه عن ممارسة النشاط العقلي لسنوات متعددة مما يؤدي إلى خمود كثير من خلاياه العصبية بفعل الكسل أو البطالة .
ث‌- لا يشمل التدبير المنزلي عادة حوافز مالية أو معنوية.
ج‌- يفتقر التدبير المنزلي إلى آفاق الترقية إلى مراكز أعلى.
ح‌- لا يكون محميا بموجب القانون.
ومن ثم فإن الزيادة في متوسط العمر المتوقع عند الولادة للمرأة العراقية مقارنة بالرجل العراقي، يعني في كثير من الأحيان العيش في المرض لمدة أطول من حياتهن، أي يصبح العيش لمدة أطول مرادفا للعيش في فقر ومرض لوقت أطول.
ثالثا: الحالة التعليمية :-
1- التحصيل العلمي:-
يعد محو الأمية بأنواعه ومستوياته، وكذلك التعليم بمستوياته المتتابعة المدخل الحقيقي نحو تمكين المرأة وتأكيد مشاركتها في بناء المجتمع. وعلى الرغم من أن نسبة الأمية بين النساء العراقيات قد انخفضت من 32.7% عام 1997 إلى 28.2% عام 2011، إلا إن حصة النساء الأميات بقيت تقريبا على المستوى نفسه على مدى 14 سنة، فهي تمثل أكثر من ضعف نسبة الأمية بين الرجال العراقيين 16% عام 1997 و13% عام 2011. ولقد ذكرت وحدة التحليل والمعلومات IAU التابعة للمنسق المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية للعراق في الأمم المتحدة، إنه في اختبارات محو الأمية الوظيفية عام 2012 (عندما طلب من النساء قراءة الجملة بصوت عال) ارتفعت الأمية لأكثر من 50% للنساء الريفيات من الفئة العمرية (15-24) سنة . ولاحظنا عند لقائنا بالموظفات المبحوثات الحاصلات على شهادة الابتدائية اللواتي تبلغ نسبتهن 5.3% من حجم العينة، أن 90% منهن طلبن من شخص آخر قراءة الاستمارة لهن للتمكن من ملئها. مما يعكس تردي نوعية التعليم من ناحية، ومن ناحية أخرى طول مدة انقطاع الموظفة عن الدراسة إذ أن 60% منهن من الفئة العمرية (40-59) سنة، أي أن مدة انقطاعها عن التعليم تزيد عن 28 سنة، ونوعية المهنة التي تعمل بها(عاملة نظافة أو موظفة استعلامات) التي لا تؤدي إلى تطور مهارات القراءة والكتابة لديها. ويشير ذلك إلى إن تعلم المرأة القراءة والكتابة فقط، ومن ثم انشغالها بالمسؤوليات المنزلية قد يؤدي إلى ضياع هذه المهارة لديها. بمعنى إن محو الأمية لدى الإناث دون توافر سياسات تشجيعية لإكمالهن مراحل التعليم جميعها (ابتدائي، ثانوي، جامعي)، هو غير كافٍ للتخلص من أميتهن. إذ ربما يؤدي امتهان المرأة أعمالا لا تتطلب مهارة القراءة والكتابة، إلى تلاشي هذه المهارة لديها.
يوضح التحصيل العلمي للإناث والذكور عام 2011 لمختلف مراحل التعليم. أن هناك فرقاً بين الجنسين لصالح الذكور في جميع مستويات التعليم، ما عدا مستوى يقرأ ويكتب. إذ يتحقق التكافؤ بين الجنسين عند هذا المستوى، فلا تتجاوز الفجوة نسبة 0.01%. ولا ترتفع نسبة الإناث عن نسبة الذكور إلا عند مستوى الأمية بفجوة نوعية تقدر ب1.17%. وأن التحصيل الابتدائي هو الأقرب إلى التكافؤ بين الجنسين مقارنة مع مراحل التعليم الأخرى، فقد بلغ مؤشر التكافؤ في التعليم الابتدائي 0.85%، وذلك يبين أثر قانون إلزامية التعليم في المرحلة الابتدائية. ويصل عدم التكافؤ إلى أقصاه في التعليم العالي، إذ فاق عدد الذكور الحاصلين على شهادة بكالوريوس فأعلى إلى حد كبير عدد الإناث بواقع فجوة نوعية بلغت 0.34%.
وينعكس اختلاف التفاوت من مرحلة تعليمية إلى أخرى وزيادته مع ارتفاع مستوى التحصيل العلمي على كفاءة المرأة مقارنة بالرجل، مما يقلل من فرص مشاركتها في سوق العمل (وبالأخص عند وجود تحيز في سوق العمل العراقي لصالح الرجل) وتبوأها مراكز إدارية ومهنية عليا أي توظفها بوظائف ذات اجر مرتفع، مما يحد من فرص تمكينها الاقتصادي.
2- التحاق الإناث بمراحل التعليم:-
أدت مجموعة من الأسباب، يأتي في مقدمتها الظروف الاقتصادية الصعبة لبعض العائلات العراقية إلى عدم إرسال بناتها إلى التعليم أو إلى تسرب الإناث من المدارس والمعاهد والجامعات.

أن نسبة التحاق الإناث إلى الذكور في مراحل التعليم للمدة الزمنية (1980- 2010) منخفضة لجميع المراحل. أي أن عدد الذكور الملتحقين في التعليم الابتدائي والثانوي والجامعي يزيد عن عدد الإناث. وان التحاقهن بالتعليم ينخفض في مستويات التعليم الثانوي والجامعي مقارنة مع المستوى الابتدائي. على الرغم من أن نسبة التحاق الإناث إلى الذكور في مرحلة التعليم الابتدائي هي الأقرب إلى التكافؤ إذ لا تتجاوز الفجوة بين الجنسين 17% خلال المدة المذكورة، إلا إنه لم يحدث تقدم مهم خلال العقود الثلاثة الأخيرة. فقد بلغت نسبة التحاق الإناث في التعليم الابتدائي 86% عام 1980 ارتفعت إلى 89% فقط عام 2010. أما التقدم الأكبر نحو التكافؤ بين الجنسين في معدلات الالتحاق، فقد حصل في التعليم الثانوي والجامعي. ففي حين كان مقابل كل 100 طالب ملتحق بالتعليم الجامعي 46 طالبة ملتحقة بالمرحلة نفسها عام 1980، أصبح هناك 82 طالبة ملتحقة في التعليم الجامعي مقابل كل 100 طالب عام 2010، أي إنه خلال 30 عام انخفضت الفجوة النوعية للملتحقين بالتعليم الجامعي من 54% إلى 18%. ويرجع ذلك إلى اتساع نطاق المدارس والجامعات الأهلية والتعليم المسائي بعد عام 2003.
يعود التفاوت في معدلات الالتحاق بمراحل التعليم بين الجنسين إلى جملة من الأسباب يمكن تمثيلها بما يلي :-
أ‌- تزايد الإنفاق الأسري على التعليم مع كل مرحلة من مراحل الدراسة، مما يفرض المزيد من الأعباء على الفئات الفقيرة. إذ تتباين الأسر العراقية من حيث مقدار ما تخصصه من دخلها على التعليم، فقد بلغ متوسط إنفاق الفرد على التعليم خلال 12 شهرا 73.4 ألف دينار في الفئة الأشد فقرا مقابل 286.1 ألف دينار في الفئة الأغنى. ومع ذلك فإن هذه الزيادة في مصروفات الأسرة على التعليم يواجهها انخفاض غير طبيعي في العائد من التعليم (مقدار الزيادة في الأجر التي يمكن للفرد الكاسب أن يحققها لكل سنة إضافية من التعليم). إذ يزداد معدل ما يكسبه الأجير في الساعة في العراق بنسبة أقصاها 2.6% لكل سنة إضافية واحدة من التعليم، في الوقت الذي يبلغ متوسط العائد من التعليم على المستوى الدولي 6%.
إن معدلات الأجر للأشخاص الذين أكملوا الدراسة الثانوية مساوية تماما لمعدلات الأجر بالنسبة للأميين في العراق. ومن المفاجئ أن التعليم الجامعي كذلك لا يوفر إلا فوائد أجريه صغيرة، ولا يبدأ أجر الساعة الواحدة بالزيادة بشكل كبير حتى إكمال الدراسة العليا وخاصة بالنسبة للإناث نظرا لتحيز سوق العمل العراقي ضدهن. فلكي تستثمر الأسر في تعليم بناتها لابد أن تتحمل التزايد في الإنفاق على التعليم لكل مرحلة دراسية. وهذا يفسر جانباً كبيراً من تدني نسبة التحاق الإناث بمراحل التعليم بالنسبة للأسر الفقيرة، بسبب عجزها عن مواجهة تزايد الإنفاق مع التقدم في الدراسة من ناحية، ومن ناحية أخرى عدم توافر حافز مادي يؤثر في قراراتها بتخصيص مواردها النادرة لتعليم بناتها. فتركز العائلات الفقيرة إنفاقها في مجال التعليم على البنين في معظم الأحيان لأنها تعتقد أنهم سيردون الأموال المستثمرة في تعليمهم.
ب‌- يؤدي انخفاض الإنفاق الحكومي على التعليم إلى تدني جودته، الذي يؤثر بدوره في رغبة الفتيات في الالتحاق بالمدرسة ومواصلة التعليم. فالمدارس التي أداؤها ضعيف ولا تدار طبقا لقواعد ومعايير مقبولة لا يحتمل أن تجذب اهتمام الفتيات أو تزيد من إنتاجيتهن في الأنشطة المدرسية .
1- الأعراف والتقاليد الثقافية التي تعرقل التحاق الفتيات بالمدرسة مثل الزواج المبكر والأعمال المنزلية التي تأخذ وقتاً كبيراً من حياة المرأة ولا تقدم لها حافزاً للاستمرار بالتعليم و التخصص بعلم معين لا تستطيع الاستثمار به في المستقبل. كذلك إعطاء أهمية أكبر لتعليم البنين، بوصفهم سيصبحون مسؤولون عن إعالة أسرهم. فضلا عن نوعية التعليم والمناهج والكتب المقررة التي ممكن أن تسهم بوضع القوالب النمطية للوظائف والمهن المعدة مسبقا لكلا الجنسين. إذ نصت المادتان 28 و 29 من اتفاقية حقوق الطفل "لجميع الأطفال الحق في التعليم وينبغي أن يستهدف مضمون هذا التعليم تنمية شخصية الطفل ومواهبه وقدراته العقلية والبدنية إلى أكمل طاقاته". وبهذا يتعين على واضعي الخطط التعليمية التحقق من أن تحظى الفتيات ببيئة داعمة توسع من آفاقهن وتتجاوز الصور النمطية التي تقيد طموحهن. ويتضمن ذلك تلقي المعلمون تدريبا يمنع السلوكيات السلبية التي تعمل على تحديد قدرات التلاميذ من الجنسين على وفق الأدوار التقليدية الموكلة لهما. فضلا عن مراجعة الكتب المدرسية للتأكد من عدم احتوائها على أي صورة من صور التمييز ضد المرأة.
ت‌- بعد المسافة بين المسكن والمدرسة، الذي يعد أحد العقبات الرئيسة التي تحول دون التحاق الفتيات في المدارس. بسبب مخاوف ذويهم المتصلة بالأمن .

3- أبعاد تأثير التعليم في تمكين المرأة:-
من المؤكد أن للتعليم أثراً ايجابياً في حياة المرأة وفي مشاركتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية داخل مجتمعها، وخاصة بالنسبة لأسواق العمل في عهد العولمة. ويمكن توضيح ذلك الأثر بما يلي :-
أ‌- من شأن التعليم المدرسي والجامعي أن يمد المرأة بالإمكانات الضرورية لزيادة الخيارات المتاحة أمامها في سوق العمل. إذ تبين نتائج مسح شبكة معرفة العراق 2011 أن نسبة العاملات بعمر (15 سنة فأكثر) من الحاصلات على شهادة دبلوم فأعلى هي 67.8% في حين تبلغ نسبة العاملات ذوات التحصيل العلمي الأقل تقريبا 8% . تشير نتائج دراسة الاستطلاع، الى ان نسبة الموظفات اللواتي يحملن شهادة جامعية وما بعد هي أكثر من نصف العينة 55% مقابل نسبة 18% للموظفات الحاصلات على كل من شهادة المعهد وشهادة الثانوي، وتنخفض النسبة إلى 5% لمستوى التعليم الأساسي و 4% للمستوى الأمي.
ب‌- يؤدي دخول المرأة الحاصلة على مستوى تعليمي متدنٍ في سوق العمل على الأغلب، إلى أن تقضي حياتها كلها في أداء أعمال غير مضمونة وبأجور منخفضة. أي أن الاستمرار في التعليم سيزيد من احتمالية حصول المرأة على عمل يحقق لها الأمن الوظيفي. إذ تبلغ نسبة النساء ذوات التحصيل العلمي أمي/ يكتب ويقرأ اللواتي يعملن في أعمال غير محمية 94% مقابل 5% فقط للنساء الحاصلات على شهادة دبلوم فأعلى في العراق عام 2011 .
ت‌- يؤثر التعليم في اتجاهات ونظرة المرأة نحو العمل. فقد وجد في نتائج دراسة الاستطلاع أن 58% من الموظفات ذوات التحصيل العلمي الجامعي وما بعد كان سبب خروجهن للعمل هو ضمان للمستقبل وكسب لخبرات جديدة. وذلك يعكس رؤيتهن للعمل بِعَده حاجة اجتماعية ونفسية، أي أن الدافع وراء العمل خارج المنزل هو للمساهمة في بناء المجتمع من خلال اكتساب المهارات اللازمة لذلك، فضلا عن القدرة على الاعتماد على الذات وليس هو دافع مادي فقط. وهذا يشير إلى أن المرأة العاملة التي تحمل الشهادة الجامعية وأعلى، لا تعد العمل غير ضروري متى أمكن إشباع الحاجة المادية للأسرة، على عكس نظرة غالبية النساء العاملات الحاصلات على مستوى تعليمي أقل للعمل .
ان ارتفاع نسبة سبب الخروج للعمل يعزى الى المساهمة في تحسين الوضع المادي وفقدان معيل الأسرة عن بقية الأسباب للموظفة الحاصلة على مستوى تعليمي أقل من الجامعي. إذ بلغ حوالي 66% من الموظفات اللواتي يحملن شهادة معهد أو ثانوي كن يعملن لتحسين الوضع المادي، ونسبة 80% تقريبا من الموظفات الحاصلات على مستوى تعليمي أساسي أو أمي يخرجن للعمل لإعالة الأسرة. وذلك يعني أن العمل ينظر له بشكل أساسي بالنسبة لهؤلاء الموظفات على إنه حاجة مادية فقط.
ث‌- من شأن تعليم الإناث تقليل التمييز ضد المرأة في سوق العمل. إذ قد تؤدي أوجه الحرمان في أسواق العمل إلى تقليل العائد المرجو من تعليم الفتيات، إلا أن التوجه نحو تحقيق التكافؤ بين الجنسين في المدارس قادر على الإسهام في الحد من الحواجز الرسمية وغير الرسمية التي تعيق عمل المرأة .
ج‌- إن تعليم المرأة عامل مهم في تشكيل تصور إيجابي للذات، الأمر الذي ينعكس على علاقاتها و سلوكها. وعلى هذا الأساس يكون للتعليم نتائج إيجابية، وارتباطات بمشاركة المرأة في القرارات على مستوى الأسرة والمجتمع .







 -;-