التسول مهنة أنثوية.. لماذا؟؟



رحاب العربي
2015 / 4 / 4

نساء من كل الأعمار يتخذن من أبواب المساجد و من شوارع المدن والحدائق العامة زوايا ومحطات لتحصيل لقمة عيشهن و عيش من يعيلوهن من أبناء وبنات قصر ، وآباء وأمهات عاجزين عن الحركة..
"صدقة لوجه الله.. أعيل أيتام أعينوني أعانكم الله".. وووو الخ من تلك التراتيل التي يحفظنها لكسب عطف المصلين و المارة الذين يلقي بعضهم بما يفيض به كرمه في يد تلك السيدة، فيما يمر بها آخر مفلس أو سئم تلك التراتيل المكرورة دون أن يهتم بأمرها..
هذه المشاهد للمتسولات من نسائنا العربيات ضحيا ثقافتنا الذكورية لا تخلو منها عاصمة عربية من المحيط إلى الخليج، مشاهد تديننا كمجتمعات شرقية كانت ولا زالت تصر على إبقاء نصفها في حالة شلل كامل، بل تراجع وعينا في ظل ظاهرة الرجيع العربي المستجدة على أكثر من ساحة عربية، الى ثقافة القرون الوسطى و بدأ جزء كبير من مجتمعاتنا يمارس قهرا على المرأة يفوق كل التوقعات ينتهي بحبسها بين جدران زنزانة ومكفنة بظلام البراقع المادية والفكرية التي تجعلها تخاف حتى من نفسها وتعتقد أنها مخلوق نجس ومثير للفتنة يجب ألّا تخرج لمواجهة البشر..
هذه المرأة التي مارسنا عليها قهرا وظلما لم تعرفه مثيلاتها في العالم الآخر، بعد أن نزعنا عنها إنسانيتها وفرضنا عليها جهلا مطبقا وحرمناها من أي فرصة لكسب مهارة تحصيل رزقها دون الاعتماد على الغير، وبعد أن حولناها الى بئر لإطفاء الغرائز وآلة لملئ البطون، وبعد أن قطعنا عنها كل أبواب الرزق، إما بقتل معيلها او بتشريدها من بيتها جراء نزقنا وتهورنا وإرهابنا، ها هي تتسمر كل يوم صباحا ومساء أمام أبواب المعابد وتجوب الشوارع لتحصيل رزقها ورزق من تعولهم بطريقة مهينة ومحتقرة تفقدها كرامتها وتجعل حياتها في مهب الريح ومرتهنة لعواطف ونزق العابرين..
مشاهد تديننا بجريمة في حق نصفنا الذي ظل و سيبقى الى عقود مشلولا بسبب عقولنا المتحجرة التي تعيش على اجترار خرافات ورؤى عصور الظلام، وترفض بإصرار أي نور يبعث الحياة في هذا النصف المشلول، ويجتهد شيوخ الظلام الذين احتكروا في ظل تراجع ثقافة التنوير منابر دور العبادة واستخدموا ما اخترعه مجتمع "الكفرة" -الذين يعدونهم بنار جهنم- من تقنيات للترويج لثقافة الظلام وتحويل الأنثى من إنسان إلى آلة عمياء لا تختلف عن تلك الدجاجة المحبوسة في معمل لإنتاج البيض ، تقتصر مهمتها على أن تكون فراشا لفحل متحجر يغتصبها كلما شعر برغبة في ممارسة نزواته القهرية أو ولادة أطفال يرفعون اسمه أمام أمثاله من عبيد الشهوات ، فضلا عن ملئ بطنه التي تسبقه بمسافات بكل ما لذ وطاب ، وقد يدفعه نزقه وشبقه المرضي واحتكاره للتصرف فيها كقطعة من أثاث بيته المهتري الى تشريدها هي وأطفالها لتجد نفسها مسمرة على أبواب دور العبادة او في الطرقات تستجدي العابرين بصدقة تطفئ بها جوع أطفالها ضحايا ثقافة التخلف التي لا زالت تسير حياتنا فيما العالم من حولنا غادرها منذ أزيد من قرنين..
أيتها السيدات .. أيتها الفتيات .. أيتها الشرقيات المقهورات، ألم تعين بعد أنكن بشر ؟ وأن الله كرمكن في كل شرائعه، وأنكن يمكن أن تحققن حياة أفضل لكن ولأطفالكن حتى بعيدا على ذلك الرجل الذي يرفض اعتباركن من فصيلة الإنسانية، وينتهك ويسرق حقوقكن ويفرض عليكن الجهل ، ويصادر حريتكن باسم الدين والدين برئ من كل ما يلقيه على مسامعكن من خرافات ليس لها أي وجود النصوص المقدسة..؟
ألم يتبادر الى أذهانكن سؤال عن سبب اقتصار مهنة التسول على النساء، وانعدامها الى حد ما بين الرجال!! ألم تدركوا بعد أن ما تعانيه المرأة المستكينة للهيمنة الظالمة والظلامية للذكور على حياتها هو سبب مأساتها التي تنقلها بدورها لبناتها من بعدها!!.. لقد مر زمن طويل أيتها السيدات ورحلت أجيال منكن وأنتن تمارسن سياسة النعامة برضى نفس مرضي بالبقاء أسيرات لجهلكن وخوفكن وتعلقكن بأوهام سرعان ما تتبدد أمام أول حائط مختلق أو طارئ لتجدن أنفسكن متسولات على الأعتاب وعلى النواصي ، فيما حاباكم الله بكل إمكانات تحصيل رزقكن بشرف وكرامة من عقل وجسم وحواس لا تختلف عما أعطاه للذكور الذين يأسروكن كسبايا في البيوت.. لقد حان الوقت أيتها العربية في أي قطر وفي أي مدينة وقرية لتثبتي وجودك كإنسان مستقل كامل الأهلية قادر على صنع الحياة والعيش بكرامة ترفض حياة الأسر والسبي ، تشارك الرجل جنبا الى جنب كندٍ وكشريك فاعل وأصيل وصاحب قرار في صنع الحياة ، كما يجري في بلدان لا يفصلنا عنها سوى مسطح مائي في زمن ألغت فيه تقنية المعلومات الجغرافيا وحولت العالم الى قرية صغيرة يتفاعل كما لو كان أسرة واحدة.. فهلم أيتها السيدات والشابات لافتكاك حقوقكن والخروج من اسر الظلام والتطلع إلى رحاب الحرية والمشاركة في بناء الوطن جنبا الى جنب مع الرجل كشريكات أصيلات في هذا الوطن، لا كسبايا وأسيرات لا قيمة لهن في الحياة .