لن أتنازل عن المبادئ التي أنادي بها منذ العام 2001



غاده جمشير
2005 / 9 / 24

قيل الكثير عنها وعن حركتها النسوية التي أسستها في العام 2001 باسم "لجنة العريضة النسائية" ونجاح حركتها بالضغط على الجهات المعنية بالدولة فيما يتعلق بقضاة المحاكم الشرعية، إضافة إلى تعرضها المستمر إلى حزمة من القضايا التي وجهت ضدها بتهمة قذف القضاء الشرعي وأخرى قضايا ذات صلة، منها ما تم اسقاطه ومنها مازال في القضاء، إلى إصدار كتابها الأول الذي يتحدث عن تجربة حركتها بعنوان: "الجلاد والضحية في المحاكم الشرعية" الذي وزع منذ شهرين وحاليا يترجم إلى اللغتين الإنجليزية والفرنسية من قبل دور نشر عالمية.

.. تلك هي الناشطة غادة جمشير.
جمشير تعتبر من اكثر الناشطات التي ترفع لواء الدفاع عن قضايا حقوق المرأة في البحرين، وهي لم تهدأ منذ العام 2001 عندما تحركت علانية مطالبة باصلاح المحاكم الشرعية.
البعض اعتبر نشاطها نوعا من المشاكسة والازعاج الذي لايتناسب مع نشاط النساء في البحرين. آخرون ينظرون اليها على انها المدافع الذي لا يتنازل عن حقوق النساء.
ترامت عليها القضايا من كل حدب وصوب، ولكن ذلك ادى الى ان تحصد الناشطة جمشير سمعة دولية ... وكل ذلك جاء بسبب مواقفها التي تضامنت معها المنظمات الدولية المختلفة بما فيها الخطاب الذي وجهه الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان إلى الجهات المعنية بالدولة بحسب ما أفادت به جمشير لـ "الوسط"، موضحة أنها لم تصد باب بيتها يوما في وجه أية سيدة بحرينية "تعرضت لممارسات بربرية وقمعية سواء كانت زوجة، مطلقة، أرملة وغيرها"، معلقة بأن "رسالة عنان حفزتها أكثر على الاستمرارية" إيمانا منها ان قضايا المرأة البحرينية أصبح لها نصيب من الاهتمام من قبل المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة.
وإن كانت هناك قضايا مازالت تنتظر في أروقة المحاكم ضد الناشطة جمشير في حملة وصفتها بأنها "طالبانية" موجهة ضد المرأة البحرينية المطالبة بسن قانون ينصفها وينصف حقوقها بصورة تفعل المبادئ التي نص عليها الدين الإسلامي الحنيف، فإنها وجدت ان ذلك يشد أكثر من عزيمتها ضد من يتلاعب بحقوق النساء تحت حجج دينية غير صحيحة، مشيرة إلى أن هذه الممارسات مأخوذة من عقلية الفكر الطالباني الذي يتعامل مع المرأة بوضعية الدرجة الثانية تحقيرا لذاتها وإنسانيتها وهو واقع يتعارض مع نهج جميع الأديان بما فيها الدين الإسلامي.
الى ذلك، التقت جمشير بالشيخ عيسى أحمد قاسم في يوليو / تموز الماضي، وعرضت ما لديها من قضايا عليه، وقالت "لقد أكد لي الشيخ عيسى قاسم بان الشرع مع حقوق المرأة".
لكن إلى أي حد ستصل مطالب الناشطة جمشير مع قضايا المرأة ومعارضيها داخل المجتمع البحريني؟!
المراقبون الدوليون لحقوق الإنسان اعتبروا حركة جمشير الأولى من نوعها في تاريخ البحرين الحديث كونها أول قوة نسائية ضاغطة تتشكل بفعل المتغيرات التي صاحبت رياح التغير التي قادت البحرين إلى الحركة الإصلاحية التي يبلغ عمرها اليوم خمس سنوات. فحركة الناشطة جمشير ليست فقط حركة نسائية مجتمعية، بل قوة ضاغطة جمعت ومثلت مختلف الشرائح النسوية من مختلف الأطياف البحرينية لتنجلي على السطح كقوة نسائية شعبية ضاغطة.
وإن كانت الناشطة جمشير - التي تترأس حاليا "الشراكة المجتمعية البحرينية لمناهضة العنف ضد المرأة التابعة لمنظمة العفو الدولية"، وتتبنى من خلال الشراكة قضايا مثل مناهضة صور تعنيف المرأة المختلفة وعلى رأسها ضرب الزوجات ومناهضة ممارسة ختان الاناث المتفشي بصورة سرية في بعض مناطق البحرين، فإن نشاط ودفاع هذه الناشطة لن يتوقف عند حد المطالبة بسن قانون للأحوال الشخصية، بل تسعى إلى تحسين وضع المرأة البحرينية من خلال طرح وتوعية المرأة بالممارسات التي تهضم حقوقها آملا في سن قوانين تنصفها.
وفي خضم ذلك وانهماك جمشير في عدة أمور وقضايا، إلا أن "الوسط" ارادت أن تلقي الضوء على جوانب أخرى عن سر اهتمام جمشير بقضايا المرأة، ولماذا ارادت ان تنقل للشارع البحريني تجربتها في إصدار كتاب يذهب ريعه لـ "صندوق ضحايا المحاكم الشرعية من النساء"؟... فماذا قالت جمشير؟! وما هي آمالها النسوية، وطموحاتها التي ربما تحقق منها جزء وآخر مازال على الطريق؟!
ما الدافع الحقيقي وراء إصدار كتاب "الجلاد والضحية في المحاكم الشرعية"؟
- الدافع وراء ذلك هو نقل تجربة لجنة العريضة النسائية البحرينية منذ أن تأسست وحتى الآن... تجربتها بكل إيجابياتها وسلبياتها... فالكتاب لا يتحدث عن غادة، بل عن معاناة نساء البحرين اللاتي قاسين وعانين من غطرسة بعض الماسكين بزمام الاحوال الشخصية وتماديهم في قهر المرأة في قضاياها التي لا تجد أية آذان صاغية، فهناك انتهاكات معنوية ترتكب بحق النساء بصورة واضحة من دون أية محاسبة كون أن القوانين غائبة بحق المرأة وحقوقها في البحرين.

هدايا سياسية
لكن هذا الوضع متفش في جميع دول المنطقة، فما الجديد في ذلك؟
- لا، الوضع كان بهذه الصورة السيئة منذ أيام العهد الأموي والعهد العباسي، فدائما كان هناك القاضي الشرعي الذي لا يأخذ بحق المرأة كون أن تعيينات القضاة منذ ذلك الزمن توزع على أنها "هدايا سياسية" ان صح التعبير. لكن جاء الوقت الذي أصبح للمرأة صوت لتعترض على ذلك ولتطالب بحقوقها بكل ثقة وجرأة لأن الزمن تغير، فالمرأة أصبحت قضاياها تتصدر القوائم والمطالب الدولية، وهناك اشخاص يمارسون دور سيئا ضد المرأة، وهناك قضايا كثيرة ظلموا فيها المرأة، ونحن لا نرضى بذلك.
ألهذا السبب كتابك حاليا يترجم إلى اللغتين الإنجليزية والفرنسية؟
- نعم، وبرغبة من المهتمين بقضايا المرأة في العالم ولأهمية ما طرح في كتابي الذي يعتبر وثيقة مهمة فيما يخص أوضاع الاحوال الشخصية في البحرين.
متى سترى مطبوعاتك المترجمة النور؟
- في القريب العاجل، وستكون مفاجئة وهدية لكل نساء العالم المستضعفات.
ألهذا السبب اخترتي هذه التسمية لكتابك؟
- نعم، لأنه الواقع للأسف.
كتابك وتجربتك لقت صدى واسعا في مختلف الدول العربية، إذ وصفك بعض الحقوقيين ورجال الدين بأول سيدة عربية تنتقد المحاكم الشرعية بصورة جرئية... ما تعليقك على ذلك؟
- لا تعليق لدي، فإن أرادوا نعتي بهذه التسميات لربما أنني حققت إنجازا... لكنني على المستوى الشخصي لا أبحث عن تسميات أو مناصب أو شهرة. كل ما أريده وبأمانة شديدة هو قانون ينصف حقوق المرأة في بلدي، ولن يثنيني أي شيء عن القناعات التي أؤمن بها منذ فترة طويلة.
كتابك حاليا يوزع في بعض الدول الخليجية. هل هناك مشروعات لترويجه؟
- الترويج الحقيقي جاء من النساء أنفسهم المؤمنات بقضايا حقوق المرأة... فقد تلقيت دعوة من بعض النساء القطريات للتوقيع على كتابي وهو ما أثلج صدري باهتمام المرأة القطرية بما يدور ويحصل داخل أروقة محاكمنا الشرعية في البحرين.
متى؟
- قريبا جدا!

إهانة القضاء
هل صحيح أنك أهنتي القضاء الشرعي البحريني ونعته بالفساد والمحاباة والتخلف؟
- أنا مارست حقي كمواطنة في حرية التعبير التي نص عليها دستور البحرين وميثاق العمل الوطني. وواقعا أنا لم أهن القضاء الشرعي، بل ان هناك تصرفات وممارسات غير مسئولة تجاه قضايا المرأة في البحرين كون أن أحكامه لا تنتمي بصلة إلى الشريعة الإسلامية.
كانت لك لقاءات قريبة مع عدد من رجال الدين من بينهم الشيخ عيسى قاسم. لماذا تمت هذه المقابلات؟ وما أهدافها؟
- لقد تمت الزيارة في يوليو الماضي بدعوة وجهت لي شخصيا من قبل الشيخ عيسى أحمد قاسم الذي وجدته متواضعا ويستمع لوجهة النظر الأخرى بكل ترحيب واحترام، وأثناء اللقاء أهديته كتابي الذي تحدث عنه أيضا، إضافة إلى التطرق الى أمور حول التعيينات القضائية ووضع المرأة في المحاكم الشرعية وأهمية سن قانون للأحوال الشخصية موحد في البحرين.

قانون موحد
هل البحرين بحاجة إلى قانون موحد للأحوال الشخصية؟
- نعم، وليس منفصلا مبنيا على الطائفية كوننا نعيش في مجتمع واحد مبني على مبادئ الوحدة الوطنية التي يسعى البعض إلى زعزعتها وإثارة الفتنة الباطلة، على رغم وجود قواسم مشتركة وهي أننا جمعيا مسلمون وربنا واحد... ثم لماذا تجزئة القانون؟ علينا الاستفادة من تجربة سلطنة عمان في ذلك!
لماذا تقومين بكل هذه الاعمال؟
- لأنني مؤمنة بقضايا حقوق المرأة، وشخصيا "أنا معنفة" وقد عنفت من قبل الجهة الرسمية من خلال حزمة القضايا التي وجهت ضدي، إذ وصلت دعوى بعضها وأحكامها بالسجن لمدة تصل إلى 15 عاما.
وعلى رغم ذلك فإنني سأناضل حتى النهاية من أجل أن يكون هناك قانون ينصف المرأة في بلدي حتى لو دخلت السجن، لأنني ببساطة لن أتنازل عن المبادئ التي أنادي بها منذ العام 2001 وحتى الآن، وقد كررت ذلك أكثر من مرة في الصحافة المحلية والعالمية. ولجنة العريضة النسائية ما هي الا قوى نسائية شعبية ضاغطة لا غير، فهي لجميع نساء البحرين دون طائفية أو مناطقية، وطموحي أن يحصل نصف المجتمع الذي هو من النساء على حقوقه التي مازالت معطلة إلى إلغاء صور التمييز.

صراحتي
هل من الممكن أن يتحقق ذلك في ظل الظروف الحالية؟
- نعم، بتوعية الرجال أولا قبل النساء.
لماذا تتعرض غادة جمشير للنقد دائما؟ ولماذا قضاياك مثيرة للجدل؟
- لأن صراحتي وأسلوبي لا تعجب الجميع، على رغم أن ذلك جزء من حقوقي الطبيعية كإنسانة ومواطنة.

حق اللجوء
أخيرا، ماذا تقولين للمرأة البحرينية والخليجية؟
- أقول من خلال نصيحة أوجهها إلى جميع نساء البحرين والخليج عموما إن كانت هناك سيدة معنفة في بلدها ولا تحصل على حماية من قبل حكومة بلادها عليها بطلب اللجوء الاجتماعي إلى الحكومة الاسبانية.
كيف؟
- لقد أعلن قبل تسعة أشهر وزير داخلية إسبانيا أخاونسوا تقديم هذا اللجوء الذي تعمل به حكومته بعد أن استقبلت حالة معنفة من إحدى دول الخليج مع أبنائها لتأخذ على عاتقها معالجتها صحيا ونفسيا ومعنويا وماديا، إذ أشار الوزير الإسباني إلى أن حكومته تستقبل أي سيدة عربية معنفة مع أبنائها إن كانوا موجودين معها لتوفير الحماية والمعالجة والمأوى بعد الحالة التي استقبلتها حكومته والتي تعرضت للعنف من قبل الزوج وعائلته.