أشعر بالخجل كلما رايت رجلا يقهر إمرأة



محمد حسين يونس
2015 / 4 / 7

عندما يتشاجر صبى وفتاة وتستطيع الفتاة أن تهاجم وتدافع وتصمد فإن الامر يبدو امامي طبيعيا ..اما إذا قهرت الفتاة الشاب أعجب بها (برافو جدعة يا بت)العكس هو الذى يستفزني أن تجلس الشابة مهزومة تبكي من ظلم المجتمع الرجولي الشاذ.
لقد كنت ارى والدى .. يلقي بالاوامر و التعليمات .. و نساء العائلة بقيادة أمي يرضخن ،او يلتففن حول الامر،او يطنشن او يتباطئن في التنفيذ .. ثم تنقض امي في الوقت المناسب علي هذه التعليمات غير المتوافق عليها فتقنعه بتغييرها ..فاندهش من أين جاءت هذه السيدة بكل هذا الاصرار و الصبر .. لقد كان من الممكن أن تعبر عن رأيها هذا فورا منذ اللحظة الاولي ولكنها حرصت علي أن تجعل من اوامره قوانين لا تتعدل الا بقانون أخر .
امي كانت تقود عائلتها .. ولكنها كانت تحرص علي أن تجعل والدى يتخيل أنه هو من يجلس امام عجلة التوجيه ويضغط علي الفرامل او البنزين ..لقد كانت تمارس فنا شرقيا أتقنته وورثته عن أمها وخالاتها وعن الجدة (زينب ) شديدة الرقة والحنان وفي نفس الوقت مفرطة القوة و النفوذ بحيث كان (البكوات) من رجال العائلة يقفون امامها منتظرين إبتسامتها او نظرة الرضي او تعليماتها .
المرأة الشرقية تخالف تلك التي إختارأن يتزوجها أبناء العائلة من بلاد الفرنجة ..أنها تعرف أن دورها في الحياة هو ترويض هذا الوحش المسمي (رجل ) و أن تحافظ علي أسرتهما من (عدوانه) و تجعلة بشكل دائم مربوطا (بارادته ) في الساقية كي يوفر ماء الحياة لهم .
ولقد نجحت بشكل دائم ( الست امينة بعد أن خلعت اليشمك التركي) أن توظف ولاء و إمكانيات( سي السيد بدون الطربوش) لصالح أن تعيش أسرتهما باسلوب عصرى تعلمته من عائلات الجيران اليهود و الخواجات .
منذ عام 1919 مع ثورة المصريين ضد الاحتلال الانجليزى ..اى بعدما خرجت الفتاة المصرية من مدرسة السنية .. تهتف مثلها مثل الشاب الذى خرج من مدرسة السعيدية و كلاهم يتلقيان رصاص المحتل بشجاعة .. هلت علينا كوكبة من المصريات المحترمات (سهير القلماوى ، بنت الشاطيئ ، صفية المهندس ، ام كلثوم ، روز اليوسف ) اساتذة و صحفيات وفنانات و مذيعات .. وحتي في الطيران كان هناك طيارة مصرية عام 1923 .
لم ار امي او خالاتي او عماتي (في اربعينيات القرن الماضي) وشعرهن مغطي (أبدا ) فمنذ أن خلعت زيزا النبراوى و صفية زغلول اليشمك امام مستقبليهما في محطة سكك حديد القاهرة خلعته بنات الطبقة المتوسطة وكن يرتدين ملابسهن طبقا للموضة حتي عندما كانت (ميني جيب) و بدون أكمام .. و كن يستخدمن أدوات التجميل و العطور .. وفي نفس الوقت يقرأن الجريدة و الكتاب .. ويلعبن العاب الرجال وينافسوهم في (الطاولة والشطرنج و الدمينو و الكوتشينه ) و يذهبن للشواطيء في الصيف و الشابات منهن يرتدين المايوة .
البرقع و الملاية اللف التي كانت منتشرة في الاحياء الشعبية بدأت تدريجيا تنقرض بحيث كان من الصعب أن تجدها بكثافة مع بدايات الخمسينيات ... الوحيدات اللائي كن يضعن فوق رؤسهن مناديل لتميزهن كن الخادمات و الغسالات وبياعات البيض و الجبنة القريش في الاسواق .. اما الريفيات منهن فكن يضعن طرحة تل خفيفة فوق المنديل .
في مصر ما بعد الحرب العالمية الثانية .. كانت السيدات مقسمات الي اربع طبقات واضحة .. الاميرات و بنات الباشوات و البكوات واصحاب الاعمال الاغنياء وكن في الغالب من الاجنبيات يتكلمن لغات اجنبية فرنسية و تركية و إنجليزية و هؤلاء لا تراهن الا في الحفلات و التشريفات .. اما غير ذلك فلهن نواديهن ومدارسهن .. ويقضين الصيف عادة في اوروبا ... ثم فتايات الطبقة المتوسطة ..اللائي كن يحرصن علي تعلم القراءة و الكتابة .. وقد يعملن مدرسات او يتخرجن من مدارس الفنون الطرزية او التدبير المنزلي .. ومع ذلك فان عمتي الاصغر أصرت ان تكمل تعليمها خلافا لاختيها و تحصل علي ليسانس الحقوق .. كذلك حماتي التي كانت من نفس الجيل حصلت ايضا خلافا لاخواتها الاكبر علي ليسانس الاداب وعملت مدرسة لاخر ايام حياتها ... في الاحياء الشعبية كانت سيدات الطبقات الاكثر إحتياجا .. إما يعملن في خدمة المنازل والمحلات المختلفة كبائعات و ممرضات او تمرجيات أو في أغلب الاحيان كن لا يخرجن من البيت في إنتظار سي السيد الذى إستمر تواجده في هذه الطبقة لفترة أطول ، الفئة الرابعة من الفلاحات اللائي يعملن منذ الفجر حتي العشاء في الخبز وحلب البقر و إعداد الطعام وتنظيم المنزل .. وفي نفس الوقت تعمل في الغيط مع زوجها .
كانت الامور مستتبة و الطبقات واضحة الهوية حتي حدث تغيران .. اساسيان قلبا .. معادلة المجتمع المتوازنة بين وهم الرجل (الاب ).. و فاعلية المرأة (الام ) .
اولها كان مع إستكمال النهضة النسوية التي تلت موجة هدى شعراوى و المطالبة بحقوق المراة السياسية في الانتخاب و الترشيح و حقها في الاستقلال الاقتصادي عن الرجل بالعمل .. و الثانية مع نكوص المرأة و تحولها إلي أداة إمتاع لسيدها أبو لحية الذى يقتنيها ليعتليها شكلا و موضوعا.
(البنت زى الولد م هيش كمالة عدد ) كانت هذه الاغنية تمثل النشيد القومي لمرحلة من منتصف القرن العشرين وحتي نهاية الثمانينيات منه كنا نرى الالاف من التلميذات ذاهبات و عائدات من المدارس بالمرايل البني و الازرق و التيل .. يضحكن ويصخبن ويتفوقن ..طموحهن لايقف عند اى حدود .. و كانت الجامعات تكتظ بهن زهرات رقيقات .. في بعض الاحيان مزعجات للصبية بتفوقهن .. وإصرارهن علي إثبات الذات بكل الطرق حتي في الرياضة والفن و العاب الذكاء في برنامج.. (اوائل الطلبة ).. ثم زحفن علي البرلمان فالوزارة .. فالسلك الدبلوماسي .. فهيئة الامم .. لقد كانت بداية واعدة ..أحاطها عبد الناصر بكل إهتمامه .. حتي هدأت رياح تمرد الرائدات .. وإعتاد المجتمع أن يجد الطبيب و الطبية و المهندس و المهندسة والاستاذ و الاستاذة .. لنعيش مرحلة ابعد تطالب بقوانين احوال شخصية عادلة وقسمة متساوية في الميراث .. و قيادة سيارتها ..و تمكين للمرأة في جميع المجالات التي كانت حكرا علي الرجل .. والحق لو أن بلدنا لم تسقط في شراك الحروب المدمرة .. لوجدنا أن ثمار هذا الزمن قد دفعت بمجتمعنا في إتجاه المعاصرة .
التغيير الثاني جاء متدرجا و متزامنا مع سقوط الدولة القومية .. وإنكسارها في عام 67 لقد بدأ عندما تم تجنيد الرجال لمواجة ما بعد الهزيمة و الاستعانة بالسيدات لادارة ماكينة الجهاز البيروقراطي المسيطر علي كل مناحي الحياة .. المراة لم تخذل مجتمعها .. و اصبحت في اماكن القيادة وإتخاذ القرار .. حتي عبر السادات للقدس حاملا تصريحاته باننا خضنا أخر حرب مع إسرائيل و عاد الرجال للعمل .. ومن هنا بدأت المعركة ضد الزميلات من تحت الحزام .. بان الله يحذر تلك الشعوب التي تولي عليها إمرأة بالفشل وسوء المصير ( متجاهلين أنديرا غاندى وبناظير بوتو و تاتشر وجولدا مائير اللائي قدن بلادهن الي بر الامان اثناء الازمات ).. ثم بدات الدعوة بان الرجال لا يجدون عملا و النساء يحتللن مكانهم .. ثم التساؤل اليس من الافضل ان تهتمي ببيتك واولادك ولا تشغلي نفسك باكل العيش .. ثم النساء يحبلن ويلدن و يرضعن .. وفي هذا مضيعه للمصالح والوقت ... ثم كانت الهجمة الكبرى لاخضاع و ترويض النمرة التي زاولت قوتها و عرفت مدى كفاءة قدرتها .. لقد كان نشر وتأكيد الخطاب الديني الوهابي السلفي .
السيدة او الفتاة التي إحتفظت حتي الان بتقاليد والدتها و جدتها التي إكتسبتها بكفاحها منذ مدخل القرن العشرين .. هي سيدة تسبح عكس التيار الجارف و تعاني من إضطهاد مزدوج يقوم به الرجال .. و تمارسة النساء عليها بتسلط حتي تصبح مسخا مثلهن .
نحن نعيش في مجتمع مأزوم يضطهد نصفه الذكورى النصف الاخر وتنهار فية القيم التي إكتسبها منذ بدايات القرن الماضي بحيث تصبح المراة عند البعض مواطنا من الدرجة الثانية .. تسير خلف الرجل بخطوتين .. و يتصرف فيها تصرف المالك في ممتلكاته .. عليها ان تطيعة و تقوم علي مصالحة .. و ترتب له معاشه و تربي اطفالة .. وتسعي طول النهار حتي ترقد كجثة هامدة ليلا فإذا ما اراد يقوم بامتطائها دون اى إرادة منها .
السيدة لدى السلفي .. تخرج من بيت ابوها الي بيت زوجها و منه الي القبر الا إذا مرضت و عجزت عن العمل فيعيدها الي اهلها ( بضاعتكم الخربة ردت إليكم )
السيدة عند السلفي ملك يمين .. تباع وتشترى وقد يأكلها إذا جاع (( مفتي السعودية عبد العزيز عبد الله ال الشيخ ..أفتي بان علي المراة ان تطيع زوجها و تضحي من أجله حتي انه يجوز أن يتناول لحم جزء من أجزاء جسدها وتسعد لان جسديهما اصبحا جسدا واحدا )) المراة عند السلفي مصدر لهو و متعة تحت اسماء مثل زواج المتعة او جهاد النكاح او تباع في الاسواق مثل الايزيديات و المسيحيات المختطفات (باسعار تتراوح ما بين 50 الف دينار عراقي لمن كان سنها من 40 الي خمسين او 200 الف للطفلة ) .
المرأة لدى الداعشي عبد اقرب للحيوانات يمتلكه الرجل .. و يوجهه كيفا اراد ومن تشذ تعاقب و من تخرج عن أطر الاخلاق و الشرف و الدور المرسوم تستحق ان ترجم او تحرق او تجلد (( ماذا فعلت بنفسك يا بنيتي ))!! لتقعي في براثن هؤلاء المجانين من الاخوان والسلفيين ماذا فعلت لكي يمحي إسمك وتصبحين .. حرم فلان او اخت فلان او بنت علان او ام اربعه واربعين .. و لماذا تريدين نقل هذا الاضطهاد والذل لا بنتك .. فتقف معلقة يافطة مكتوب عليها إرحمونا من العنوسة وتزوجوا مثني وثلاث و رباع .
لا .. يا ابنتي عودى فتاة عصرية تعلمي فأنت إذا أردت ستكونين متفوقة .. و إعملي فالبقاء للاصلح .. و واجهي ولا تخافي فأنت أيضا قوية و كافحي ضد أفكار المهاوييس حتي يتعلم إبنك كيف يحترم أخته ولا تمارسي إضطادا لابنتك مورس عليك من قبل لحساب مجتمع ذكورى متخلف .
عندما ترتدى سيدة زى الرجال لتعمل وتطعم أبناءها عندما تقص فتاة شعرها وتعمل في مغلق حديد لتوفر طعامها عندما تصبح القدوة الممثلات و المغنيات و مذيعات التلفزيون .. وتتوارى الطبيبة و المهندسة و الصحفية و المدرسة فإن علينا التوجس من مستقبل الاف الصبايا اللائي يتخرجن من المدارس و الجامعات ويفضلن عدم العمل خوفا من التحرش و التعب .. يسهرن طول الليل امام التلفزيون و ينمن طول النهار وينتظرن من ينفق عليهن كما فعل الاب او الاخ من قبل .
المراة لن تعطي حريتها في مجتمع شديد التخلف ينظر اليها كشيء يستخدم في المتعه و يستبدل عندما يمل منه صاحبه .. علي الدمية ان تكسر بيتها كما قدمها إبسن في مسرحيته الشهيرة منذ قرن .. كسر بيت الدمية لا يتم الا بالتعليم والعمل .. والرغبة في ان نعود للزمن الذى كانت فيه (( البنت زى الولد م هيش كمالة عدد )) تمردى .. إبنتي علي القفص حتي لو كان من الذهب .. وإنظرى خلفك بغضب .. وإبصقي علي من إستعبدوك فانت لست مختلفة بيولوجيا او سيكولوجيا المجتع هو الذى يعاني من مرض الانحياز الذكورى . .