العلاقة بين تمكين المرأة والتنمية البشرية



نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
2015 / 5 / 4

العلاقة بين تمكين المرأة والتنمية البشرية
أشارت تقارير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى التنمية البشرية بوصفها توسيع حريات البشر لكي يعيشوا حياة مديدة ملؤها الصحة والإبداع. ويسعوا إلى تحقيق الأهداف التي ينشدونها ويشاركون في رسم مسارات التنمية في إطار من الإنصاف والاستدامة على كوكب يعيش عليه الجميع، فالبشر -أفراداً وجماعات- هم المحرك لعملية التنمية البشرية وهم المستفيدون منها. وقد أخذت التقارير بهذا المبدأ منذ تقرير التنمية البشرية لعام 1990 الذي ابتدأ بكلمات، الإنسان هو الثروة الحقيقية لأي أمة، مبشراً بنهج جديد في الفكر الإنمائي.
تُعد المرأة أحد أهم الموارد غير المستغلة بالشكل الأمثل في العالم. فهي تمثل 49.56% من سكان العالم عام 2011 وما يصل إلى 50.8% من ذوات التحصيل العلمي الثانوي على الأقل مقابل 61.7% من الذكور بفجوة نوعية تقدر ب17.6% عام 2010 ، وتزداد هذه الفجوة بين الجنسين في القوى العاملة إذ تبلغ % 33.5 بواقع معدل مشاركة اقتصادية للإناث بلغ نسبة 51.3%، و نسبة 77.2% للذكور عام 2011 . أي أن الفجوة النوعية في قطاع العمل تقريبا ضعف ما هي عليه في قطاع التعليم. وهذا يعني إن الحكومات لا تستغل استثماراتها في التعليم، فهي تغفل المهارات المختلفة التي اكتسبتها المرأة من التعليم، مما يشكل هدرا للطاقات وتهديدا لإمكانات النمو والتنمية الخاصة بمختلف الاقتصادات.
أن تمكين المرأة لكي تسهم إسهاما كاملا في الحياة الاقتصادية عبر القطاعات كافة وعلى جميع مستويات النشاط الاقتصادي، هو شأن حيوي من أجل :-
1- بناء اقتصادات قوية.
2- إقامة مجتمعات أكثر استقرارا وعدلا.
3- تحقيق ما اتفق عليه المجتمع الدولي من أهداف معينة بالتنمية والاستدامة وحقوق الإنسان.
4- الارتقاء بمستوى جودة حياة المرأة والرجل والأسرة والمجتمعات.
5- الدفع بعجلة الأنشطة التي تقوم بها قطاعات الأعمال والحث على بلوغ أهدافها.
وبعكس ذلك فإن عدم تمكين المرأة يضر بالرفاه ويعرقل التنمية. إذ يؤثر سلبا في الحياة الشخصية لكل من الرجال والنساء والأطفال، ويؤدي إلى انخفاض إنتاجية المشاريع، ومن ثم يقلل من احتمالات تقليص حدة الفقر وضمان التقدم الاقتصادي، ويضعف أيضا الحكم في البلد وبالنتيجة يحد من فاعلية سياسات التنمية.
يمكن إجمال المحطات التي مرت بها مناهج وسياسات التنمية المتعلقة بالمرأة، والتي عكست التغيرات في مداخل السياسات التنموية الاقتصادية في العالم بشكل عام بالآتي :-
أولا: المرأة في التنمية Women in Development (WID):-
في المدة ما بين الخمسينات وحتى السبعينات، ساد التفكير أن التحديث المساوي عادة للتصنيع وزيادة المكننة، سيحسن مستويات المعيشة والحياة في الدول النامية لجميع فئات المجتمع، بما فيها النساء فاتسمت تلك المدة بسيادة التوجه الخيري الموجه للمرأة( ).
أهتم التوجه الخيري بدعم دور المرأة الإنجابي في إعادة إنتاج القوى العاملة في المجتمع، ومن ثم التركيز على قضايا مثل التعليم والصحة العامة للمرأة من توفير المعونات الغذائية لدرء سوء التغذية وتنظيم الأسرة. فضلا عن توفير تدريبات في مجال الاقتصاد المنزلي، بحيث يشجع المرأة على الاضطلاع بدورها كأم بشكل أفضل ويساعدها على تربية جيل جديد من الأفراد الذين يسهمون في عملية الإنتاج والنمو في مجتمعهم. إلا إنه تم إدخال المرأة في التنمية بوصفها أُمّاً فقط وبوصفها مستفيدة سلبية من التنمية.
مع نهاية الستينات اتضح للعالم أن جهود تنمية الدول النامية بقيادة الأمم المتحدة لم تحقق النتائج المطلوبة. فبعد عقدين من أجل التنمية أصبحت الدول الفقيرة تزداد فقرا وانتشر الجوع والأمية في معظم الدول النامية. وكانت السياسات التنموية التي تتبناها الأمم المتحدة تخطط وتنفذ من قبل الرجال للرجال، وقد أهمل تماما دور المرأة واحتياجاتها في عملية التنمية. والأهم من ذلك أن هذه السياسات والبرامج أغفلت مخزون المعلومات عند هؤلاء النسوة، اللاتي كن يعرفن الكثير عن بيئاتهن واحتياجاتهن تلك المعلومات اللازمة لتحسين ظروف المعيشة، التي كان من الممكن الاستفادة منها عند وضع السياسات والبرامج التنموية.
شكل كتاب عالمة الإنسان والاقتصادية الدنماركية استر بوسروب (Ester Boserup) عن دور النساء في التنمية الاقتصادية عام 1970، نقطة تحول مهمة في النظر إلى أثر استراتيجيات التنمية والتحديث على تقسيم العمل التقليدي بين الرجال والنساء في الإنتاج، ومن ثم على تطور وتنمية أوضاع النساء في المجتمعات المختلفة( ). إذ أشارت بوضوح إلى مدى استمرار مساهمة تقسيم العمل التقليدي في تعزيز موقع المرأة الدوني في مجال العمل الإنتاجي وهذا الوضع يستمر على الرغم من كل التحولات البنيوية التي حدثت في أنظمة الإنتاج في كل من الريف والحضر. استخلصت بوسروب أن إدخال وسائل إنتاج حديثة على الزراعة تميل إلى زيادة الدور الإنتاجي للرجال وتهميش عمل النساء. ومن هنا برز توجه المرأة في التنمية متأثرا بكتابات استر بوسروب ضمن العقد الأول للمرأة (1976-1985)، الذي تم تدشينه في مؤتمر الأمم المتحدة الأول للمرأة الذي عقد في المكسيك سنة 1975، وهي السنة التي عدتها الأمم المتحدة سنة عالمية للمرأة.
افترض توجه المرأة في التنمية (WID) أن الاستراتيجيات الاقتصادية تحدث غالبا أثرا سلبيا في المرأة، ومن ثم يجب أن تندمج المرأة في عملية التنمية من خلال التوظيف والسوق. فتم تسليط الضوء على اختلاف واقع النساء وخبرتهن عن الرجال، مما انعكس في رسم استراتيجيات جديدة لتحسين وضع المرأة والاستفادة من خبرتها بالتركيز على دورها الإنتاجي. وذلك عبر مدها بمختلف الآليات اللازمة والخبرات المناسبة والتمويل المادي الضروري، أما في شكل مساعدات أو قروض لتيسير تجربة خوضها للتنمية وإسهامها الفاعل فيها.
يهدف هذا التوجه إلى إرساء أسس العدالة والمساواة بين المرأة والرجل في عملية التنمية وتلبية الاحتياجات الإستراتيجية للنساء، من خلال تشجيع البلدان على سن القوانين التي تحسن وضع المرأة في المجتمع وتوفير دعم أكبر لحقوقها. فقد اعتبر أن مساهمة المرأة في الحياة الاقتصادية والسياسية من شأنها أن تحسن وضعها ومكانتها في المجتمع وتحقق لها العدالة والمساواة، من دون أن يؤخذ بالاعتبار معالجة الأعباء التي تقع على عاتق المرأة جراء اضطلاعها بعدة أدوار من دون مشاركة الرجل.
تعرض توجه المرأة في التنمية WID)) لجملة من الانتقادات، التي تركزت بالأساس في وصفه أغفل الفروق ونسب التفاوت الموجودة بين النساء وتعامل معهن كفئة متجانسة بغض النظر عما يحكم هذه الفئة من أبعاد هرمية وثقافية وعرقية. كما أتهم بتركيزه على الدور الإنتاجي مقابل تجاهله لباقي الأدوار الإنجابية والأسرية الأخرى التي تقوم بها المرأة، سواء في فضائها الخاص أم العام في مستوى مجتمعها المحلي والكلي.

ثانيا: النوع الاجتماعي والتنمية Gender and Development (GAD):-
برز توجه النوع الاجتماعي والتنمية في الثمانينات ردا على الانتقادات التي وجهت إلى نموذج المرأة في التنمية، وبدأ في أوائل السبعينات عندما أخذ الباحثون بتحليل توزيع العمل بحسب النوع الاجتماعي وتأثير التنمية في المرأة. وينطلق هذا التوجه من رؤية متكاملة للتنظيم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، من أجل فهم آليات توزيع الأدوار بين الرجال والنساء والمسؤوليات والتوقعات المحددة لكل منهم( ). لذا لا يركز على المرأة فحسب وإنما أيضا على الفوارق الاجتماعية والعلاقات غير المتكافئة بين الرجال والنساء. ويحلل طبيعة مساهمة النساء ضمن محيط العمل داخل المنزل وخارجه بما فيها الإنتاج غير السلعي، ويرفض تقسيم العمل العام والخاص الذي استعمل بشكل عام كوسيلة للتقليل من أهمية عمل النساء في المحافظة على العائلة والمنزل.
يولي توجه النوع الاجتماعي والتنمية GAD)) أهمية لدور الدولة في تنمية قدرات النساء في أداء أدوارهن المختلفة سواء منها الإنجابية أم الإنتاجية أم الاجتماعية أم السياسية.
ثالثا: التمكين The Empowerment:-
مع شيوع استخدام مفهوم التمكين في ثمانينات القرن العشرين بدأ النظر للنساء برؤية إستراتيجية تنموية، ترتكز على ضرورة مشاركة المرأة في عملية التنمية بوصفها عنصرا فاعلا ومنتجا لا متلقيا للمساعدة في المجتمع، ويولي بذلك أهمية خاصة لضرورة تنظيم النساء لأنفسهن ليصبحن قوة سياسية فعالة لإحداث التغيير. أي أن مسؤولية تنمية قدرات النساء وجعلهن مساهمات إيجابيات في عملية التنمية لا تقع على عاتق الدولة فقط، بل يتحمل جزءاً كبيراً منها النساء أنفسهن.
يبدأ توجه التمكين بإدراك المرأة ذاتها وشعورها بالسيطرة على حياتها، مما يؤدي إلى خلق وعي مجتمعي بالحقوق الفردية والجماعية وإمكان الانضمام إلى مجموعات ضغط وحركات اجتماعية قادرة على تمثيل مصالحهن وتنتهي بتمثيل أكثر للنساء في مراكز صنع القرار الاقتصادي والسياسي.
ولأهمية التركيز على تمكين المرأة عُنِيَ الهدف الثالث من الأهداف الإنمائية بتعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، وأن الغاية المسندة لهذا الهدف هي القضاء على التفاوت بين الجنسين في التعليم الابتدائي والثانوي، في مدة لا تتجاوز عام 2015. وقد عُد الهدف الثالث عاملاً رئيساً لتحقيق قائمة الأهداف الإنمائية للألفية التي تضمنت ثمانية أهداف و18 غاية و48 مؤشرا.
عند تحقق غاية الهدف (3) من الأهداف الإنمائية للألفية، المتعلق بالمساواة بين الجنسين في التعليم، سيؤدي ذلك بشكل مباشر إلى تحقق التعليم الابتدائي الشامل (هدف الألفية الإنمائي الثاني). ومن شأن تحسين تعليم الفتيات أن يرفع درجة الوعي بين النساء من أجل الانتفاع بالخدمات الصحية، وهذا يعني إحداث تحسينات في صحة الأمهات (هدف الألفية الإنمائية الخامس) وتخفيض احتمالات العدوى بفيروس ومرض الإيدز(هدف الألفية الإنمائية السادس). وارتفاع مستوى معارف النساء اللواتي يتحملن المسؤولية في رعاية الأسرة والأطفال سينعكس على تخفيض وفيات الأطفال دون سن الخامسة (هدف الألفية الإنمائية الرابع). وأن ارتفاع المستوى التعليمي للمرأة يترافق عموما مع زيادة في إنتاجيتها ودخلها؛ أي تحسن في فرص استقلالها الاقتصادي. وهذا سيسهم في تخفيف أعداد الفقراء ويخفض أيضا من معدلات سوء التغذية (هدف الألفية الإنمائية الأول). ومع ارتقاء مركز المرأة في السلم الوظيفي ومشاركتها في رسم الخطط والبرامج التنموية وتنفيذها، ستسهم في إدارة الموارد الطبيعية والحفاظ على البيئة (هدف الألفية الإنمائية السابع). وعند انتقال المرأة إلى أعمال ومهن وقطاعات آخذه في التوسع، سيؤدي ذلك إلى عدم تأثر مشاركتها الاقتصادية سلبا بإجراءات تحرير التجارة من جانب، ومن جانب آخر يكون اقتصاد الدولة قويا معتمدا على رأس المال البشري، ويمتلك هيكل صادرات متنوعاً ومن ثم يكون قادراً على المنافسة في الأسواق العالمية؛ أي يمكن القول إنه بشكل غير مباشر سيتحقق هدف الألفية الإنمائية الثامن، تطوير شراكة عالمية شاملة من أجل التنمية.

إلا أن هدف الألفية الإنمائية الثالث قد تعرض إلى الكثير من الانتقاد وذلك لأنه يحمل وعدا بإحراز تقدم باتجاه تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، غير أن الغاية المسندة إليه أغفلت حقيقة أنه لا يمكن تحقيق المساواة بين الجنسين دون تمكين المرأة في جميع مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وفي الواقع أظهرت تجارب عديدة أن المساواة بين الجنسين في التعليم لا تؤدي بالضرورة إلى تمكين اقتصادي وسياسي للمرأة. فربما لا تنضم المرأة إلى القوى العاملة ويعود سبب ذلك في كثير من الأحيان إلى عدم تمكنها.
إن عملية التمكين تتكون من ثلاثة معطيات هي:-
1- الموارد Resources:- كالتعليم والعمل وتعد عناصر التمكين، أي أن وجودها ضروري؛ فبدونها لا يمكن التحدث عن عملية التمكين.
2- العامل البشري Human Agent:- وهو المرأة في هذه الحالة التي هي محور عملية التمكين، من خلالها تتم عملية الاختيار واتخاذ القرارات.
3- النتائج أو الإنجازات Outcomes´-or-Achievements:- التي تتمثل في المكاسب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تجنيها المرأة. وهي بمثابة المؤشرات التي يمكن على أساسها قياس مدى نجاح عملية التمكين.
ومن خلال المعطيات المذكورة أنفاً يكشف مقياس تمكين المرأة الذي يعد أحد الأدلة التكميلية لدليل التنمية البشرية، ما إذا كانت النساء قادرات على الاشتراك الفعال في الحياة الاقتصادية والسياسية، بقياس عدم المساواة بين الجنسين في المجالات الرئيسة من المشاركة في صنع القرار الاقتصادي والسياسي. إذ يعمل على تتبع النسب المئوية للنساء في البرلمانات وبين المشرعين وكبار المسؤولين والمديرين وبين المهنيين والعاملين التقنيين وكذلك التباين بين الجنسين في الدخل المكتسب. ويختلف مقياس تمكين المرأة بأنه يكشف اللامساواة في الفرص المتاحة الاقتصادية والسياسية، عن دليل التنمية المرتبط بنوع الجنس، الذي يمثل مؤشرا لانعدام المساواة بين الجنسين في القدرات الأساسية.
إن توجه تمكين المرأة هو ليس عملية مباشرة وتلقائية، وإنما هو عملية ذات جوانب متعددة يتطلب التغيير فيها أمداً طويلاً، فإن المرأة بحاجة إلى خدمات إدارية ومهنية فضلا عن الخدمات التنموية الأخرى لتعزيز تمكينها في جميع جوانب الحياة( ).

رابعا: إدماج بعد النوع في صنع السياسات :-
على وفق انتشار مدى اعتماد نموذج النوع الاجتماعي والتنمية – الذي طرح تصورات متقدمة عن سبل إدماج الحاجات والمصالح الخاصة للنساء والرجال في صلب السياسات والمخططات التنموية – انتشر مفهوم إدماج بعد النوع الاجتماعي في صنع السياسات، ليدفع باتجاه ضرورة الابتعاد عن وصف المرأة كفئة منفصلة عن سائر الفئات والشرائح الاجتماعية الأخرى، وإنها تحتاج تبعا لذلك لنظريات وسياسات خاصة بها دون غيرها. من أجل التأكيد على أهمية الاستعاضة عن ذلك بضرورة النظر للجنسين بشكل متساو ضمن مختلف النظريات والسياسات والبرامج التنموية، وذلك عبر تعميم إدراج بعد النوع في السياسات . الذي تم اعتماده على أنه الإستراتيجية العالمية الأساسية لتعزيز المساواة بين الجنسين وقد تم ذلك بوضوح عام 1995 في المؤتمر العالمي الرابع للمرأة في الصين ولقد جرى التعريف بإدماج توجه النوع الاجتماعي على إنه عملية تقضي بتقييم التبعات المترتبة على الرجال والنساء نتيجة أية إجراءات، بما في ذلك التشريعات و السياسات والبرامج في أي مجال وعلى شتى المستويات.
وكذلك عرف المجلس الاقتصادي والاجتماعي في الأمم المتحدة احتياجات دمج قضايا النوع الاجتماعي بأنها إستراتيجية لجعل اهتمامات الرجال والنساء على حد سواء ولتجاربهم بعدا مندمجا ومتكاملا في تصميم السياسات والبرامج وتنفيذها ومراقبتها وتقييمها في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، بحيث تستفيد النساء والرجال بطريقة متساوية، فلا يدوم انعدام المساواة.
تهدف عملية تعميم النوع الاجتماعي في المؤسسات إلى إعادة التوازن بين الرجل والمرأة في المجتمع من خلال استفادتهما من فرص متكافئة للوصول إلى الموارد والعمل والسلطة ومراكز اتخاذ القرار. فيتم التوقف عن النظر للرجل كمعيار وللمرأة كمشكلة، وبدلا عن ذلك يحل الاهتمام العلمي بصدق النتائج التي تفرزها عملية تبويب البيانات والمعطيات حسب الجنس في مختلف مراحل العملية البحثية.
يساعد التحليل المفصل للمنظمة من منظور النوع الاجتماعي على تحديد الفجوات النوعية، ومن ثم اتخاذ التدابير اللازمة التي تساعد على خلق بيئة عمل أكثر حساسية ومراعاة للنوع الاجتماعي. بالشكل الذي يجعل المنظمة تقدم خدمات أفضل إلى مختلف الفئات المستهدفة، وتحقيق العدالة في توزيع الموارد، ورفع إنتاجية العاملين والعاملات، وتحسين القدرة على تحقيق أهداف المؤسسة وخططها الإستراتيجية وتعزيز كفاءتها.
وتتطلب عملية دمج النوع الاجتماعي سن قوانين جديدة أو تعديل تلك القائمة وتصميم البرامج والمشاريع بحيث تأخذ بالاعتبار احتياجات كل من الرجل والمرأة ومشاركتهما في مختلف مراحل التخطيط واستفادتهما من عائدات هذه البرامج والمشاريع. ويستلزم الأمر الالتزام (وطنيا ودوليا) بتغيير البنى وعلاقات القوة السائدة.
يتضح الفرق بين التوجهات السابقة للتنمية وتوجه إدماج بعد النوع في صنع السياسات. إذ تنظر توجهات التنمية التقليدية للنساء كأقليات مهمشة، في حين إنهن عادة ما يمثلن نصف المجتمع. أي أن لإضعاف أو إهمال هذا الجزء من السكان عواقب كبيرة تؤثر في مجريات عملية التنمية، وذلك ما يدركه توجه إدماج بعد النوع في صنع السياسات. فهو يعتمد على تحليل تقسيم العمل حسب النوع الاجتماعي في تقييم احتياجات الجنسين، وبعدها يتم وضع الخطط على أساس ذلك التحليل. وبهذا يكون قياس مستوى تقدم وكفاءة الذكور والإناث تحت نظام غير متحيز وأكثر عدلا. على عكس التوجهات التقليدية للتنمية التي تقدم على وضع خططها، دون الأخذ بنظر الاعتبار الاختلافات بين أدوار الذكور والإناث داخل المجتمع. مما يسفر عنه أضرار تبطئ أو تعطل الخطط التي وضعت للنساء بشكل منفصل، وبهذا لا يتحقق هدف النهوض بواقعهن من جانب، وعدم بقائهن حجر عثرة أمام سير عملية التنمية من جانب آخر.