أهداف التمكين الاقتصادي للمرأة



نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
2015 / 5 / 14


أولا: أهداف التمكين الاقتصادي للمرأة :-
1- زيادة الفرص الاقتصادية المتاحة للمرأة :-
يقصد بذلك توسيع ميادين عمل النساء. بمعنى جعل الأسواق مكانا لنجاح المرأة على مستوى السياسات، وتمكين المرأة من المنافسة بقوة في الأسواق على صعيد القدرة على تحديد الخيارات والقرارات والموارد الإستراتيجية أو بعبارة أخرى على صعيد القدرة على تحديد الأهداف والعمل من أجل بلوغها وتحقيقها، إذ يشكل عامل القدرة البشرية المفهوم الجوهري لعملية التنمية. فلا تبقى الفرص الاقتصادية المتوافرة للمرأة أقل من قدرتها، بل تتناسب مع تلك القدرات وتدعمها لما فيه مصلحة الجميع .
إن من شأن أسواق العمل تعزيز تمكين المرأة أو تعزيز الفوارق الاجتماعية. فكثيرا من الأحيان يتم تحديد الوظائف المختلفة بوصفها حكرا أما على الذكور أو على الإناث. وغالبا ما يقود ذلك إلى زيادة الطلب على النساء في الوظائف متدنية الأجور التي لا تتطلب الكثير من المهارات . ومن ثم حصر النساء في سوق العمل عند حدود معينة دون فتح المجال أمامهن لزيادة فرص تنمية القدرات والإمكانات التي تمكنهن وتخرجهن من براثن الفقر المزمن.
من تدابير زيادة الفرص الاقتصادية المتاحة للمرأة التدريب المهني، الذي يقصد به كناية عن نشاطات مُعدَة لتوفير المهارات، والمعارف، والقدرات، والمواقف الضرورية للعمل في مهنة محددة أو مجموعة مهن مترابطة ، في أي حقل من حقول النشاط الاقتصادي. ويمكن أن يشمل :-
أ‌- تعليم الرجال والنساء وتشجيع كلا الجنسين على أداء دور متساو في تغيير المواقف التقليدية.
ب‌- توسيع نطاق التدريب إلى أبعد من القطاعات التقليدية (الفنون المنزلية، التطريز والخياطة، الطهي، عمل الرعاية، السكرتارية،...إلخ).
ت‌- توفير الوصول المتساوي للفتيات والنساء إلى جميع قنوات العمل والتدريب المهني لشتى أنواع المهن وتوفير مزيد من التدريب للحرص على التنمية والتقدم الذاتي.

2- توفير ظروف عمل لائقة:-
لا يكفي زيادة الفرص الاقتصادية المتاحة للمرأة لتمكينها، إذ أن المكاسب التي من الممكن أن تحققها من زيادة تلك الفرص تَعد قاصرة وغير كافية لاستثمار ما تملكه المرأة من طاقات وقدرات هائلة. فلا بد من خلق فرص العمل التي تساعدها في إيجاد عمل مربح ومنتج في ظروف من الحرية والأمان والكرامة البشرية.
تشكل أدوار الجنسين المبنية على الأسس الاجتماعية، والاختلافات البيولوجية بين المرأة والرجل، وطريقة تفاعلها في عالم العمل صميم العمل اللائق. وهذا يعني ضرورة جعل العمل آمنا للنساء والرجال على حد سواء بدلا من استبعاد النساء فقط من بعض المهن وبدلا من حرمان النساء من المهن التي يهيمن عليها الرجال، تبرز الضرورة إلى تحويل أماكن العمل إلى أماكن آمنة وخالية من المخاطر الصحية أو أية مخاطر أخرى، ولابد من تحسين القوانين وتنفيذها على أرض الممارسة( ). فمثلا لتخفيف التنازع بين العمل والحياة الأسرية يتم إتباع الإجراءات التالية :-
أ‌- الإجازات:-
(أ-1)إجازة الأمومة:-
تحتل الأمومة المأمونة والرعاية الصحية الضرورية لبقاء الأم وطفلها على قيد الحياة مكانة أساسية في العمل اللائق والإنتاجية بالنسبة إلى النساء. توفر إجازة الأمومة أحد تدابير الأمن الوظيفي، فهي تعني حصول النساء البالغات سن الإنجاب على وظائف والمحافظة على الرواتب والإعانات في أثناء الأمومة ومنع التسريح من العمل. وبدون توافرها قد تضطر الكثيرات منهن إلى الانقطاع عن العمل أو احتمال عدم العودة أو احتمال مواجهة مصاعب في العودة أو الاضطرار إلى قبول حياة مهنية وتقاعد أدنى نوعية بعد العودة.
(أ-2)إجازة الأبوة:-
وهي إجازة قصيرة المدة يأخذها أب في مدة ولادة طفله. وقد ازداد الاعتراف في بعض أنحاء العالم بفائدة إجازة الأبوة. فعلى سبيل المثال قد أقر القانون الفرنسي المعتمد في عام 2002 إجازة أبوة لمدة 14 يوما، إذ يدفع صاحب العمل أجر الأيام الثلاثة الأولى بالكامل ويتكفل الضمان الاجتماعي بما تبقى إلى حد أقصاه 80% من الراتب الإجمالي وقد حقق هذا الحكم نجاحا باهرا ففي عام 2004، كان نحو ثلثي الآباء المؤهلين (بمن فيهم العاملون للحساب الخاص والمزارعون) قد حصلوا على تلك الإجازة. وهذا يعكس تطور رؤية الأبوة واحتياجات الرجال والنساء فيما يتصل بالتوفيق بين العمل والحياة الأسرية. وقد ينبئ هذا الاعتراف بنهج أكثر توازنا بين الجنسين إزاء تقديم الرعاية والعمل غير مدفوع الأجر.
(أ-3)الإجازة الوالدية:-
شكلت الإجازة الوالدية خطوة مهمة في تقاسم المسؤوليات الأسرية والاعتراف بأن الأمهات والآباء مسؤولون على حد سواء عن تربية أطفالهم. تتاح في بعض البلدان للنساء والرجال الإجازة الوالدية وهي مدة طويلة نسبيا تعقب انتهاء إجازة الأمومة. ويمكن أن تكون استحقاقا مشتركا يمكن أن يحصل عليه كل من الوالدين مثلما يحدث في استونيا وفيتنام وكوبا وهنغاريا، أو استحقاقا فرديا غير قابل للنقل مثل حالة أيرلندا وأيسلندا وبلجيكا، أو استحقاقا مختلطا يجمع بين الاستحقاق الفردي والأسري كما هو الحال في السويد والنرويج. ولقد استحدثت بعض الدول لوائح خاصة لتشجيع الآباء على أخذ الإجازة الوالدية، عبر تخصيص حصة من الإجازة يمكن أن يأخذها الآباء وحدهم، أوتمديد الإجازة المدفوعة عندما يأخذها الأب ومنع تحويل الإجازة.
ب-خدمات الرعاية الاجتماعية:-
من المسلم به أن وضع خدمات رعاية اجتماعية جيدة وموثوق بها ومتيسرة التكلفة، سعيا إلى تحقيق التوازن بين العمل ورعاية أفراد الأسرة الصغار أو المسنين أو المرضى، يشكل احد أكثر الطرائق فعالية من حيث التكلفة وأكثرها مراعاة لنوع الجنس في سبيل تلبية احتياجات العمال. وأن رعاية الأطفال بصورة خاصة رعاية جيدة تعود بفوائد خارجية عديدة على المجتمع وأصحاب العمل والعمال وأسرهم. إذ تؤدي إلى تحسين فرص النساء في الحصول على وظيفة، و تساعد بمنع استمرار أوجه انعدام المساواة الاجتماعية والفقر المتوارث عبر الأجيال، و تتيح للأطفال انطلاقة أقوى، وتزيد الإيرادات الضريبية بسبب زيادة دخل الوالدين، و تسهل سير أسواق العمل على نحو سلس وفعال من خلال الاستخدام الكامل لاستثمارات المجتمع المتنامية في تعليم المرأة.



أ‌- مرونة وقت العمل:-
تمثل أحد المشتقات الحديثة للعمل في المنزل، وهي طريقة مرنة لتنظيم العمل باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بحيث لا يحتاج العامل إلى الحضور جسديا في مكان الإنتاج الرئيس. وهي إحدى التدابير المهمة الأخرى التي تسهل للعاملات الاضطلاع بمسؤولياتهن الأسرية، من خلال التركيز على النتائج المنجزة بدلا من ساعات العمل، أو الأفكار المتعلقة بكيف ومتى وأين يعمل الموظف، ولاسيما أن التقانة في الوقت الحاضر تسمح بقدر كبير من المرونة( ). وبتمكين الأفراد من تكييف أوقات عملهم بمرونة للوفاء بالالتزامات المنزلية الضرورية، سيعود ذلك بالفائدة على العمال وأماكن عملهم وعلى المجتمع برمته. إذ يترتب على ذلك الحد من التغيب وزيادة القدرة على جذب العمال ذوي المهارات واستبقائهم وإدخال تحسينات على الإنتاجية وإدارة الوقت.

3- رفع نسبة مساهمة المرأة في مواقع صنع القرار ورسم السياسات الاقتصادية:-
أن لذلك أثر كبير على تمكين المرأة على مستوى المجتمع. إذ أن فعالية مشاركتها تتيح لها الفرصة للتأثير في القرارات المتخذة لصالحها ويكبر احتمال تحقيق هذه النتيجة عند حضور عدد كبير من النساء. وأكد تقرير التنمية البشرية لعام 2011، إن السماح للمرأة بالمشاركة في رسم سياسات البلد ولو بدور محدود يغير المفاهيم الاجتماعية عن قدرة المرأة على اتخاذ القرار، ويشجع اتخاذ مبادرات أخرى وإنشاء جمعيات تعاونية للنساء، تتيح للمرأة مزيدا من الفرص لمزاولة أعمال خارج المنزل( ).
فضلا عن ذلك فإن امتلاك المرأة القدرة على اتخاذ القرار يؤثر في قدرتها على بناء رأس مالها البشري، والاستفادة من الفرص الاقتصادية. ويمكن أن يؤدي تمكين المرأة بوصفها طرفا فاعلا في المجالين الاقتصادي والسياسي إلى تغيير الاختيارات الخاصة بالسياسات، وتحسين مستوى تمثيل المؤسسات لعدد كبير من الأصوات. ففي العديد من البلدان الغنية أدت زيادة تمثيل المرأة في القيادة السياسية إلى زيادة مشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي، وإعادة تشكيل الرأي العام الاجتماعي فيما يتعلق بإيجاد توازن بين العمل والحياة الأسرية بشكل عام، وسن تشريعات عمالية أكثر مراعاة لظروف الأسرة.