الكرش المكتظ... والحمق البغيض



غاده جمشير
2005 / 10 / 2

هناك من له فكر كهنوتي، ورأي يعتقد أنه خال من الشوائب والانحرافات لأنه ينظر للحياة بمنظور ضيق، ومن نافذة محكومة الإغلاق ليس بها إلا خروق بسيطة بالكاد ينفذ منها الهواء، فهو متمسك بما أملى عليه الدهر، أو بما أملي عليه من فكر وعظي ترسب في مخيلته، فلا يستطيع تغيير مفاهيمه، فينشأ على ذلك ويرفض كل أمر يخالفه، ويقصي كل فكرة لم تطرق سمعه، وينظر إلى الناس على أنهم لا وظيفة لهم سوى الإذعان لخطبه ونصائحه المكررة المملة، ويا ليت تلك الخطب مما تهذب النفس، وتصقل العقل، ولكنها خطب معتقة وممزوجة بالحقد والبغض للناس والتهديد والوعيد، وتعبر عن آرائه الشخصية وعن سخطه وغضبه، وعن آماله وخيباته وبأسه وأحلامه، وكأن المنبر موضوع لبث الهموم الشخصية، ناهيك عما يقال على المنبر مما يخالف الواقع الذي هو عليه، ويتحدث عن الفضيلة وهو بعيد عنها، ويبغضون الطائفية وهم الطائفيون المتعصبون، فهناك من يحاول تطعيم جموع المصلين بجرعات مخدرة ليستكينوا إلى فكره وهواه، ويكونوا أتباعه المقربين، ويتبنوا أفكاره ويكونوا مريديه المخلصين المدافعين عنه.

إن الاستماع والانصياع لكل أمر يقال من الخطورة بمكان، وهما يؤديان إلى تعطيل العقل وعدم التريث والبحث والمناقشة، فلا يقوى إلا على الاستماع فقط لأن القراءة والبحث لا يقوى عليهما لأنهما تتعبان فكره وعقله فكان الاستماع هو الوسيلة الوحيدة للثقافة، وأنه إذا ما تم ذلك فإن القلوب تمتلئ بالأحقاد، والنفوس تتحامل على بعضها بعضا، لذلك كان من الواجب الوقوف ضد هذا التيار العاتي الذي يريد الدمار والفساد في البر والبحر، وإنا لا نعدم الطرق السليمة والقوية التي نستطيع بها أن ندحض فكر المتزمتين الذين يخفون في صدورهم ما لا يبدونه بأفواههم.
إن الواجب علينا تنظيف وتطهير الترسبات الفكرية الخاطئة والمعتقدات التي حسبوها من الدين وما هي إلا موروثات وعادات ابتدعها الناس من واقعهم الاجتماعي.
لابد من العمل من الآن حتى لا تكون تلك المنابر لكل ساقط ولاقط، ولكل صارخ وناعق، وما أظن إلا أن الجهة المسئولة غافلة عنه، أو أنها تتستر عليه وتغطيه بثوب الفضيلة والاستحسان.
إن البعض بحجة التدين يريد أن يسيطر على عقول الناس وأفكارهم، ويريدهم أن ينضووا تحت أفكاره ومعتقداته، لذلك ظن أن ترشيحه في البرلمان سيلقى إقبالا وقبولا كبيرا من قبل المواطنين الذين يستمعون إلى مواعظه وخطبه، وأنه سيعيد - فيما إذا وصل إلى البرلمان - الوعي ويحيي الهوية الثقافية لدى الناس، وظن أن غالبية الأصوات ستكون من نصيبه ورصيده، فإذا به يفاجأ أن الجميع أداروا ظهورهم له وتركوه خائبا خاسرا وحيدا طريدا، فلم يصدق نفسه، وأخذ يتمتم ويهذي فأصابه إعصار في رأسه، ولحقته وساوس الشيطان، وخالطه شعور مليء بالحسد والبغضاء، وسافر إلى رحلة سياحية باسم أداء العمرة، وبعد رجوعه أخذ يتباكى أمام عتبات أهل الحظوة والمكانة لعله يجد متسعا ومكانا يسند إليه ظهره ويتحصل ورائه أموالا طائلة، ويكون الآمر والناهي، فحصل له ما أراد بعد طرق الأبواب، فأصبح جذلا فرحا بهذا المنصب، حتى أصبح ينظر إليه على أنه خفيف طائش غير سوي، ناهيك عن أنه منذ أن تولى هذا المنصب وهو يتخبط تخبط العميان، إضافة إلى أنه استعاد عافيته فأخذ مكانه على المنبر وأخذ يهاجم خصومه ومخالفيه، شاهرا عليهم السيوف والأسواط وكأنه يريد أن ينتقم منهم، مثيرا بذلك الطائفية والفرقة من دون وضع حد لذلك، وكيف يمكن أن نبني وحدة وطنية متماسكة وهناك من ينبش خلافات الماضي، ويعمق هوة الخلاف؟
إذا أردنا الإصلاح وبناء مستقبل مشرق سعيد فإنه يتعين علينا أن نعيد الاعتبار والنظر في الأشخاص الذين يتكلمون باسم الدين وباسم الوحدة الوطنية، وأن تكون هناك مراقبة على أفعالهم وتصرفاتهم، فمثل هؤلاء ليسوا أهلا لهذه المناصب ولا يتناسبون مع الفكر الجديد والوضع الإصلاحي في البلاد، لأنهم متعصبون، ولن يكون الإصلاح إلا بالإخلاص في المقصد والعمل الجاد، ونبذ العصبية التي يحتكر فيها المتعصب وجه الحق، ويلغي بذلك جميع الآراء، على أن هذا الطريق ميسر للتخلص منه إلا أن كثيرا ما تفعل فعلها الممقوت "العصبية" في تقطيع أواصر الترابط بين جميع فئات المجتمع. ولاشك أن مرد ذلك إلى التعصب للرأي الفردي وحب الذات، ولابد من السعي للقضاء عليه لتحقيق نسيج الوحدة الوطنية، لأن الوحدة أساس كل خير في الدنيا والآخرة.
* رئيسة لجنة العريضة النسائية