ظواهر داعشية في فلسطين



مها التميمي
2015 / 5 / 30


شهدنا في الايام القليلة مجموعة كبيرة من السلوكيات المجتمعية الداخلية ، نشتم منها رائحة داعش بل روحها المتطرفة في رفض الاختلاف وفرض شكل أوحد للحياة الانسانية في فلسطين .
في مدينة الخليل المحاطة والمخترقة بالمستعمرات التي تسيطر على كل شيء ، وتجعل حياة المواطنين الفلسطينين صعبة الى حد لايطاق . أقدم مواطن فلسطيني بضرب شابة فلسطينية لأنها ترتدي زيا غير ملائم! اعتداء لا يختلف عن اعتداءات داعش النابع من فكرها التعصبي الذي يفرض بالقوة والارغام قواعد سلوك على النساء في المناطق التي تسيطر عليها. كفرض زي موحد لكل النساء وفرض سلوك صارم من طبيعة خانعة عليهن بما في ذلك سن الزواج الذي يبدأ من سن 9 سنوات . السيطرة المطلقة على النساء يعتبره تنظيم داعش مفتاح السيطرة على المجتمع برمته.
بعد تلك الحادثة لم نر اي تدخل من الشرطة الفلسطينية لصالح المواطنة ، بل طُوي الموضوع بطريقة لا تخلو من تواطؤ على حرية النساء الفلسطينيات في اختيار زيهن كجزء مهم من حقوقهن كمواطنات .
في مدينة البيرة منحت مديرية التربية والتعليم شهادة تقدير لطالبة في إحدى مدارس مدينة البيرة لارتدائها الحجاب. اثيرت ضجة في مواقع التواصل الاجتماعي حول انحياز المؤسسة الرسمية لفكر ديني بما يخالف رسالة المؤسسة المدنية التي من المفترض ان لا تقحم الخلاف الديني والمجتمعي في رسالة التعليم. لكن الاحتجاج لم يؤد الى الالتزام بالحريات دون انحياز المؤسسة لطرف في مواجهة طرف آخر. لم يتم التوقف عند مساعي تحويل مؤسسة التربية والتعليم من مؤسسة مختصة بالتعليم والمناهج والابداع والتفوق الى مؤسسة دينية متعصبة.
عينت مدرسة منقبة في مدرسة ابتدائية في مدينة البيرة ، ولم تفلح احتجاجات الاطفال في ابعاد تلك المعلمة التي ترهبهم بلباسها وبعصاها الذي تهوي به على ايديهم الصغيرة ، ولم تفلح محاولة زميلاتها باقناعها بخلع النقاب داخل المدرسة .
أما في مدينة القدس فقد قدم أحد شيوخ المسجد الاقصى درسا تحريضيا شديدالعدوانية تجاه غير المسلمين ودعا الى قتالهم حتى لو كانوا مسالمين، مرت تلك الحادثة دون التوقف عند اسبابها وطرق علاجها والمخاطر التي تهدد السلم الاهلي والوحدة الوطنية في مواجهة الاحتلال. لماذا لم يتم محاسبة هذا الشيخ الذي يبث الفتنة بين اوساط المقدسييين ؟ سؤال كبير يطرح على وزارة الاوقاف .
خاصة ان مدينة القدس تتعرض لاسوأ حملة تهويد ومصادرة اراضي وتضييق على المقدسيين والمقدسييات من أجل تركها لحملات التهويد والمصادرة . فدعوات التحريض انما تمس وحدة المواطنين المقدسيين من اجل مواجهة ناجحة وفاعلة لتلك الحملات المعادية .
هناك العديد من سائقي الفوردات يفرضون الفصل بين الجنسين داخل الفورد ، فهناك جهة للذكور والثانية للنساء ، وعندما يتم الاعتراض على تلك الممارسة ، يقول هؤلاء السائقون انهم أحرار " ويلي مش عاجبه ينزل" الا يوجد قانون للمواصلات ينظم هذه العملية ؟ هل من المعقول ان تتم تلك الممارسات في وسائل نقل طلبة الجامعات الفلسطينية ؟
في احدى كليات مدينة الخليل تحرم الفتيات من الفسحة الخارجية حتى لايختلطوا بزملائهم الذكور!!
تلك عينة صغيرة من المشاهد التي يعيشها المجتمع الفلسطيني يوميا. مشاهد تبدو للوهلة الاولى حوادث منفصلة وصغيرة إلا انها تمس مبدأ التعايش بين الديانات الذي ساد في فلسطين مهد الديانات طوال قرون. وتمس مبدأ التعدد الديني والثقافي الذي نص عليه ميثاق المنظمة وكل أدبياتها. كما انه يمس الحريات التي ينبغي ان يتمتع بها كل مواطن ومواطنة فلسطينة بحسب القانون الاساسي. ان ترك مثل هذه الممارسات دون معالجة مسؤولة سيؤدي الى مزيد من التدخلات القسرية في السلوك الاجتماعي وإلى فرض ثقافة تعصبية "داعشية" على المجتمع الفلسطيني المتنوع والمنفتح على العالم، والذي يحظى بتضامن عالمي من اكثرية دول وشعوب العالم.
قد لا نفاجأ في ظل تغلغل فكر وثقافة داعش عن اعلان بيعات لهذا التنظيم في فلسطين سيما وقد بدأت بعض البوادر بالظهور في قطاع غزة. داعش ليست نبتة شيطانية تظهر فجأة، بل هي ظاهرة لها جذورها في المجتمعات العربية وقد نمت وانتشرت في مناخ التعصب والانغلاق وبالاستناد الى فكر تكفيري مستمد من الجوانب السلبية في تراثنا، والى ثقافة الاخضاع والتسلط. المناخ هو الذي يشكل البيئة الحاضنة لداعش ولغيرها من حركات التطرف والارهاب. تجربة داعش المريرة والخطيرة والمدمرة لا يمكن وقفها ومنع انتشارها بدون فتح فضاءات لثقافة عقلانية وفكر مستنير يشكل بديلا لفكر وثقافة داعش . ان الحل العسكري يبقى قاصرا ولايفيد في شيئ ، مادامت ثقافة وفكر داعش متغلغلا داخل مجتمعاتنا.