الرسول يحب النساء



فوزي بن يونس بن حديد
2015 / 6 / 3

لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يحب النساء حبّ شهوة كما يزعم البعض، بل كان عليه الصلاة والسلام مناصرا للمرأة ولقضاياها منذ بعثته وإلى يوم وفاته، فقد كانت المرأة في الجاهلية متاعا رخيصا لا قيمة له، تباع وتشترى ولا ترث ولا تعمل في أي سلك من مسالك الحياة، بل كانت متعة لقضاء وطر الرجل السيد في مجتمعه القائم بشؤون منطقته، فلم يكن للمرأة رأي ولا حديث ولا تساؤل، تعيش حياة البهائم، فجاء الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وأراد أن يعطي للمرأة قيمة وهو النبي الرحمة المهداة، كاده حال المرأة وأراد أن يرفع شأنها ويخفف سطوة الرجل عليها.
وعندما قال صلى الله عليه وسلم: " حُبب إلي من دنياكم الطيب والنساء وجعلت قرة عيني الصلاة"، لأن النساء زينة الحياة الدنيا وهن الرياحين اللواتي يود الرجال أن يشتممهن، وليس النبي الكريم بمعزل عن هؤلاء الرجال من حيث الفطرة البشرية ولكنه تميز عنهم جميعا كونه لا يجعل الشهوة تقوده نحو النساء، فلا يغرنّه الجمال ولا الحسب ولا النسب وهو القائل : "فاظفر بذات الدين تربت يداك"، ولذلك كانت أولى زوجاته تكبره بخمس وعشرين سنة، حين عرضت عليه الزواج لأول مرة لم يتردد بل أقبل لأنه وجد في خديجة رضي الله عنها المرأة التي تقدّر الأمور بمقاديرها، عرفها من خلال التعامل معها ولم يرفضها لأنها تعمل في التجارة وهي المهنة التي كان يمتهنها الرجال ولم يطلب منها الاعتزال من هذه المهنة، عرف صدقها وأمانتها ونزاهتها وإخلاصها وتفانيها، وبُعدها عن كل أنوع الغش والغرر، فأراد أن يقترن بها ليزداد قربا منها ويعرف أكثر أمور التجارة، وجد فيها المرأة صاحبة الحنكة الحيايتة والتعامل مع الآخر بكل عطف وحنان وأمانة وصدق، انبهر عليه الصلاة والسلام بخلقها وهو الشاب اليافع المقبل على الحياة، كل هذه المعطيات وغيرها حفزت النبي الكريم على القبول بها زوجا، كما أن خديجة رضي الله عنها وهي في الأربعين من عمرها لم تتزوج لأنها ربما لم تجد الزوج الأمين على تجارتها، كانت تخاف على أموالها أن تضيع سدى فرأت في رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفات نفسها فأقدمت هي الأخرى ولم تتردد، حصل التناغم والتوافق بين الطرفين، بدأ الحب يتدفق إلى القلبين، صوّرا معا أروع صورة في التوافق بين الزوجين، دون أدنى شبهة في أنه كان زواجا عفيفا طاهرا، وهي المرأة التي تحدت كما يبدو كل الأعراف والتقاليد التي كانت سائدة في الجاهلية وخرجت عن المألوف وكانت لها تجارة رابحة في قديم الزمان وقبل مجيء الإسلام، ولما جاء الإسلام عزز مكانتها وأيد أفعالها، فسلمت تجارتها لزوجها المصون النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
كانت سيرته مع هذه المرأة من أروع ما يكون، رأى فيها نفسه تتلألأ نورا وتتدفق حبا رغم فارق السن بينهما، إلا أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يوما يفكر في شهوته كما حاول البعض أن يدسّ السّمّ في سيرته، بل كان يريد أن يمنح المرأة حقها في الحياة مثل الرجل تماما، وبما أنها العنصر الضعيف في المجتمع أراد أن يرفع شأنها ويحفظ كرامتها ويعزّز مكانتها، فبعد البعثة حدثت أحوال كثيرة، ومتغيّرات كبيرة، منها ظهور الدولة الإسلامية القائمة على العدل والمساواة وإحقاق الحق وإرجاع المظالم لأهلها، ومعرفة الحقوق والواجبات، وإخراج المرأة من حالة الاستعباد إلى الحرية والانعتاق من سطوة الرجل وقهره، فدخل الناس في الإسلام أفواجا ومنهم كثير من النساء، وتعرضت بعض النساء إلى مدلهمّات الحياة وكن يشتكين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم علّه يجد حلّا لها وهو المؤيد من فوق سبع سماوات، لذلك كان اختياره لزوجاته بأمر من الله عز وجل وليست له كامل الحرية في التزوج بمن شاء، ولم يتزوج بأخرى إلا بعد الخمسين من عمره فكانت زوجته الثانية سودة بن زمعة المرأة الفقيرة بعد وفاة زوجها، تزوجها رحمة بها من مآسي الدهر وخوفا عليها من الانتكاسة، كما تزوج حفصة إكراما لأبيها عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد وفاة زوجها وحزنه على ذبول شبابها يوما بعد يوم في بيته، وتزوج أم سلمة في السنة الرابعة للهجرة بعد موت زوجها وكان زوجه منها عزاء لها وتكريما لجهادها وحماية لأولادها، ثم زينب بنت جحش بعد أن طلّقها زوجها مولى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة لإبطال عادة التبني، أما جويرة بنت الحارث فكانت أسيرة في غزوة بني المصطلق فكاتبها على تسع أوراق من الذهب لعتقها فدفعها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وأُعتقت وتزوجها، وكذلك أم حبيبة التي تزوجها رحمة بها حيث تنصّر زوجها عبيد الله بن جحش في الحبشة وأصبحت وحيدة وأبوها وإخوتها من المشركين، أما صفية هي الأخرى فقد رأف بها النبي الكريم حينما فقدت أباها وزوجها ووقعت في سهم النبي صلى الله عليه وسلم من الغنائم فأكرمها وأعزّها ثم تزوجها، وكذلك الأمر مع ميمونة التي تزوجها النبي عليه الصلاة والسلام بعد ما تأيمت من زوجها الذي مات ولم يسلم، وزينب بنت خزيمة الذي مات عنها زوجها في أُحد وتوفيت بعد أقل من سنة من زواجه صلى الله عليه وسلم منها، أَبَعد كل هذا يقال إن محمدا صلى الله عليه وسلم شهواني؟
وخوفا من أن يقال إن النبي الكريم لم يتزوج بكرا، وربما ينقاد كثير من المسلمين نحو هذا الأمر، فيتركون الأبكار بدعوى أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكرا، وتصبح سنّة على الملأ، أراد النبي الكريم أن يتزوج عائشة رضي الله عنها وهي البنت البكر الوحيدة التي تزوجها عليه الصلاة والسلام، وهو في الخمسين من عمره، وهذا دليل ثان على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يفكّر في النساء شهوة بقدر ما كان يبحث عن العفة والطهر وتحصين نساء المسلمين اللواتي غدر بهن الدهر ورمى بهن في حض الزمن الكالح فأراد من خلال ذلك وبأمر من ربه أن يحضن هؤلاء النساء لعفتهن وطهرهن وخوفا عليهن من الوقوع في معصية الله، فكانت عائشة رضي الله عنها المرأة البكر التي عاش معها فترة جديدة من الحياة إرضاءً لأبيها الصّديق الصّدّيق أبي بكر رضي الله عنه، هذه المرأة انفردت برواية أحاديثه صلى الله عليه وسلم حتى بلغ ما روته عنه ألفين ومائتين وعشرة من الأحاديث النبوية الشريفة حسب المحدثين، ورأى حسب تجربته أن البكر لعوب لأنها تعيش مرحلة أولى من الشراكة في حياة جديدة لم تألفها، وحث على الشباب على الزواج منها، فعندما تزوج جابر رضي الله عنه ثيبا قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: " هلا بكرا تلاعبها وتلاعبك" .