بين سبي العشائر وسبي دولة الخلافة الاسلامية



سمير عادل
2015 / 6 / 8

عشر نساء او خمسون امرأة جرى تقديمهن قربان لحل نزاع عشائري في مدينة البصرة. وتلك المدينة اي البصرة لم تحتل من قبل دولة الخلافة الاسلامية مثلما حدث لمدينة الموصل او الرقة، كي نسمع وتقبل عقولنا او نستيسغ على مضض ما فعله داعش بالنساء الايزيديات والمسيحيات و"اهل الكتاب والذمة". تلك العشائر التي قبلت بتقديم النساء كدية هي نفسها التي قلبت الدنيا ولم تقعدها حول سبايا دولة الخلافة الاسلامية، وهي الحكومة المحلية نفسها في محافظة البصرة بسياسيها ومرجعيتها الدينية وملاليها دعت وزايدت وتباهت بأنها سترسل افراد للالتحاق بالحشد الشعبي، من اجل تحرير الموصل وتحرير سبايا دولة الخلافة. وهي نفس حكومة العبادي والبرلمان من استصرخا وصاحت ومعتصماه لانقاذ عبيد وسبايا دولة الخلافة. الا ان الجميع لم يحرك ساكنا سوى اطلاق توسلات ودعوات مخجلة ومخزية كي تعدل العشائرعن قرارها حول الفصل العشائري، الذي حول عشر نساء او خمسون امرأة الى سبايا في "العراق الجديد"، في عراق الالفية الثالثة.
قانون العشائر الذي الغي في عام 1958 من قبل حكومة عبد الكريم قاسم اعيد العمل به من قبل نظام صدام حسين في عام 1992، بعد ان سحقت انتفاضة اذار 1991 معظم الاجهزة الامنية والقمعية في 14 محافظة عراقية، مما دفعها في احياء التقاليد والعادات العشائرية واعادة الهيبة الى العشائر كي تعمل محل دولة صدام حسين القمعية، في القاء القبض على الهاربين من الخدمة العسكرية والمعارضين للسلطة السياسية مقابل امتيازات ورشاوى تمنح الى رؤساء وزعماء العشائر. وبعد غزو واحتلال العراق الذي ادى الى اكمال تدمير الدولة والفشل في اعادة تأسيسها، لم تتردد الحكومات التي تشكلت بعد الاحتلال في ترسيخ التقاليد والقوانيين العشائرية والسير على خطى صدام حسين، كما فعل المالكي في تكريم العشائر ورش المال العام عليهم واهدائهم المسدسات والبنادق، وتوسيع صلاحياتهم للحصول في المقابل على ولائاتهم واصواتهم في الانتخابات ودعم حكومته الطائفية.
ما حدث في مدينة البصرة هو نتاج قوانين نظام صدام حسين واحتلال العراق الذي دمر ما تبقى من الدولة العراقية، وعملت على ترسيخ كل التقاليد المتعفنة والقوانين المتهرئة التي تعود الى العصور الغابرة. ان الحكومة الطائفية في العراق تستند على دعامة الاسلام من الناحية الايديلوجية، ومن الجانب الاجتماعي تستند احدى دعامتها الاصلية على الاعراف والقوانين العشائرية. ان الطائفية والعشائرية متناغمتان فيما بينهما وتكملان الواحدة للاخرى. فليس عبثا ان يخاطب مقتدى الصدر العشائر في البصرة ويطلب منهم التراجع عن قرار سبي النساء في الفصل العشائري، بدل من اعلان الحرب عليها والمطالبة بتحويل زعامات العشائر واباء البنات اللواتي وافقوا على قرار السبي الى المحاكم والقضاء بتهمة المتاجرة بالبشر وفرض العبودية على النساء. ان جرأة هذه العشائر تأتي من انهيار الدولة وغياب القوانين المدنية وسيطرة المليشيات على المشهد السياسي والاجتماعي في العراق.
وهكذا بات واضحا ان "العراق الجديد" هو عراق طائفي وعشائري، وتحكمه المليشيات والقوانين العشائرية المتخلفة. وبمعنى اخر ان "العراق الجديد" الذي فرض على جماهير العراق بالماكنة العسكرية الامريكية، اما ان يحكمه ميليشيات طائفية وقوى عشائرية مرتبطة بالحكومة المركزية وتحصل على دعمها ماديا ومعنويا وسياسيا واجتماعيا وقضائيا او عصابات دولة الخلافة الاسلامية. وفي كلتا الحالتين فأن النساء الضحية الاولى وسبيهن بأشكال مختلفة هي العناوين الاجتماعية البارزة في "العراق الجديد".
ان الطريق للقضاء على العشائرية في العراق، ليس بالنضال فقط ضد القوانيين والتقاليد العشائرية المتخلفة والرجعية، بل بالسعي من اجل تخليص العراق من الحكومة الطائفية التي تستند على العشيرة واعرافها وقوانينها وبناء دولة علمانية وغير طائفية، وسن دستور علماني ليس فيه اي تمييز طائفي وقومي وجنسي وعرقي. وفي نفس الوقت يجب ان تعلو الاصوات وتتوحد الصفوف للقوى التقدمية والانسانية والتحررية من اجل وضع رؤوساء تلك العشائر في السجون، ومحاكمتهم بشكل علني على جريمتهم في سبي النساء في البصرة لكي يكونوا عبرة لمن يتجرأون من العشائر في سبي النساء. فلا فرق بين عصابات دولة الخلافة الاسلامية وبين اولئك العشائر فكلاهما يجب القصاص منهم.