سوالف حريم - فنون تشكيلية



حلوة زحايكة
2015 / 6 / 13

حلوة زحايكة
سوالف حريم
فنون تشكيلية
16-8-1991
الساعة العاشرة صباحا، انهيت معظم عملي في الصحيفة، صعدت الدرج الى الطابق العلوي، دخلت غرفة مدير التحرير الأخ والصديق والشاعر علي الخليلي، "أبو سري" طرحت الصباح عليه، وطلبت منه إذنا بالخروج لمدة ساعة، اأخبرته أنني أود أن أذهب لمشاهدة معرض الفنان التشكيلي سائد حلمي، وافق على طلبي، شرط أن لا أغيب طويلا، حتى لا نتأخر باعداد الصفحات اليومية للصحيفة، حملت حقيبتي على ظهري ونزلت السلالم مسرعة، فمعروف عني بأنني أسير بخطوات سريعة، متوجهة الى المسرح الوطني الفلسطيني- الحكواتي- الذي يبعد مسافة بضعة مئات الأمتار عن عملي، دخلت القاعة، كانت واسعة جدا، واللوحات تزين الجدران، هناك ثلاثون لوحة زيتية، متنوعة من صميم الواقع الفلسطيني، فمن حياة المخيم الى مشاهد من معتقل "انصار 3" الذي أمضى فيه الفنان ستة اشهر، الى مشاهد من الطبيعة المعطاءة.
اللوحات الموجودة لا تحتاج الى شرح، فقد كانت تتكلم لوحدها، وتشرح ما فيها، لأنها تحاكي واقعنا الأليم، فعندما تقف امام لوحة "وداع واسلاك شائكة" تجد نفسك تسمع الحديث الذي يدور من خلف الأسلاك، وبكاء المرأة العجوز الذي لم يرحم المحتلون شيخوتها، تقف تبكي وطنا بيع في بلاط الحكام العرب، ورجل عجوز يرفع يده صارخا خلف الأسلاك الشائكة التي مزّقت الوطن الى أشلاء، مددت يدي الى اللوحة شعرت بأن الأسلاك تخترق يدي فجفلت، وتراجعت الى الخلف.
أشحت وجهي الى الجهة المقابلة، كان هناك لوحة الحصاد، وجدت نفسي أسير داخل الحقل، بين النساء والأطفال والرجال الذين يقومون بعملية الحصاد، سمعت أصوات المناجل وصوت السنابل وهي تقطع وتجمع وتكدس السنابل فوق بعضها البعض.
عند دخولي الى المعرض، في الوهلة الأولى شدني الابداع الفني، وسرعان ما تحول الابداع والدقة المتناهية في التعبير الى حزن وألم يخيمان على كل لوحة.
وقفت اتأمل احدى اللوحات، كنت أشعر بأنها تصرخ من الألم وهي تنادي الأنامل الرقيقة التي وضعت لمساتها عليها.
كانت تنادي سائد الذي لا يستطيع أن يرى عيون الناس، وهي تبدي إعجابها بروعة اللوحات التي لم يستطع أن يمحو الألم منها.
كانت تناديه وتستحلفه بالحضور، لأن جمالها لن يكتمل بدونه، وكلما أشحت وجهي الى لوحة أخرى كنت أشعر بنفس الشيء، الى ان أصبحت أسمع صراخ جميع اللوحات معا، وهي تبكي وتصرخ وتستحلفني بأن أحضره.
وقفت بين اللوحات أستجمع قوتي مانعة الدمع أن ينهمر من عينيّ، حتى لا أضعف أمامها؛ لأنني لا أستطيع ان أجيبها، قلت لها: أيّتها اللوحات الرائعة، لوكان باستطاعتي إحضاره لأحضرته، ولو كان هو الآخر باستطاعته الحضور لما تأخر لحظة واحدة، وتابعت حديثي اليها وقلت: يا لوحات سائد الجميلة، اذا أردتن ان تكسرن القيد وان تنتصرن، يجب أن تكن في أبهى صورة؛ من أجل جذب أنظار المشاهدين، كي ينتصر سائد هناك، هناك رغما عن الجميع.