ألتعدد واْلتَعديد .



قاسم حسن محاجنة
2015 / 8 / 15

ألتعدد واْلتَعديد .
جلسنا حول المائدة التي "غُصّت" بكل ما لذّ وطاب ، فقد نزلنا ضيوفا على بيت كرم "بدوي " أصيل .. حقا لقد برهن مُضيفنا على "أُسطورة " الكرم البدوي .
ليس بدويا بالمعنى الحرفي للكلمة ، فهو يعيش ، زوجته وابناؤه المتزوجون في بيوت عصرية ، ولا يُقعي في ساحة البيت كلبُ حراسة ، ولا تثغو الأغنام . إنه بيت مُجهز بأحدث وسائل التكنولوجيا .
طَوّف بنا الحديث ، وبما أنه أولُ لقاء بيننا معية أصدقاء أُخر ، سألتُه عن عدد أولاده (ذكورا وإناثا) ، فإذا هم عشرة ، وله من الاحفاد ما يزيد على الثلاثين (خمسة في عين الحسود ) .
-أمرتُ أبنائي وبناتي أن يُنجبَ كل واحد منهن ومنهم ،عشرة أبناء .. !! تباهى أمامنا بأنهُ هدّد الإناث ، بتزويج أزواجهن إذا لم تُنجب كل واحدة عشرة ، وكذا زوجات الأبناء .
-لكن لماذا ؟ أهو باْلكَمِّ أم بالكيف ..!! تساءلتُ بنوع من الإستهجان ...
- يجب علينا أن نزيد أعداد المواليد ، حتى نتمكن من الحفاظ على أرضنا ... وإلّا صادرتها السُلطات ..!!
تحدث مطولا عن وجهة نظره هذه ، والتي ترى في التكاثر الطبيعي الكبير ، وسيلة مشروعة "لمُقاومة " سياسة المصادرة للأرض ..!! فهو ناشط سياسي محسوب على اليسار يؤمن بالمُساواة بين الرجل والمرأة ، لكنه يرى المرأة كماكينة تفريخ أيضا .
وبعيدا عن "غرابة " وجهة النظر هذه ، إلا أنه لم يتزوج بثانية كما جرت عادة أهل تلك المنطقة . فقد إلتقينا أثناء زيارتنا للجنوب مع أكاديمي متزوجٍ بأربع نساء ..!!
غالبية "المُعدِّدين " (المتزوجين بأكثر من زوجة ) ، يُبررون لفعلتهم هذه ، بالمشروعية الدينية . وتحسبُ وهم يفسرون لك "مثنى وثلاث ورباع " ، بأن التعدد هو ركن من أركان الإسلام .. بل حسبتني ذات مرة بأنني "سأصلى صقر " ،إذا لم أتزوج "على زوجتي " ..!!
لا غرابة أن يتكيء الرجل المسلم ، الذي يرغب بالزواج بأكثر من واحدة ، على نص مقدس يُبيح له ذلك . لكن الغريب في الأمر هو ، موقف بعض "الداعيات " المحسوبات على الإسلام السياسي .
قرأتُ مؤخرا مقالتين "لداعيتين " ، يُهاجمن فيها إتفاقية السيداو ، واصفات للسيداو بأنها مؤامرة على القِيم ، وبأنها خطر يهدد الأسرة المُسلمة .
كتبت إحداهن تقول :" نعم إنها المؤامرة والكيد والعداء, شعارات نادى بها أعداء الإسلام وأصحاب الشعارات الزائفة , الذين أرادوا من المسلمين أن يكونوا تبعاً لهم ,أغرقوا الشباب بالمخدرات والأفيون والجنس حتى لا يفكر بهموم الأمة " . إن مجرد المطالبة بإلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة ،هو عند هذه "الداعية " مؤامرة ،كيد وعداء ... ليس مؤامرة على المرأة أو الرجل ...لا ..بل هي مؤامرة على الإسلام .
أما السيدة الثانية ، فقد هاجمت السيداو وأعتبرتها أخطر ما يهدد الأُسرة المسلمة ، لأن هذه الإتفاقية تُطالبُ بإلغاء تعدد الزوجات ، فقد كتبت تقول : "وهنا نشير إلى أنهم بعد أن وجدوا صعوبة تحقيق مبدأ التعدد للمرأة، طالبوا بمنعه للرجل تحت مسمى المساواة " . لكنني شبه واثق بأنها لن تسمح لزوجها (إذا كانت متزوجة ) بالزواج من ثانية إّلا على جثتها طبعا ..!!
لا إعتراض لدي على رفض هاتين السيدتين لاتفاقية السيداو ، فهذا رأيُهن الشخصي وله إحترامه . لكن لماذا التعديد واللطم ، بأن السيداو هي مؤامرة الغرب المنحرف على الشرق المسلم القويم .. النقي الطاهر !!