نريد الانتقال من الاقوال الى الافعال



مها التميمي
2015 / 8 / 17




ناهد صحافية فلسطينية تعمل في جامعة بيرزيت ، حاولت ان تصدر جواز سفر لابنتيها ، لكن طلبها رفض من قبل دائرة الجوازات، لماذا ؟ لأنها مطلقة. وطلب منها ان تأتي بشهادة من المحكمة الشرعية لتثبت أنها الوصية عليهما. تقول ناهد : ذهبت الى المحكمة الشرعية واستعنت برجلين كانا موجودين في المحكمة - لا أعرفهما ولا يعرفانني - للشهادة معي ، وقع الرجلان دون ان يعرفا سبب التوقيع ! وقبل الطلب!
وأضافت ناهد لم يشفع لي انني صحافية معروفة ، أو انني أعمل في أكبر جامعة فلسطينية، وناشطة نسوية فالقاضي أخذ برأي رجلين لا أعرفهما ، ولم ألتق بهما من قبل ! وتتساءل هل هذا عدل؟
رغد مازالت تكافح من أجل تحقيق حلم صغيرتها بالسفر معا في اجازة ، ولم تنجح في اصدار جواز سفر لابنتها القاصر ، تقول: اشعر انني في سجن كبير وحريتي مقيدة فقط لانني مطلقة ، ولم افلح في نيل موافقة طليقي رغم كل الاغراءات المادية والتعهدات التي قدمتها له، من أجل الموافقة على طلبي.
حالات كثيرة من النساء المطلقات يعانين الامرين من العنف المسلط على رقابهن من قبل سلطة القانون والمحاكم الشرعية بالاضافة الى الظلم الكبير من قبل المجتمع المحيط بهن ، بغض النظر عن مستواهن العلمي، أو الوضع الاقتصادي والاجتماعي ، بل أكاد ان أجزم انهن يعاملن كمتهمات ، تقع على عاتقهن مسؤولية الطلاق ، بل ان نظرة الشك والريبة تطاردهن وتراقبهن اينما حللن. كل امرأة متهمة ما لم يثبت العكس خلافا للنص في وثيقة حقوق الانسان كل مواطن بريء ما لم يثبت العكس . المرأة في مجتمعنا لا يعترف بمواطنتها وهي في موقع الاتهام .
تدل المعلومات الاحصائية الفلسطينية على ازدياد معدل الطلاق في الاعوام الاخيرة حيث بلغت نسبة الطلاق حسب تقرير ديوان قاضي القضاة 20% لعام 2014 ، وهي نسبة كبيرة ، ومن اللافت ان نسبة الطلاق لدى الازواج الشابة 50% وهي نسبة خارجة عن المألوف في المجتمع الفلسطيني. ظاهرة ازدياد نسبة الطلاق تستدعي الوقوف عندها، وبخاصة من زاوية حرمان المطلقات الشابات من ابسط حقوقهن في رعاية اطفالهن بما في ذلك صلاحية استصدار الوثائق وفتح حساب بنكي والسفر إضافة الى تغطية نفقات اطفالهن في السكن والمدارس .
ان الوضع الماساوي للمرأة المطلقة في مجتمعنا دفع مجموعة من الناشطين والناشطات الى تبني مطلب حذف كلمة مطلقة من الهوية الفلسطينية لما يسببه هذا التصنيف من عنف مجتمعي لمجرد كون المرأة مطلقة ، وكما تقول احدى الموقعات على العريضة من قطاع غزة ": مجرد معرفة اصحاب الاعمال الذي تقدمت اليها باني مطلقة رفضوا طلبي واستبعدوني من قائمة المرشحات مع ان شروط العمل متوفرة كلها لدي."
ومازالت هذه الحملة المجتمعية تستقطب العديد من المؤيدين والمؤيدات ممن يواصلون تنظيم الفعاليات المؤيدة والداعمة في مواجهة هذا النوع من العنف المجتمعي الممارس ضد النساء لمجرد كونهن مطلقات.
ما زلنا نعيش ازدواجية اشبه بمرض الانفصام، فمن جهة ينص القانون الاساسي على مبدأ المساواة بين الفلسطينين في الحقوق والواجبات وعدم التمييز على أساس الجنس .. وإذا اردنا رؤية النصوص في التطبيق سنجد ان المساواة تطبق على الرجل والمرأة فقط في دفع الضرائب، وتقديم الواجبات تجاه الحكومة اما ما عدى ذلك سنصطدم بالتمييز، وكأن المرأة قاصر وغير مؤتمنة على أولادها بعد الطلاق.لماذا يتم التعامل مع المرأة بمعايير مزدوجة كالاقرار النظري بذمم مالية وبالحق في التملك، لكنه لا يترجم تلك الحقوق إلا جزئيا ويتملص الذكورمن حقوق النساء ويحاولون سلبها دون تدخل من السلطة لحماية قوانينها. المجتمع يتعامل مع المرأة كقاصر وشخصية ناقصة الاهلية، وقانون الاحوال الشخصية الذي ينتمي الى العهود الغابرة يسمح بذلك، اما النصوص في القانون الاساسي التي تدعو الى المساواة وعدم التمييز فالسلطة القضائية والتشريعية والتنفيذية والشرطة الموكلة بالحماية كل السلطات تتقاعس عندما تكون المرأة هي الطرف الاخر.
وثيقة المرأة، ومن قبلها وثيقة اعلان الاستقلال وقانون الاسرة ومئات المؤتمرات والندوات والكراريس والبروشروات، واستراتيجية الطفل كل هذه الافكار والمشاريع بقيت اقوالا بلا افعال على طول الخط وكأن وظيفتها تقديم وجه آخر جميل للحالة الفلسطينية غير ما هي عليه، وكأن لهذه المحاولات وظيفة واحدة هي الاستهلاك الخارجي. المعاناة المتزايدة للنساء تستدعي رفع الصوت وتجاوز المراوحة في المكان والمسيرة الطويلة التي كان عنوانها اقوال بلا افعال.