ترى.. من الضحية القادمة لحسين البنغالي ؟



محمد عبعوب
2015 / 9 / 1

وقفت أمام مكتبه موجهة له نظرة تحد سافر، وسألته بلهجة جافة دون أن تلقي عليه السلام :
- لماذا أنهيتم خدمات حسين البنغالي في هذه الإدارة؟
رد عليها بالقول :
- هذا أمر لا يعنيك، وليس من اختصاصك، بل هو اختصاص أصيل للإدارة، وأن عليك أن تهتمي بعملك وما يعنيك فقط.
أمام هذا الرد الحازم من مدير الإدارة الذي كما يبدوأنه بدد آخر آمالها في إعادة حسين الى جانبها لتكمل معه مشروعها الذي تحلم به، ارتفع صوتها مهددة بأنها ستنتقم له شر انتقام من هذه الإدارة إذا لم يعيدوه (حسين البنغالي) الى عمله في هذه المؤسسة حيث تعمل هي أيضا كموظفة !!
رد عليها مستفسرا وباستهزاء:
- وماذا ستفعلين يا فالحة ؟ هيا أرينا عجائب قدرتك.. يستحسن بك ان تهتمي بنفسك وعملك ولا تتدخلي في اختصاصات غيرك..
ردت بأنها ستنتحر إذا لم يعيدوا حسين إلى وظيفته في هذه المؤسسة، وستضعهم بذلك في ورطة أمام القانون !!
عندها قام هذا المسؤول من مقعده وقد أدرك بما لاشك فيه أن هذه الفتاة غارقة في قصة غرام مع ذلك البنغالي الذي يتلاعب بعقلها الصغير، قصة محكوم عليها بالفشل و لا مجال للوصول بها إلى النتائج التي تحلم بها، وأن واجبه الاجتماعي في هذه اللحظة يفرض عليه التدخل لإنقاذها.. وبادرها بسؤال عما إذا كانت والدة حبيبها و والده موجودان هنا في ليبيا ليكملا مع والدها مشروعها الحلم ؟ وما إذا كانت لدى هذا الحبيب إمكانيات لامتلاك بيت وإدارته في ليبيا؟ وما اذا كان يجيد العربية للتفاهم معه؟ وعن المصير الذي ينتظرها وأطفالها عندما يحزم هذا المهاجر أمتعته ليلتحق بأسرته في بنغلاديش ويتركها تعاني لوحدها تنشئة أطفاله ورعايتهم حتى يكبروا ثم يلتحقوا به وتبقى هي وحيدة فريسة للإهمال والشوق لمن ربتهم وأعطتهم ربيع عمرها وتركوها لأن بلدهم بنغلاديش وليس ليبيا!!
أمرها بمغادرة المكتب ناصحا إياها بعدم التعلق بالأوهام والتفكير مليا وبعقل ناضج في قضايا مصيرية، أي خطأ فيها سيكون باهظ الثمن..
رمقته بنظرة تعكس حالة الارتباك التي وضعها فيها.. فقلبها يموج بزهور ربيع عشق وهمي تتمنى أن يتحول إلى واقع، وعقلها الذي أثار فيه هذا المسؤول عاصفة تساؤلات مخيفة عن مآلات فشلها، يحثها على عدم التعلق بالأوهام والتعامل مع الحياة بواقعية جادة.. لم تجد أمام هذه الوضع إلا الانسحاب وسيلة للهروب من هذه اللحظة الفارقة، لتفادي فقدان وظيفتها وحلمها معا.. غادرت المكتب لتختلي بنفسها وتخوض صراعا مريرا مع أهوائها وتضع مشروعها الحالم على محك واقع الحياة التي تعيشها..
بعد أسبوع من الصراع المرير مع نفسها، عادت لتقف في نفس المكان وأمام نفس المسؤول، ولكن بوجه تعلوه هذه المرة ابتسامة عنوانها طلب الصفح والاعتراف له بالجميل لأنه أنقذها من الوقوع في ورطة اقل تكاليفها البقاء كمطلقة منبوذة اجتماعيا لأنها اقترنت بشخص لا تربطها به أية صلة اجتماعية أو ثقافية، ومعروف مسبقا انه سيستعملها فقط كوسيلة لجمع المال اللازم الذي يمكنه من العودة الى بلاده وبناء أسرة حقيقية قابلة للحياة مع فتاة من بلده يجمعه بها الانتماء والثقافة.
غادرت المكتب بنفس راضية بعد أن وجهت لرئيسها جزيل الشكر والعرفان لأنه أنقذها وأعاد لها وعيها الذي فقدته أمام سحر وعود البنغالي حسين الذي يجيد لغة عربية مفككة يبدو أنه تعلمها في دول الخليج، كما استطاع توظيف ورعه وحرصه على أداء الصلاة على مشهد منها كلما ارتفع الأذان في دغدغة مشاعرها الدينية البسيطة التي لا تزيد فهم طقوسي للدين.. وذهب حسين البنغالي الى مؤسسة أخرى لينصب حبائله لفريسة جديدة قد تصادفه فيها بعد أن نجت الضحية الأولى من براثنه بفعل تدخل رئيسها الذي خاطر بالتدخل في قضية لا تخوله وظيفته الرسمية بالتدخل فيها وحسمها..
ولكن السؤال المهم الذي يطرح نفسه وبقوة هنا ، هو يا ترى من ستكون الضحية المقبلة لحسين البنغالي ؟ بل كم من الليبيات وقعن وسيقعن ضحايا لمغامرين من كل جنسيات العالم أصبحوا يتقاطرون على البلاد التي تفككت فيها مؤسسات الضبط والرقابة، بحثا عن فرصة للتسلل الى أوربا هدفهم النهائي، ولا يفكرون أصلا في بناء أُسر وبيوت في بلد مثل ليبيا التي أصبحت على أبواب الاندثار والتفكك بفعل عقلية التخلف والحقد والتشرذم التي باتت تسيطر على غالبية أهلها..
هذه القصة أنقلها تقريبا بالنص كما رواها لي هذا المسؤول الذي أثق في مصداقيته ، و أردت بنشرها أن أضع الفتيات الليبيات والمجتمع الليبي أمام الواقع الذي يعشونه، وما ستؤول له أوضاعنا الاجتماعية في ظل حالة الفوضى التي تعيشها بلادنا في غياب ضوابط مدروسة تراعي كل الانعكاسات السلبية في إدارة الهجرة واستقدام العمالة الأجنبية التي تحولت على أيدي تجار البشر الى ممارسة متوحشة ضحاياها من كل الأجناس بما فيهم أبناء الوطن من ليبيين وليبيات الذين سيدفعون على المدى القريب والبعيد ثمنا باهظا من مواردهم البشرية والاقتصادية ومن استقرارهم الاجتماعي..