قضية المرأة بين رجعية الصادق النيهوم وحداثة يوسف القويري 3



أحمد البخاري
2015 / 10 / 18

لامني العديد من الأصدقاء من محبِّي الصادق النيهوم حول المقالتين الماضيتين، بل إن البعض تجاوز حد التعجب والدهشة واللوم، ليرميني بعدم الفهم، أو الحمق، وربّما عدم القراءة الدقيقة لتطوّر فكر النيهوم ونضجه، وأغلب الظن أن معظم المهاجمين لم يستطيعوا فهم المعنى والفكرة التي طرحتها.

والحقيقة أنني أؤكد قبل كل شيء، أن النيهوم قد أتى بخطاب وتصوّر ثوري حول المرأة في زمنه، بل إن خطابه التجديدي، ونقذه اللاذع لمكانة المرأة الرجعية كان من الإبداع والجرأة ما لم يسبقه إليه أحد، وهو موقف وجهد عظيم ليس بحاجة لإعتراف مني.

فالنيهوم إنتقد الحجاب ومفهوم الشرف والزواج التقليدي والمجتمع الذكوري الرجالي، وقال إن المرأة أسيرة الوضع الإقتصادي اللذي خلقه الرجل بسبب تحكمه بالمجتمع، وهو يقول في كتابه "فرسان بلا معركة" :

" إن المرأة يربيها الرجل بنقوده ويبيعها لرجل آخر بنقوده، ويطعمها الرجل الآخر بنقوده أيضاً، ويكسوها ويعالجها ويدفنها أو يشتري لها تذكرة الحج بنقوده، هل تعتقد أن هذا الرجل يستطيع ذات يوم أن يخلق ثقافة تتساوى فيها المرأة والرجل " ص38

وإذن فالصادق النيهوم يحرض المرأة على إسترداد حقوقها بنفسها وإستقلاليتها، وإن كان ما زال متوجساً من الطريقة، وتجربة المرأة الأوروبية الحداثية :

" إن خروج المرأة للعمل ليس بدعة أوروبية بل حتمية تاريخية لا مفر منها، لكن ما فعلته المرأة الأوروبية بهذا الحق الطبيعي هو وحده البدعة الأوروبية، ونحن لا نحتاج إلى أن نفعل مثلها " (فرسان بلا معركة ص40)

وبرأيي فإن الصادق النيهوم، رغم كل ذلك، فهو كان يحمل ثقلين كبيرين فوق أكتافه، منعته من التحرر بشكل كامل، والإجتياز نحو الحداثة، وهما شرقيته، وموروثه الإسلامي، فشرقيته كما هو واضح في معظم كتاباته، ما زالت تشكل تصادم حقيقي مع مكتسبات الحداثة والمرأة بشكل خاص في أوروبا التي زارها ورآها وعاشها بنفسه.. " إن دايانا لم تكن شيئاً في الواقع سوى رجل شرقي متنكر في جثة إمرأة " (فرسان بلا معركة ص97)، وهكذا بكل بساطة، يعتقد الصادق النيهوم أن مكاسب تحرر المرأة والحداثة في الغرب قد تجاوزت الحد فعلاً، وأنها أصبحت تعادل ديكتاتورية الرجل الشرقي.

أما الثقل الأكبر اللذي كان يرزح تحت وطئته الصادق النيهوم، فقد كان مشروعه الإسلامي الجديد، اللذي أصر عليه، واللذي يحاول من خلاله تأويل النص من جديد، وبالتالي منعه من القطيعة التامة مع التراث، وتبني قيم الحداثة، ولكن هذا المشروع يحمل ثغراته التي لم يكتمل سدّها، أبرزها الموقف من عبودية المرأة .


عبودية المرأة ..


يقول الصادق النيهوم أن القرآن "إذ يبيح التسري للرجال في الآية فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت إيمانكم، فإنه يشير إشارة حقيقية إلى أن الإقتصار على زوجة واحدة هو الأصل، أما الجواري والزوجات الأخريات فسوف ينقرضن مع الزمن، وهذا ما حدث بالضبط، فقد انتهى عصر الجواري على أي حال، كما أراد القرآن" ..(الحديث عن المرأة والديانات ص39).

ونحن نعيد ونكرر سؤال مقالة "الشيخ الصادق النيهوم" مجدداً، كيف ومن أنهى عصر الجواري والعبودية الجنسية يا ترى؟! ومن فعل وأراد ذلك حقاً ؟!

أما الإجابة التي عجز عن قولها النيهوم، وعللها بإرادة سماوية ميتافيزيقية، فعبد الله القويري شرحها بكل بساطة في كتابه :

"إن الواقع الإجتماعي يتحرّك ويتطوّر ويرتقي، لأن ظروف الناس وأحوالهم الواقعية تختلف وتتباين من عصر إلى عصر ومن مكان إلى آخر، فإن أفكارهم وتصوراتهم ومفاهيمهم تتغير وتختلف وتتطور تبعاً لذلك، وبجملة أخرى فإن أخلاقهم وتشريعاتهم وثقافتهم وأعرافهم لا تبقى كما هي.. فالعبودية في المجتمع الروماني والمجتمع اليوناني القديم لم تكن تتعارض مع القيم الأخلاقية، في حين أنها الآن وصمة عار في جبين أي مجتمع يمارسها، وشراء المرأة بالمزاد العلني كان يتم في أسواق بغداد ومكة ودمشق وروما وأثينا والشام وغيرها دون أن يثير أدنى إنتقاد حيث أن القانون كان ينظّم ـ فيما مضى ـ صفقات شراء الرقيق وبيعهم وطريقة تكديسهم في القوافل التجارية بلهجة صريحة وواضحة، لكنه الآن ينزل أشد العقوبات بتجار الرقيق إن وجدوا. كما أن افتراض منظر إمرأة تباع في الأسواق كفيل بتقويض هذه الأسواق من قبل الناس المعاصرين اللذي ارتقى وجدانهم الإنساني". (مدخل إلى قضية المرأة ص 20-21).

ثمّ يكمل القويري محطماً كل الأوهام : " إننا نستدل من هذه الأمثلة أن الأخلاق والثقافة والتشريعات تتطوّر تبعاً لتقدم الواقع الإنساني، أي أن الحدود الإجتماعية ـ التي تضم الثقافة والتشريع والأخلاق ـ تنزاح وتتحرك دائماً إلى أمام، فهي إذن غير ثابتة،..... إن رفض الأخلاق القديمة ليس فقط بسبب أنها قديمة، بل لكونها أصبحت كابحاً رجعياً للتطوّر" (مدخل إلى قضية المرأة ص 22).

للحديث بقية في الجزء الرابع والأخير ..