نساء بسيطات ,,,, لكن عظيمات



سلمان محمد شناوة
2005 / 10 / 27

فى كل يوم تمر امام اعيننا الكثير من البشر الذين لا ينتبه لهم احد , ولا يعرف احد من هم , الا ان فواصل التاريخ وحركة التاريخ تتوقف عندهم كثيرا فى لحظة معينة , ويكونوا هم النقطة التي يتوقف امامها عجلة الزمن ,, وهم السبب الذى توجه هذه العجلة فى اتجاه اخر ,, وكم من رجل او امراه يكونون عاديين فى كل شي ,, حتي تاتي لحظة ,,وكأن الدنيا كلها باتت تراقب هذا الانسان ماذا يفعل تلك اللحظة ,, ونجده قد تولد ذاك المارد العملاق الذى يحمل عجلة التاريخ والاحدث من كلمة منه او حركة او مجرد اشارة ,,
وصفحات التاريخ تحفل بكثير من هذه الشخصيات المحركة ,, والتي تكون مختبئة حتي تاتي تلك اللحظة التي يتغير بها كل شي ,

الخياطة السوداء روزا باركس استقلت فى الاول من كانون الاول سنة 1955 الباص كعادتها يوميا فى مسيرها من العمل الى البيت ,, وكانت متعبة ,, وحسب قوانين الولاية , وحسب قوانين الفصل العنصرى فى امريكا ذاك الزمان ,, كانت مقاعد الباص يقصم الى قسمين ,, القسم الامامي للبيض ,, اما القسم الخلفى فاللسود ,, فكان الاسود يقطع التذكرة من مقدمة الباص ,, ثم يعود للصعود من الباب الخلفي ,,اما المقاعد التي تكون فى الوسط فكان يسمح للاسود بالجلوس عليها مؤقتا ,, فان جاء الابيض ففى تلك الحالة يتحتم على الاسود الوقوف وترك المقعد للابيض ,,
فى ذاك اليوم ,, استقلت روزا الباص مثل باقى الايام بعد ان قطعت الثذكرة من مقدمة الباص وركبت من الباب الخلفي ,, وجلست فى المقاعد منتصف الباص حسب ما جاء فى قوانيين تلك الولاية ,, فى هذه الاثناء صعد رجل ابيض وتقدم نحوها ,, وحسب القانون كان المفروض ان تقف وتترك مقعدها للرجل ,, الابيض ,, ولكنها رفضت ,, وادى الجدال الى تدخل السائق ثم الشرطة ,, ثم تم تغريم روزا مبلغ عشرة دولارات لمخالفتها قانونا ,,
مالذى حدا بتلك السيدة للرفض مع ان كا الواقع والجو الذى حولها يدعوها للخضوع والاقتناع لدرجة انه تم سن القوانين التي تحكم هذه العلاقة والكل قنع بالامر ,, واستكان ولو اى شخص غيرها ربما قام بكل استسلام ,, فهذا هو الواقع وهذا هو ,, الحال ,
لكنها ,,, رفضت ,, لماذا ؟ وهل كانت تدرى بان رفضها ذاك سيولد تلك الشرارة التي احرقت كل القوانيين العنصرية فى بلد الحرية ,, امريكا ,,
الواقع ,, ان من الاسباب التي دعت تللك الشرارة للانطلاق هو الكم الكبير من الظلم الكائن تحت السطح ,, وان امريكا بنيت على افكار الحرية والاستقلال واحترام الفردية ,, والدعوة الى تحرير البلدان من قمع الاستعمار ,, ولكن مع هذه الافكار الجميلة ,, الا انها من البداية عاملت الانسان بشكل مختلف ,, فجعلت الابيض هو السيد وفى قمة الهرم التدرجي فى المجتمع وعاملت الاسود على النقيض ,, فلم تكن تعامله معاملة الانسان ,, وسنت قوانين تخالف مضمونها روح الدستور الذى وضعوه الاباء الاوائل ,, وكانت قوانين الفصل العنصرى ,, تصرف روزا فى ذاك اليوم كان صرخة مدوية تعالت فى وقت حركت كل المياه الراكدة ,, وجعلت الاضواء قوية باتجاه مساءلة الفصل العنصرى ,, وتوحد قوى القادة الكبار اولئلك الذين يسعون كل فىطريق ,, توحدوا ,, مع هذه الصرخة ,, اضطرت بها السلطات المدنية ان ترفع القضية للمحكمة العليا ,, التي قررت ان هذه القوانين تخلف الدستور ,, وبناء عليه قررت السلطات الغاء قوانين الفصل العنصرى تلك ,, والتي فرق بين الانسانية .

ولتخليد ذكرى تلك الحادثة ,, أعلن مدير متحف (هنري فورد) السيد (ستيف هامب) في مدينة (ديربورن) في (مشيجان) فى 27 اكتوبر من عام 2001 بعد مرور 46 عاما عن شراء الحافلة القديمة المهترئة من موديل الاربعينات التي وقعت فيها حادثة السيدة (روزا باركس) والتي كانت الزناد الذي دفع حركة الحقوق المدنية في امريكا للاستيقاظ بحيث تعدل وضع السود وتم شراء الحافلة بمبلغ 492 ألف دولار أمريكي

ولننظر كم فى تاريخنا اولئلك البسطاء ,, العظماء الذين غيروا فى لحظة واحدة من احداث التاريخ ,, لمَ تناهى الى سمع عمر بن الخطاب ان اخته وزوجها قد فارقوا دين الاباء جاء مسرعا والغضب يفيض منه ,, جاء الى اخته وزوجها ,, وضرب الزوج وشج جبهة الاخت ,, الا انها وقفت وقراءت له جزء من القران الكريم ,, واستدرك وكان سبب دخوله الاسلام ,, عمر الذى قال الرسول (( الهم اهدى احد العمرين )) امراه بسيطة فى خدرها لا تشارك الرجال المجالس ولا يذكرها التاريخ الا فى تلك اللحظة ,, ولكن ماذا فعلت تلك اللحظة ,,
سمية ام عمار ,,, كانت فى لحظة بين اختيار بين ان تعود عن الاسلام ,, او تقتل هى وزوجها وامام انظار ابنها ,, الا الانها فضلت الموت وراحت لتكن اول شهيدة فى الاسلام ,, ولتذهب المقولة (( صبرا ال ياسر ,, فان موعدكم الجنة )) نبراسا لهم ليوم القيامة ,
زينب اخت الحسين لم تكن زينب قبل الطف هى زينب بعد الطف ,, وكأن حادثة الطف ,, حولت السيدة زينب الى قديسة تسير فى ركب الاولياء والاتقياء ,, والحزن والالم والوجعية التي مرت بها فى ذاك اليوم ,, جعل منها امراه اخرى ,,,
اسماء بنت ابو بكر حين جاءها ابنها عبدالله بن الزبير وربما كان فى نفسه الاستسلام لجيش يزيد وقائده الحجاج ,, قالت (( وما ضير الشاة سلخها بعد ذبحها )) همة لو ما كانت فى تلك المراه فربما وجدنا وجه التاريخ قد تغير ,
فى صلح الحديبة وبعد اجراء الصلح امر الرسول اصحابه ان يحلقوا وان يذبحوا حتي يعودوا الى المدينة ,, حتي ياتوا فى العام القادم ,, الا ان الصحابة لم يستطيعوا ان يروا ما راه الرسول فتغاضوا عن امر الرسول ,, حتي دخل على ام سلمة غاضبا ,,, فقالت له ,, ان يخرج ولا يكلمهم وان يبادر الى الذبح والحلق ,, فان شاهدوه فعلوه مثله ,, وفعلا ,, كان راى ام سلمة حيث خرج الرسول وذبح اضحيته وحلق شعره وفعل المسلمون ذلك ,, حتي قالوا انهم كادوا ان يقتلوا بعضهم بعضا خلال عملية الحلق , وربما لو لم تكن كلمة ام سلمة ,, لكان هناك قرانا فى تلك اللحظة حتي يحل الازمة ,, وكأن راى ام سلمة ساوى القران فى تلك اللحظة .
وغيرهن كثير من النساء اللواتي يحفل بهن التاريخ ,, ومجرد ان نفتح صفحات التاريخ ونزيل عنهن غبار النسيان حتي يظهرن وهن بقوة ضوء القمر ,, فى الليالي السوداء ,,
وفى العراق
كثير من النساء البسيطات الباسمات الوجوه التي نقابلهن يوميا ,, ولا نعرف من هن ,, مجرد وجوه تمر علينا ,, ولا نعرف عنهن شي ,, ولكن فى كل بيت عراقى هناك امراه بسيطة لاقصى درجات البساطة ,, ولكنها عند الشدائد نجد ان العراقيات ينقلبنا الى شي اخر ,, الارملة العراقية ليست كباقى النساء ,, وام الايتام ,, لعقدين كامليين وجدت المراه العراقية نفسها مسئولة عن المجتمع كله فترة الثمانينات لغياب الرجل فى جبهات القتال ,, وفترة التسعينات والحصار حيث اضطر الرجال الى الهجرة الى الخارج للعمل ,, ولضيق الحال فى العراق ,, فكانت الاب والام معا ,, وكانت الرجل والمراه معا ,, وكانت كل شي فى البيت والمجتمع ,, ولو قارنا مقارنة بسيطة بينها وبين المراه فى اقل المجتمعات تحضرا ,, لوجدناها تحملت ما لا يتحمله الجبال ,, ومهما قيل او قلنا فلا نستطيع ابدا ان نعطى المراه العراقية حقها ,, وقدرها ,,

واليوم ومن خلال خبر وفاة المرأة التي أشعلت ثورة السود في الولايات المتحدة قبل نصف قرن، في منزلها بمدينة ديترويت، عن عمر يناهز 92 عاما ,, من حقى انا وكل العراقيين ان نتذكر المراه العراقية التي هى فى وجداننا اكثر ,, فكلما اشتد بى الحال ,, كنت دائما الجأ الى والدتي ذات العصابة السوداء,,, والتي حفرت الدنيا اخاديدها على وجهها الجميل ,, وتبتسم لتقول (( الخير دائما بعضود الرجال )) ودائما اجد قدرتي على الحياة بين يديها ,, ودائما اجد قدرتي على الاستمرار بين يديها ,, كلماتها وكأنها ينبوع الله فى الارض ,,, هذه هى الام العراقية التي تتحمل كل شي من ابناءها من اجل ارضها من اجل وطنها , (روزا باركس) تذكر في كتاب صدر لها لاحقاً بعنوان (القوة الهادئة) عام 1994م: «في ذلك اليوم تذكرت اجدادي وآبائي والتجأت الى الله فأعطاني القوة التي يمنحها للمستضعفين
وانا وكل العراقيين (( نتذكر كل تاريخنا ونلجأ الى الله ويحفظ لنا العراق بكل اهله وطوائفه برجاله ونساءه ,,,
الا ترون معي ,,, انهن نساء بسيطات ,,, ولكن عظيمات ,,