وللذكر مثل حظ الأُنثيين ، ما بين النص والواقع.



قاسم حسن محاجنة
2015 / 11 / 3

وللذكر مثل حظ الأُنثيين ، ما بين النص والواقع.
"وصى المجلس الوطني لحقوق الإنسان بتعديل مدونة الأسرة بشكل يمنح للمرأة حقوقا متساوية مع الرجل في الزواج وفسخه وكذا الإرث، وذلك وفقا للفصل 19 من الدستور والمادة 16 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ." وأثارت هذه التوصية التي قدمها المجلس الوطني لحقوق الانسان في المغرب ، أثارت زوبعة من السخط ، الغضب، الشجب والتنديد مِن قبل المؤسسة الدينية ومن "ناشطات" في "كهانة القمع" النسوية ..!! بإدعاء أن المساواة في الميراث هي تعدٍ على شرع الله ، وعلى نصٍ واضحِ وصريح ..!!
ورغم أنني أميل إلى أن النص حدّد الحد الأدنى لحصة الأنثى في الميراث ، ولم يتوعّد الذين يُعطون بناتهم حصة أكبر، بالويل والثبور وسعير جهنم فيها خالدون ...!! فالآية واضحة وصريحة : " يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ..." ، وقد ذكرت الآية عقوبة لِمَن لا يوّرث(سعير جهنم)، وأما لمن يُساوي بين الذكر والأنثى في الميراث ،فلم تذكر الآية شيئاً بهذا الخصوص... وقد بحثتُ في "مولانا" غوغل عن العقوبة الشرعية لِمَن يُساوي في الميراث ، فلم أتوفق ..!! اللهم إلّا إذا قال لنا الشيوخ الأفاضل بأن العقوبة المنصوص عليها ، تقع على المُمتنع عن التوريث وعن الذي يُساوي في الميراث ..
لكن هذا الحديث هو بمثابة فقهٍ إفتراضي ، لأن الصورة على أرض الواقع ، أشدُّ قتامة ، مما نظنُّ ونعتقد.
فأغلبية المسلمين لا يورثون بناتهم لا الثلث ولا الرُبع ، إما لأنهم لا يملكون ما يورثونه سوى الديون والهم وتعب البال ، أو في أفضل الأحوال ،فإنهم يورثون أبنائهم أمراضهم الوراثية الجسدية وعقلياتهم المُحنطة .!
وعنّي شخصيا فقد ورثتُ من أبي مرضَ القلب وورثت زوجتي عن أبيها، أُمها المعاقة على كرسي مُدولب..!!
وأما القَلة المتبقية من المسلمين وخصوصاً في الأرياف فإنها ومع إيمانها العميق بتعاليم الدين ،فإنها لا تورثُ الإناث من أبنائها ، لأسباب اجتماعية ثقافية ، رغمَ ما توعدت به النصوص من عقابٍ شديد . فالبنت هي لزوجها وعائلة زوجها ، فهي مجرد "أمانة" عند والدها حتى يأتي الغريب (صاحب الأمانة) لإستردادها وضمها الى عائلتها ..!!
ومُحاولات إحداث التغيير فوقياً لم يُحالفها الحظ غالباً ، ولم تصمد هذه التغييرات أمام أول عاصفة ..!! ومثالنا على ذلك أفغانستان...!! فبعد الثورة على الملك وقيام الجمهورية ، سُنّت قوانين كثيرة في صالح مساواة المرأة بالرجل ..(كما وثّق لذلك) الروائي خالد الحسيني في روايته ،"ألف شمس ساطعة " ، وما أن سقطت جمهورية "نجيب الله" ، حتى عادت حليمة لعادتها القديمة !!وتم إلغاء كل "الإمتيازات" التي حصلت عليها المرأة بسهولة ويسر وبدعم الثقافة الذكورية السائدة ..
وفي المغرب مثلا ، حتى قبل الإقتراح ، بالمُساواة في الميراث ، وبوجود نص ديني يأمرُ بإعطاء المرأة ، نصف حصة الرجل ، هل ورّثّ الأباء المغاربة بناتهم ، كما نصّ على ذلك النصُّ المقدس ؟!
ليست لدي معلومات دقيقة ، ولكنني واثق بأن غالبية النساء المغربيات كسائر أخواتهن في بلاد العرب والمسلمين ، لم يرثنَ عن أبائهن سوى الامراض الوراثية ...
في رأيي ، ليست القضية مجرد إجراء تعديل دستوري ، لكي تتم المُساواة . رغم ما للإعلان من أهمية .. بل إنّ القضية هي قضية ثقافة إجتماعية سائدة ..!! ترى في الأنثى مجرد زائر في بيت أبيها ، لا غير ..
ويبقى السؤال ، لو سُنّت القوانين المُطالبة بالمساواة في الميراث ، فمن سيطبقها ؟ هل ستسجن الحكومة كل رجال البلد ؟!!
التثقيف ، ثم التثقيف والتثقيف ، قد يؤدي الى تغيير في الثقافة الذكورية ، وعندها ربما ستتم المساواة دون حاجة لفرضها قانونيا ..
ولا يظننّ أحدٌ بأنني ضد المساواة ..!! فلستُ من كاهنات القمع ..