سبي النساء وسيلة الحرب الداعشية ضد الانسانية



هدى الجابري
2015 / 12 / 6

في هذه المقالة اود التاكيد على قضية استخدام السبي كوسيلة وسلاح حرب من اجل اضعاف وتمزيق قوة الطرف الاخر في الصراع، وايضا كوسيلة لارساء الضعف والرعب في المجتمع. ان اعمال داعش ضد النساء هي احد النماذج شراسة وقسوة والتي استخدمتها في شن حربها من اجل اقامة دولتها الاسلامية.
من المعلوم ان الاعتداء الجنسي والاغتصاب هي ليست بوسائل جديدة في الحروب وخاصة الطائفية والعنصرية و والقومية حين يصبح كل مقاتل منهمك التفكير في أن جنسهُ، دينهُ، أوعرقهُ افضل من الآخر، وان الاخر ليس له حق في الوجود او العيش بكرامة فيلجأ الى اقسى وابشع الطرق لاهانة وأذلال هذا الاخر ومن هذه الطرق سلب واغتصاب النساء. أن ضحايا الاغتصاب بلغت ذروتها في الحرب التي دارت بين البوسنة والهرسك تقريبا حيث أن ما يقارب الـ 20.000 الى 40.000 أمرأة اغتصبت ونكل بها، وفي رواندا، في حرب التصفية العرقية كان العدد يتراوح تقريبا بين 250.000 الى 500.000 أمرأة اغتصبت واجبرت على ابقاء الحمل ليولد عرق جديد ليقضي على العرق الاخر (عرق العدو).
وفي العراق بالذات استُخدم نفس ألأسلوب للتنكيل بالكثير من المعارضين واحزاب المقاومة خلال الفترة التى حكم فيها صدام حسين العراق. كان أزلام النظام يعتدون على نساء المعارضين امام انظارهم في السجون ليكسروا معنوياتهم ويجبروهم على الإعتراف. وايضا تم التنكيل بالكثير من النساء في السجون العراقية في وقتها بسبب عقيدتهن السياسية او انتماءهن الى حزب معارض. من المؤكد كانت لهذه الاساليب الوحشية في التعامل مع النساء مردودها بالنسبة للنظام فاسهمت من خلاله بابعاد النساء عن المشاركة الفعلية في العمل السياسي او التعبير بحرية عن مطالبهن او مطالب المجتمع. فتعرضت الكثير من الناشطات النسويات للاغتصاب والتنكيل والاعدام بسبب مواقفهن السياسية ونضالهن من اجل تغيير الاوضاع نحو مجتمع افضل.
الا انه ورغم حصول إلاعتداء الجنسي على النساء في أكثر الحروب وبحجج مختلفة من اجل القضاء على الآخر وزعزعة قوة مواجهة الخصم، فان النموذج الاجرامي الذي قدمته داعش في حربها على العراق وسوريا والمدن التي دخلوها "فاتحين"، له نمط وسمات اخرى ومختلفة لم ترها النساء في حروب اخرى من قبل.
لقد استعملت داعش من اشد الوسائل لاانسانية في سعيها لفرض دولتها الاسلامية. فبالاضافة الى قطع الرؤوس، اغراق الاسرى، القتل بالرصاص، وغيرها ، قامت بسبي النساء، بارهابهن وبطرق مختلفة مثل الاغتصاب، والبيع، والتشهير بجسد الاسيرات. وبالنسبة لداعش، فإن هذا الامر يتطابق تماما مع منهجها الفكري والمذهبي وتعاليمها الإسلامية التي تروج لها. انه لمعلوم للجميع كيف استخدم هذا التنظيم الارهابي ببث الكثير من ألافلام والصور عبر وسائل الاتصال الاجتماعي واستخدام الانترنت لإشاعة الرعب والخوف في المدن قبل الدخول اليها.
لقد قامت بأغتصاب وقتل النساء وبيعهن في الأسواق. ان هذا النهج قائم ويتبع ويسير على مبدأ من مبادئ الفتوحات في العصور الأسلامية الاساسية. انها الحركة الوحيدة التي قامت بتبرير والدفاع عن الاغتصاب باعتباره امر مبرر بل ومشرع على اساس الدين وانه منصوص عليه في القرآن وانه يستند الى احاديث "الرسول" من اجل تدعيم اعمالها الاجرامية لاغتصاب والاعتداء على "الكفار" باعتبارهم من المغضوب عليهم ولايستحقون الحياة بكرامة.
ماشهدناه بشكل عام وفي سنجار بشكل خاص وبعض القرى الاخرى اللتي وصلوا اليها من سبي وأغتصاب واعتداء جنسي على النساء والفتيات اللاتي لا يتجاوز عمر البعض منهن الثانية عشر لهو اكبر دليل على وحشية ولاإنسانية مقيتة وفضاعة هذا التنظيم.
يدرك تنظيم داعش بان التعرض للمرأة، في مجتمع ابوي وبطرياركي اسلامي، عنصراً يجلب العار والاهانة للعائلة والمجتمع، لذا فالاعتداء على النساء هو وسيلة لارضاخ المقابل وزعزعة روح المواجهة. من هنا لم تتردد داعش في استخدام هذه الطريقة بوحشية ودهاء جعل من أهالي المدن في سنجار والقرى الاخرى يسعوا بكل الطرق للنفاذ بجلدهم ونسائهم للخلاص من سبيهم وسبي نساءهم.
الاكثر من هذا، مضى هذا التنظيم الى نشر وتصوير اولئك النساء في وسائلهم الاعلامية المرئية والمقروءه وبكل استهتار بالقيم الانسانية وكل القيم المتعارف عليها لانسان القرن الحادي والعشرين حيث مارسو سياسة واسلوبا يعودان الى العصور الهمجية.
ولان داعش مسلحة بقوة عقيدتها ومبدأ "السبي" اللذي يؤمنون به، ونظرا لعدم وجود دولة قوية للوقوف بوجه استهتارهم ولتحاسبهم، ولكون هذه المجموعات المسلحة مدعومة من أقرب البلدان المجاورة للعراق مثل تركيا والسعودية، لذلك اصبحت داعش قوة رعب وارهاب للكثيرين الذي فضلوا ترك بيوتهم وحياتهم ونجوا بنساءهم. أن الشعور بالرعب عند المواطنين يكون في اعلى مستوياته، وهو مبرر ومفهوم بدرجة لايختلف عليها أثنان. الأخبار التى وصلت والافلام التي بثوها من خلال اعلامهم اثارت الرعب في كل المدن والقرى التي دخلوها سواء في العراق او سوريا.
أن الثقافة المبنية على أساس فكرة ان شرف العائلة والمجتمع مرتبط ارتباطاً جذرياً بالمرأة هي ثقافة مرتبطة ارتباطا جذريا بالمنهج الابوي والبطرياركي الذي يحاول المجتمع الراسمالي وكل ممثليه وادواته من دين وسياسة واعلام وثقافة الابقاء عليه. وان استمرار وادامة هذه الثقافة والتقاليد يعني استمرار تحميل المرأة اكثر من طاقتها كل أعباء هذه الثقافة الخالية من العدالة الانسانية.
لطالما جرى تحميل المرأة واستخدامها كرمزا وكوسيلة للقوى الدينية او القومية وبدون أرادتها مثل المرأة "وطن"، المرأة "أم الأجيال"، المرأة المستقبل وان شرف المرأة هو اساس العائلة وبالتالي المجتمع . إن هذا هو السبب الذي يقف وراء فكرة سبي و أغتصاب والإعتداء على المرأة. انه استخدام النساء كوسائل، كاهداف، لا ينظرون اليهن كبشر، بل ادوات لضرب الخصم، سلاح في الحرب للقضاء على الآخر، الذي مارسته داعش تفوقت فيه على اي قوة اخرى استخدمت هذا الاسلوب، كسلاح في المعركة.
ان ما قامت وتقوم به داعش لهو نظام منسجم تماما مع المنهج الذي ينادون فيه ويعملون على نشره. لذلك يصبح من الصعب جدا الوقوف بوجه هذا المعتقد او الفكر بدون التصدي الحقيقي لهذا المنهج الذي يؤمنون به. يجب ان ينتهي ويُجتث هذا المنهج اللانساني الذي يأبى ان ينظر للنساء كبشر، والى كرامتهن وحرمة اجسادهن، وحياتهن، بل يصر على استخدامهن كوسائل وادوات يضربون به خصومهم.