حمايتان: حماية الشعب من الاحتلال، وحماية النساء من الظلم المجتمعي



مها التميمي
2016 / 1 / 1


مرت خمس سنوات على مصادقة الرئيس ابو مازن على الاتفاقية الدولية لالغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة ( سيداو). المصادقة التي استبشرنا بها خيرا ابقت وضع المرأة الفسطينية على حاله ، بل ازداد تفاقما . مع ان الاتفاقية تنص صراحة على :( تتعهد الدول المصادقة وفقا للمادة الثانية على : تجسيد مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في دساتيرها الوطنية أو تشريعاتها الاخرى ، اذا لم يكن هذا المبدأ قد أدمج بها حتى الآن ، والتأكد من ترجمته الى واقع من خلال القانون والوسائل المناسبة الاخرى ، كما تتخذ الدول الاطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة ، خاصة الامور المتعلقة بالزواج والعلاقات الاسرية على أساس تساوي المرأة مع الرجل).
مبدأ المساواة بين الرجال والنساء في المجتمع الفلسطيني نص عليه النظام الاساسي للسلطة الوطنية الصادر في حزيران 2006 في مادته التاسعة ويقول :
" الفلسطينيون أمام القانون والقضاء سواء لاتمييز بينهم بسبب العرق، أو الجنس، أو اللون ،أو الدين، أو الرأي السياسي أو الإعاقة "
كما نصت وثيقة اعلان الاستقلال في عام 1988 " ان دولة فلسطين هي للفلسطينين اينما كانوا يطورون هويتهم الوطنية والثقافية ، ويتمتعون بالمساواة الكاملة في الحقوق تصان فيها معتقداتهم الدينية والسياسية وكرامتهم الانسانية ، في ظل نظام برلماني يقوم على أساس حرية الراي وحرية تكوين الاحزاب ، ورعاية الاغلبية حقوق الاقلية ، وعلى العدل الاجتماعي والمساواة ، وعدم التمييز في الحقوق العامة على أساس العرق أو الدين أو اللون أو بين الرجل والمرأة ". ونصت برامج واستراتيجيات التنظيمات الاساسية في منظمة التحرير على المساواة كمادة اساسية لا لبس فيها.
ان مبدأ المساواة بين الرجال والنساء موجود في الوثائق الفلسطينية منذ زمن ولم يقتصر فقط على اعتماد اتفاقية سيداو. فلماذا لم تطبق السلطة الوطنية هذا المبدأ في قوانينها وأنظمها الداخلية؟ سؤال اشكالي كبير يحتاج الى معالجة موضوعية. يعتقد أن مصادقة السلطة راهنا وفي ظل التحولات الرجعية ونفوذ الفكر المحافظ جاء من قبيل مسايرة الغرب الليبرالي الذي يدعم موازنتها سنويا واستجابة للضغوط الخارجية.لكنها في الوقت نفسه، وضعت تحفظات كبيرة مست جوهر المساواة وقد فاقت في تحفظاتها على اتفاقية سيداو أكثر الانظمة العربية تزمتا. هل تحاول السلطة استرضاء دول عربية محافظة او لا ترغب في الخروج عن الفكر العربي المحافظ السائد ؟ وهل تأخذ بالاعتبار التوازن المجتمعي الداخلي التي تحرص السلطة الوطنية على التعايش معه واسترضائه ولا تريد ان تخسرنفوذها الشعبي. من المعروف ان البنى المحافظة والرجعية تعتبر قضية تحرر المرأة بمثابة مقتل لركائزها في المجتمع، لذا فهي تقاومه بكافة الاشكال. ولنتذكر تجربة البرلمان الصوري الذي حاول طرح قضايا من منظور تحرري، وكيف رد ت القوى المحافظة والرجعية على الافكار التحررية وأصحابها من النساء والرجال، مستخدمة كافة الاساليب بما فيها التكفير والترهيب الذي طال منظمات ومجموعات نسوية لمجرد طرح افكار تحررية .
إن الخطاب المزدوج والالتفاف حول قضايا النساء والتهاون في تأمين حمايتهن من العنف والتمييز هو السائد في سلوك السلطة. ويتجلى هذا الخطاب بسوق ذرائع لعدم اقرار قوانين تضمن حقوق النساء في المجتمع الفلسطيني. منها حالة المجلس التشريعي المعني بمناقشة القوانين الذي فقد دوره بسبب حالة الانقسام والتشرذم الذي يعيشها الشعب الفلسطيني ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة ، وهنا يمكن القول هل توقفت حياة الفلسطينين في الضفة وقطاع بسبب هذا الانقسام الذي بات واقعا مريرا تحرص قوى الاسلام السياسي على ابقائه ؟ ولماذا لا تستخدم سلطات الرئيس في التشريع في كل ما يتعلق بإزالة التمييز ضد النساء – ما عدا - تجميد النص الذي يخفف حكم جريمة القتل على خلفية جرائم قتل النساء-.
هل توقفت الانتهاكات التي ترتكب بحق النساء في المجتمع الفلسطيني ام ازدادت ؟ والواقع يقول لنا انها ازدادت بشكل كبير وواضح ، ترى هل توقف اقرار القوانين الخاصة بالضرائب في ظل هذا الانقسام؟ او توقف اي قرار يتعلق بالاستثمار مثلا في ظل تعطل المجلس التشريعي ؟
هناك انفصال بين الالتزام المبدئي والنظري من جهة، وبين الجانب العملي التطبيقي من الجهة الاخرى في موضوع المساواة بين النساء والرجال في المجتمع الفلسطيني .
لقد دلت قضية مقتل اية برادعية والظروف المرافقة لهذه القضية انه يمكن بالضغط الجماهيري والاعلامي انتزاع بعض الحقوق هنا وهناك ، لكن ما هو مؤكد أنه لم يعد ممكنا الاستمرار الاخذ بنفايات القوانين المخزية التي بطل مفعولها في بلدان المنشأ وبقيت سارية المفعول عندنا بعد التوقيع على سيداو. لابد من سن قوانين عصرية منسجمة مع متطلبات الوضع الفلسطيني الراهن . بمعنى ترجمة سياداو الى قوانين ونظم وتعليمات تطبق في كافة المجالات.
ومن اهم الذرائع التي تسوقها السلطة التنفيذية في بقاء الامور على حالها هو الصراع مع اسياسة تعميق الاحتلال وتقويض مقومات الدولة . وعندما نكون في خضم معركة وطنية كبرى فإن كل الجهود والامكانيات توظف في مواجهة الخطر الداهم. هذا الاعتقاد غير مقنع. فلا يوجد اي تناقض بين خوضنا للمعركة السياسية وبين تفعيل وتنشيط نصف المجتمع (النساء) عبر إزالة القيود التي تجعله غير فاعل. ويؤدي تعزيز عوامل الثقة بين السلطة السياسية وقطاعات واسعة من النساء والشابات منهن على وجه الخصوص الى تحصين المجتمع عندما يتم نقل نصف المجتمع من التهميش والاقصاء والاضطهاد ، الى موقع الشريك الحر الفاعل في المعركة الوطنية. التحرر من الاحتلال والصمود امام الضغوط يصنعها المجتمع الحر رجالا ونساءا على حد سواء. فالحرية لا يصنعها إلا الأحرار والحرات.
والعكس صحيح، فعندما يتعرض المجتمع لعنف الاحتلال وفي الوقت نفسه تتعرض النساء لعنف الرجال والسلطة الذكورية وللاهانة والاضطهاد والحط من كرامتهن، تكون النتيجة ضعف المواجهة وضعف الصمود.
كيف يمكن لامهات وزوجات الاسرى واخواتهن تحمل هذا العبء الانساني وهن يعانين الامرين من قبل المجتمع، يعانين من افكاره البالية وقيمه التي تتعامل معهن باعتبارهن مواطنات من الدرجة الثانية او الثالثة حسب وضعهن الاقتصادي .
ان العنف الاحتلالي يزيد من العنف الاسري الداخلي وبالعكس فإن العنف المجتمعي ضد النساء يفاقم من عنف الاحتلال. وكما طلبت السلطة الوطنية من الامم المتحدة تأمين الحماية الدولية للشعب الفلسطيني لدرء خطر الاحتلال، نطالب نحن النساء الفلسطينات الرازحات تحت وطاة قوانين ظالمة ومجحفة بحقنا في الحماية القانونية وبإزاحة تلك القوانين المتعفنة.