الإسلام والمرأة المعاصرة



صاحب الربيعي
2005 / 11 / 8

تحتكم جميع الديانات منذ الأزل لمنظومة قيم الخير والشر لإعادة تنظيم العلاقات بين أفراد المجتمع بعقد اجتماعي تصادق عليه منظومة السماء التي تفرض عقابها على الخارجين عن بنوده في الدنيا وبعقاب أشد في الآخرة. هذا الردع اللاهوتي حجم النزعات الشريرة الكامنة في ذات الإنسان، فهناك العديد من البشر لاتردعهم عقوبات القانون الوضعي.
ويخشون أكثر من عقوبات السماء التي هي جزءً من بناءهم الروحي، فالأديان يمكن اعتبارها ثورات متتالية للحد من النوازع الشريرة للبشر. فكلما قل وهجها وتأثيرها على البشر بحكم الزمن، كلما أصبحت الحاجة لقيام ثورة دينية جديدة تتواءم وعوامل التغيرات الزمنية.
عموماً لم تنتفِ حاجة البشر للبناء الروحي الذي يعتبر أحد أركانه الدين للجوء إليه عندما تتعطل سُبل الإدراك لمجريات الحياة أو العجز عن تفسير الظواهر الطبيعية والكونية. وبما أن الأديان كمنظومات فكرية ساهمت (إلى حد ما) في بناء الحضارات الغابرة ومازال تأثيرها ماثل في العديد من المجتمعات بالرغم من تعارض بعض نصوصها مع الواقع المعاصر، لذا لا يجوز (وفقاً للمنظور الديمقراطي المعاصر!) إلغاءها أو مهاجمتها كمنظومة متكاملة يؤمن بها الملايين من البشر. ولايتعارض ذلك مع حرية مناقشة نصوصها المتعارضة مع الواقع المعاصر أو المطالبة بتعطيلها لتتواءم والمصلحة العامة، لأنها بالأساس تهدف لتحقيق مصالح البشر.
كما يتوجب عدم التعاطي مع المنظومات الفكرية للديانات بآليات الواقع المعاصر واعتبارها متخلفة ولاتمت بصلة للواقع، خاصة أنها تحشد وراءها من المؤيدين ما يفوق المنظومات الفكرية المعاصرة.
يقول ((أدونيس))"لايجوز اتهام فكرة بحد ذاتها بأنها متخلفة، هناك من يتهم الإسلام بوصفه إسلاماً بأنه أساس التخلف. حسناً هذا الإسلام بوصفه إسلاماً، كان في عهد المأمون وسيلة للتقدم، إذاً أنا أكثر ميلاً إلى القول أن تأويل النص هو مفتاح الفهم.....الدين يجب أن يكون تابعاً للعقل وليس العكس".
ولو تم النظر في الاتهامات الموجهة للإسلام باعتباره ديناً متخلفاً! بنظرته إلى المرأة المعاصرة بعد مرور 1400 سنة على قيامه. هل من الإنصاف التعريض بكامل منظومته بآليات الواقع المعاصر، خاصة أنه مازال يحشد وراءه الملايين من البشر أم يتوجب مناقشة بعض نصوصه المتعارضة مع الواقع المعاصر من أجل تعطيلها انسجاماً مع موقف العديد من فضلاء الدين المتنورين؟.
الدين الإسلامي في حينه كان ثورة إصلاحية كبيرة في مجتمع بدوي ينهل من قيمه البالية في اعتبار زوجات الأب والبنات جزءً من الميراث، يتصرف بهن الابن كما يشاء! وكان وئد النساء مشاعاً باعتبارهن عاراً على القبيلة، فجاء الإسلام ليضع حداً لتلك الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان!.
ألم يكن الإسلام ثورة حقيقية على واقع متخلف، أقر بحقوق المرأة في حينه وأصبحت تطالب بحقها في الزواج علناً من مرشد الدعوة النبي محمد (ص) وأمام حشد من المصلحين في المسجد. وكان لأم سلمى وعائشة....أدوار كبيرة في نشر الدعوة والاحتكام إلى القواعد الشرعية في الحرب والسلام.
"يحكى أنه في عهد الخلفية الثاني ((عمر بن الخطاب-رض)) رفعت قضية امرأة مارست الزنى فأمر الخليفة برجمها، لكن علياً (ع) قال له: لعل بها عذراً، ثم سألها ما حملك على ما فعلت؟ قالت: كان لي خليط وفيء إبله ماء ولبن، ولم يكنَ في إبلي ماء ولبن وظمئت واستسقيته فأبى أن يسقني حتى أعطيه نفسي. فأبيت عليه ثلاثاً، فلما ظننت نفسي ستخرج أعطيته الذي أراد، فسقاني. قال علي (ع): الله أكبر، فمن أضطر غير باغ ٍ فلا إثم عليه. إن الله غفور رحيم".
يلعب الإرث التاريخي من قيم وعادات متوارثة دوراً أكبراً من الدين في حياة الشعوب المتخلفة بالرغم من أن الإسلام أنهى عنها، لكنها مازالت معتمدة لوقتنا الراهن خاصة المتعلق منها باضطهاد النساء.
إن رجال الدعوة الأوائل في الإسلام كانوا أكثر إنصافاً للمرأة من غيرهم، فبعد استئثار بني أمية بالسلطة (والذين كانوا أشد المعارضين للثورة الإسلامية التي أطاحت بقيمهم البالية) وقيام الدولة الأموية أسدلوا الستار على توجهات رجال الدعوة الأوائل وأعادوا الاعتبار لقيمهم البالية خاصة المتعلقة منها باضطهاد المرأة وطمسوا جميع المكتسبات التي حققتها في حينه وزوروا سجلات التاريخ بنصوص وأقوال كاذبة عن رجال الدعوة الأوائل لفرض توجهاتهم القبيلة!. فأصبحت المرأة سلعة تباع وتشترى كجارية، تجيد الرقص والغناء في قصور ملوك الدولة الإسلامية.
يحث ((الأمام جعفر الصادق-ع)) المسلمين قائلاً:"أتقو الله في الضعيفين اليتم والنساء".
وخالف الإسلام النظرة الدونية للمرأة التي سبقت الإسلام باعتبارها عورة يتوجب وئدها عند الولادة للتتجنب القبيلة ما قد يلحق بها من عار مستقبلاً.....إن هذا القتل (الظني!) وغير الإنساني يحمل في جوهره نقيض امتلاك الجواري ووراثة نساء الأب والاقتران غير المحدد بالزوجات وكذلك قيم النهي عن بنات العم.....فجاء الإسلام ليضع حداً لتلك الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان في العيش الكريم والاعتراف بالمرأة ككيان إنساني يشارك في مهام الحرب والدعوة. إن صح اعتماد قياس الآليات المعاصرة لتقييم الإسلام في حينه، يمكن اعتباره ثورة حقيقية على القيم الاجتماعية السائدة!.
يقول ((الأمام جعفر الصادق-ع))"إن البنات حسنات والبنون نعم، الحسنات يثاب عليها والنعم مسؤول عنها".
السؤال الذي يطرح نفسه، هل تتعارض بعض مبادئ الإسلام مع موجبات الحياة المعاصرة؟ الجواب نعم، والحل لايكمن برفض الإسلام كفكرة لأنها موجودة ويؤمن بها الملايين من البشر وأنما يتوجب العمل على تعطيل (أو تأويل) النص ليتواءم وموجبات الحياة المعاصرة خاصة بشأن حقوق المرأة.
كما يتوجب الإشارة إلى أن الحاجة أصبحت متزايدة لتعزيز النظام الروحي لكثير من البشر بعد أن عمدت النظريات المعاصرة على تدمير نظامهم الروحي الذي يحتكم لمنظومة قيم الخير والشر فليس بوسع القانون الوضعي الحد من الجرائم والانتهاكات اليومية لحقوق الأفراد في المجتمع دون أن يكون هناك رادعاً ذاتياً عند الإنسان لاحترام حقوق الآخرين.
وهذا الرادع المسمى (ضميراً) ينهل قيمه وتوجهاته العامة من منظومة قيم الخير والشر التي يحتكم لها الدين......وإذا ما استخدمت في إطارها الصحيح فإنها تكون عاملاً مساعداً في تعزيز سلطة القانون في المجتمع.
إن توجهات الأنظمة الليبرالية في العالم تدعو لحرية اعتناق الأديان وممارسات الشعائر الدينية وتقدم المساعدات المالية لبناء دور العبادة في دولها، لتعزيز النظام الروحي الرادع عند البشر مشترطةً فصل الدين عن الدولة.
لذا يتوجب التفريق بين الدين كفكرة يؤمن بها الملايين من البشر وبين تعارض بعض نصوصه مع موجبات العالم المعاصرة، فباب الاجتهاد عند بعض المذاهب الدينية في الإسلام يعد مخرجاً صالحاً لتعطيل أو تعديل أو مناقشة......لبعض النصوص المتعارضة مع موجبات العالم المعاصرة بغية إيجاد نوع من التوافق الاجتماعي بين الدين كنظام روحي يعزز بناء منظومة الروح الذاتية للإنسان، والنظام السياسي المعاصر الذي يهتم بالشؤون الحياتية للإنسان المعاصر.