(فاطمة المرنيسي ، العقل الذي لايغيب)



بلقيس حميد حسن
2016 / 2 / 6


ابتدأت معرفتي بالباحثة والمفكرة الراحلة فاطمة المرنيسي منذ أول كتاب قرأته لها في تسعينيات القرن الماضي وهو "الحريم السياسي، النبي والنساء"، فقد أعجبت بعمق وبدقة بحث هذه السيدة وصبرها للوصول الى الحقيقة وجرأتها في الطرح وتجاوز ما يسمونها بالخطوط الحمراء التي وضعتها أسوار المجتمعات الغارقة في وهم العصور الأولى..
كنت مأخوذة بالكتاب وأفكار الراحلة، أستشهدُ  بمضمونه وأقوال هذه المفكرة التي فتحت عقولنا على أبواب جديدة للحرية ما كنا فتحناها سابقا، نحن النساء التائقات دوما للانعتاق الأبدي ..
يومها اكتشفت عقلا عظيما قادرا على المحاججة والإقناع، وبطريقة جذابة تأخذنا الى حياة الكاتبة وكأننا نناقشها، نذهب معها ببحث فيه بعض روايةٍ وسيرة حياة، نجد أنفسنا نذهب معها الى السوق نناقش السمّان في الرباط،  ونناقش رجل الدين، ونرد عليهم بما في كتبها من قدرة هائلة على التأثير ..
نقلت شغفي بما في الكتاب الى صديقاتي فتلقفن الكتاب من يد لأخرى حتى طار من هولندا الى السويد ثم الى لندن وبعد رحلة عامٍ عاد إلي وقد اهترأ غلافه, وأتعبه الترحال بين الأيدي المقهورة الظامئة للحياة, الطامحة لشق أحجبة التخلف الزائفة صوب النور..
ثم توالت قراءاتي لكتبها الممتعة والبحث عنها فنهلت من فكرها الكثير وانحلت عقدة قهري الشرقي أكثر فأكثر متتبعة خطوات الراحلة بالبحث والتنقيب في المكتبات، محاولة الوقوف على ذات الطريق الحق والوعر الذي سارت عليه بفخر.. 
لم تكن قضية المرأة عابرة في نضال فاطمة المرنيسي الفكري والحياتي، إنما وظفت الراحلة أغلب بحوثها للوصول لحقائق كثيرة هدفها الرئيس فكرة ٌ مفادها أهمية دور المرأة في النهوض بالمجتمعات البشرية  وبناء أخلاق أبنائها، وتربيتهم بما يحفزهم على الابداع والاكتشاف والعطاء ويؤسس لحضارة تلك المجتمعات وتوجيهها لاكتشاف جسد الإنسان وطاقاته أولا، ثم معرفة الطبيعة للتناغم معها بكل ما يكتنفها من غموض وأسرار تنطوي على أخطار وشرور حتى بلوغ درجة يرتقي بها الإنسان الى صفة البشرية الحقة غير الممزقة بين عقول جاهلة طامعة بركوب الطبقية واستعباد الآخر دون اهتمام بما يحصل من هزائم وضحايا كثر يتساقطون في هوة تمزيق النسيج الاجتماعي الذي يقسمهم الى أغنياء وفقراء لتكون المرأة أولى الضحايا في سلم الانهيار نتيجة هذا الانقسام الظالم..
لقد شنت المرنيسي بكتبها وأفكارها حرباً فكرية عاقلة ً لانتشال مجتمعاتنا الغارقة بالظلم من خلال تأكيدها ودراساتها للوصول الى عقول فئات كثيرة من أبناء مجتمعنا بعد أن أغلق التراث الإسلامي - المنقول لنا بارتباك وعدم أمانة أو المزيف غالبا - كل كوّات الحقيقة، إنها بكل ما كتبته،  وبشجاعة كانت تزيح قشرة التخلف التي لفت ذلك التراث خاصة بنظرته للمرأة عبر رجال دين كانوا حَمَلة فكرٍ غير أمينين ولا حريصين على تطوير مجتمعاتنا الاسلامية مما أضاعوها عن طريق تسييس الدين وزجه بكل جوانب الحياة خدمة لأطماع وأهواء بعضهم أو جهلاً تأصل فيهم، وتقرباً من السلطات التي كانت في العديد من بلدان المسلمين تفتك بالعلماء الحقيقيين وترميهم بالزندقة،  والتأريخ شاهد على معاناة، ابن رشد، ومقتل ابن المقفع، والحلاج،  بطرق بشعة لأنهم أرادوا التأكيد على حقيقة وروح الدين لا على مظاهره وطقوسه،  حتى صار الدين الذي جاء بهدف تحرير العقول من عبادة الأوثان والارتقاء بتلك القبائل المتناحرة والغازية لبعضها، الى عبادة رجال الدين وأقوالهم وفتاواهم التي ما أنزل الله بها من سلطان إذ لاسند لها غالبا في الكتاب والسنة.
في  كتاب ( ماوراء الحجاب، الجنس كهندسة اجتماعية) ، أثبتت الراحلة بشرية المرأة وطاقاتها الجسدية والعقلية المطلوبة لبناء العائلة ودور الأم وأهميتها في الأسرة، تلك الطاقة الإيجابية التي انقلبت في عقول بعض رجال الدين الى طاقة مرعبة عبر العصور فما كان منهم إلا  أن عملوا كما يشاؤون لقهرها والسيطرة عليها بشتى الأساليب وأولها إبعادها عن الحياة السياسية وخلق هوة كبيرة بينها وبين الحياة العامة لتتبلد بين حيطان المطبخ وسرير النوم، حيث يقسم عندهم المجتمع الى فئة المنتجين وهم الرجال, وفئة غير منتجة , إنما وظيفتها تحقيق متعة وراحة المنتجين وخدمتهم فقط، والذي يحصل اليوم من جرائم تقوم بها المنظمات الإرهابية مثل داعش باستخدام النساء لمتعة الارهابيين وإذلالهن وسبيهن تحت ذرائع وأحكام شيوخ دين يعيشون في عصور الجهل الأولى، لهو دليل وتطبيق على ما جاء في بعض الكتب الصفراء التي كتبت قبل قرون والتي ما زالت تملأ - مع الأسف - مكتباتنا العربية وتنشر التخلف في عقول شبابنا. هكذا أريد للنساء أن يكن تابعا للرجال، مصادرات العقل، بل شيء للمتعة والوظيفة الطبيعية التي تساويهن بالحيوانات، وتسلبهن حقوقهن الإنسانية، وهذا لعمري ابتعاد عن روح الدين الذي ينادي بالقضاء على الظلم وعدم تفضيل أحد على آخر من بني البشر إلا بما يقدمه من فضائل للمجتمع، كما ترفضه المرأة العصرية التي استطاعت أن تدرس وتتعلم وتعمل بشتى الاختصاصات التي قام بها الرجل، فتفتتح الرائدة فاطمة المرنيسي كتابها (السلطانات المنسيات، نساء رئيسات دولة في الاسلام) بسؤال مهم جداً وهو:
لماذا لم تكن هناك امرأة زعيمة للمسلمين؟
 أو هي حينما تكون زعيمة بعد تحد ونضال يغتالونها مثل بيناظير بوتو، إذ هم يؤمنون بعدم جواز ولاية المرأة وما يتبع هذا الإيمان من تهيئة وترتيب لمنع زعامة المرأة..
لقد دحضت الراحلة المرنيسي في كتابها المعنون ( ماوراء الحجاب، الجنس كهندسة إجتماعية)  ماقاله الغزالي في "إحياء علوم الدين"  حيث ألقى  على المرأة وشخصها كل شرور الدنيا بوصفه المعيب للحضارة على أنها:
 (مجهودٌ يهدف الى احتواء سلطة المرأة الهدامة والكاسحة) ..فتتحول الحضارة التي هي جهد المجتمعات من أجل الاستقرار والرفاه،  الى رعبٍ وخوفٍ وتدبير احترازي لا غير لاتقاء شر رهيب اسمه المرأة، وينسى الغزالي أن المرأة هي الأم التي لولاها ما استوت حياة على الأرض..
لقد وقفت فقيدتنا فاطمة المرنيسي -وهي من الرائدات في الدفاع عن المرأة في عالمنا العربي -  بجرأة  واقتدار بكل بحوثها واستنتاجاتها طوال حياتها ضد كل أشكال الأفكار التي وظفت مقولة الغزالي  في العقل العربي عبر العصور حيث صورت مجتمعاتنا العربية المرأة على أنها، ( عيشة القنديشة) التي تفتك  شرورها بالبشر وخاصة الرجال إن تُركت دون لجام.
 لم تطرق فاطمة المرنيسي باب الدفاع عن المرأة بطريقة فجة تدعو الى النفور من كتبها، إنما هي بحثت في تأريخ العلاقات الاجتماعية في عصور سبقت الدين، وقارنت بشخصية المرأة العربية قبل الاسلام وبعده، دون أن تمس بالنصوص المقدسة عند المسلمين، ودون أن تجعل من كتبها صيحة مرفوضة منذ البداية، فكانت ثورتها ثورة عقلٍ هادئة تصل الى الجميع، ولم تلغ المرنيسي أي توجه أو إيمان بعقيدة، إنما أرادت أن تضع الحقائق على طبق واسع أمام الناس دونما عدوانية لجهة ما، ولا نيل من جهة أخرى، ولم يكن اَسلوبها ذاك نفاقا أو التفافاً على ما آمنت به، إنما جاء التزاما بمباديء حقوق الإنسان واحتراما لحرية المرء باختيار العقائد التي يجدها الأفضل والتي يقدسها دون سواها، وهذه ميزة امتازت بها كتب الراحلة المرنيسي حيث استطاعت كسب تقدير الجميع رغم اختلافها معهم وبمجتمع إسلامي بامتياز، فهي قد فصلت بين مفهومين وهما الإسلام السياسي كممارسة للسلطة، والإسلام الروحي كرسالة إنسانية، حسب ما جاء بكتبها فقد حاربت راحلتنا الرائعة المرنيسي النظرة الدونية للمرأة والمتمثلة بكلمة عورة، من أجل استعبادها وتخبئتها كشيء محرز يملكه الرجل كالمال والجواهر والأخشاب والتراب، وبالتالي القضاء التام على دورها الهام سيما هي المربية, والمعلمة الأولى, وهي واهبة الحياة، مما يبقي هذه المجتمعات فقيرة غير قادرة على مسايرة الركب الحضاري الذي يركض بالمجتمعات المتطورة الكترونيا وتقنيا ويبعدها عنا مئات السنين بكل أساليب وأنماط حياتهم الحديثة لنقبع نحن بتقاليد القرون الأولى نحلمُ ونحلم،  دون جدوى ، فلا قدرة لنا على الوصول لتحقيق أي حلم إذ أن السفينة مثقوبة والمسير هالك إن لم يرمم التلف الذي يغرِقُ الجميع، فكانت جرأة المرنيسي ليست  طارئة وإنما إمعانا في الذهاب بعيدا لإنقاذ مجتمعنا باكتشاف الحقائق, ورغم الخطر المحدق بهذه الرحلة استطاعت المرنيسي أن تكتشف أسباب ضعف المرأة المسلمة التي امتدت فترة عبوديتها قرونا إن كانت زوجة أو محظية أو جارية ..
وهنا ونحن نستذكر الراحلة بعد أربعين يوما على غيابها الحاضر عنا، أعترف بحقيقة تأثري بالراحلة حداً جعل مفرداتها تدخل أشعاري وتتلبسني دون علمي فهنا مقطع من قصيدة طويلة لي بعنوان "تهاوين قبل الأوان" في ديواني مخاض مريم عام 1997, أجدني أناقش فيه شعراً  قضية الحريم والحجاب،  حيث  سرت كلمات الراحلة  في دمي فأقول: 
(في غرفة للحريمِ كانَ الحجابُ سميكاً
وكان التنصّتُ رغمَ الحجابِ عظيماً
فادرجَ كل الرجالِ مجالسهم في ثقوبِ الجدار
بُحّت ليال،
 نادت عيون
تلمّست النهدَ غضّاً
فجُنّتْ 
وزادت ثقوب الجدار)...
تؤكد فقيدتنا المرنيسي بكل بحوثها على أن المرأة في المجتمعات الاسلامية،  لم تولدْ ضعيفة لتكون تابعا وعالة على الرجل وعبئا على ذويها،  إلا بعد أن تم تقميطها بقماط التقاليد والتعاليم الفقهية التي تمسخها وتشوه أداءها في الحياة، والراحلة محقة في ذلك فالشريعة قانون،  والقانون من المفترض أن يُستمد ويؤخذ من حركة المجتمع وعلاقاته نفسها، ليلبي حاجات ذلك المجتمع ويحل مشاكله, وإلا تحول الى عنف وفوضى, من هنا كان الجدل كبيرا بخصوص حقوق النساء وما كان من خدع ومؤامرات تشتعل في البيوت متعددة الزوجات كما نقل لنا التأريخ والواقع المعاش في شرقنا المسلم وما أكدت عليه الراحلة بكتبها من معاناة وهموم ظاهرة وباطنة منذ زمن الدعوة الإسلامية حتى يومنا هذا،  فكيف اليوم بمجتمع التطور التقني والالكتروني المتسارع ونحن ننوء بثقل مخلفات ذلك التراث الآتي من مجتمعات صحراوية بسيطة؟
 وأعود هنا لأتذكر ماكتبته أنا شعراً عام 1997 تماهيا أو ربما ترادف خواطر مع الراحلة التي عشقت عقلها وحرفها بخصوص الحديث عن عائشة زوج الرسول التي أثارت جدلا ونزاعات كثيرة في الإسلام استمر تأثيرها على عقول المسلمين وعلاقاتهم حتى يومنا هذا، مما يجعل المرء يعجب بشخصية تلك الشابة التي بدأت حياتها مع النبي طفلة،  وكيف استطاعت لاحقا إدارة شؤونها وشؤون ذلك البيت والقبيلة والمجتمع والزوج الذي غيّر عقول العرب وأمما أخرى ونمط حيواتهم تحت لواء الدين  :  
(حميراء أنتِ
أزحتِ الستائرَ عن هَوَسٍ وجنون
وأغلقتِ باباً على سرِ ماضٍ رهيب
فلولاكِ
ماكان إلا المقدس
والصوم، 
والبلل اللامحببْ.).
إن مقارنة المرنيسي ما جاء به عالم النفس (فرويد) في الغرب وما جاء به (الغزالي) وغيره من علماء المسلمين في الشرق كان تنبيهاً لمجتمعاتنا الإسلامية بأهمية علم النفس في تنظيم الحياة المدنية واستنباط الحلول من خلال الخوض في وجع النفس البشرية الغامضة والمعقدة والمخبأة بإطار الجسد الهائل في التعقيد والاختلاف كما يقول الإمام علي بن ابي طالب:
وتحسبُ أنكَ جرمٌ صغير ... وفيكَ انطوى العالمُ الأكبرُ
 فلم يتوقف رجال الدين عند الأثر النفسي المترتب على معانات وتهميش وإذلال النصف الهام في مجتمعاتنا وهو ( النساء), والذي يقع على عاتقه تنشئة الأجيال الجديدة وتشذيب أظفارهم نحو بناء مجتمع مدني حضاري يبتعد عن الظلم والقهر ليستطيع السير في الركب الكوني، بل استسهلوا فكرة اختراق الشيطان لتلك الأجساد المتألمة الأرواح والمنحوسة الحظ أو دخول الجن فيها, فلم يفكر تراثنا يوما، ولم يهتم أو يعترف بمعنى وماهية ووجود الأمراض النفسية  التي يمكن أن تلحق بأية فئة مظلومة وجعا يغير واقع الحال ويقلب الموازين بسبب تأثيرات تلك الأمراض على سلوك المصابين بها وعلى محيطهم وعلاقاتهم مخربة فطرة الحياة وتلقائيتها وصابغة حياة الناس بالوساوس والقلق والأوهام والشكوك الموصلة الى صراعات داخلية تبتديء بأصغر خلايا المجتمع وهي العائلة الى حيث العلاقات العامة التي تنظم حياة الناس وتتحكم بهم،  فالظلم يولد الظلم وهكذا استولت مقولة (المرأة العربية نكدية) على عقول الغالبية من أبناء مجتمعنا الذي عانى أبناؤه أصلا من الهزائم السياسية والاحتلالات التي خلفت لدى البعض عقدة الخواجة, لتظلم المرأة مرات ومرات فهي الضحية التي  تدخل في معارك نفسية مع ما يسلط عليها من سياط الظلم، بذات الوقت الذي  تجبره بها طبيعتها الفسلجية على منح روحها بكل روعتها لتكون حبيبة وأماً تحمل الحياة بين جنبيها وتخشى عليها من كل شيء لتضحي في سبيلها وهكذا تتوالد  تضحياتها خلال سني عمرها ويطلب منها أكثر ما تتحمله تلك النفسية المرهقة بأحكام وفتاوى ظالمة كاستمرارٍ لمجتمع القبيلة والبداوة..
فما بين عالم النفس " سيجموند فرويد " وأي رجل دين اسلامي، فرق شاسع في النظر لوقع الأحكام على النفوس، إذ يضع علم النفس الاصبع على الجرح لإيجاد الحلول، وهذا مظهر مدني وحضاري فيه حرص على حياة الانسان وخوفٌ على فقدان طاقاته الفردية التي تساهم في بناء النهضة في المجتمعات حتى أنها اعتبرت أن الخروج عن النظام الاجتماعي وارتكاب جريمة ما, مرض دوافعه نفسية. كما قال "جاروفالو" في مؤلفه الصادر عام 1885 أن الجريمة ترتكب نتيجة خلل عضوي ونفسي لدى المجرم, وأضاف تأثير العوامل الخارجية المحيطة بالفرد, وعليه لابد من أسباب تقديرية لتخفيف العقوبات تنبع من دراسة نفسية اجتماعية للدوافع التي تسببت في وضع ذلك الفرد في طريق الجريمة، بينما الأحكام التي تتمثل في عقوبات الفتاوى خاصة في السنوات الأخيرة حيث تطلق حسب أهواء رجال الدين ومصالحهم , ماهي إلا إمعانٌ بالقهر والعنف غالبا وإطلاق أحكام قاسية كالجلد والرجم حتى الموت مثلا, دون اهتمام بحق الإنسان في الحياة والبحث عن دوافعه، بل وثوباً على عرش الإله واغتصابه لمعاقبة من يرونه مذنباً حسب عقولهم التي قيدتها كتب التراث الديني المزيفة غالبا، وهنا تبدأ خريطة الجريمة تتسع فيتضعضع الأساس الاجتماعي، وتنهار قيم كثيرة كانت تسنده ليستمر..
لقد كانت ثمرة ما قدمته الراحلة لنا من بحوث هو تأثيرها على قارئيها من الطبقة المثقفة حتى تعالت الأصوات النسوية التي تتمثل درب المرنيسي وبقية الرائدات أمثال المناضلة نوال سعداوي لتعي المرأة العربية دورها في الحياة،  وازداد عدد الرافضات لحياة الخنوع، قياسا بما قبل ثلاثين عاما وإن كانت تلك النخبة قليلة أمام هجمة الحملة المتعصبة التي تتبنى الاسلام السياسي و تجتاح عقول الشباب في عالمنا وتفتك بجهود المناضلين من الرعيل الأول ولو الى حين.
هذه الكلمة البسيطة ليست رثاء للمفكرة الراحلة المرنيسي, إنما تذكرة بعلو أفكارها وكبر جهدها الذي بذلته في سبيلنا جميعاً, فكم نحتاجها في زماننا هذا حيث تتكالب علينا أئمة الإرهاب, مقنعين بالدين ضد عدالة القوانين الحديثة التي تقرها أكبر منظومة فكرية بالعالم وتعتمد عليها جل المجتمعات العصرية التي سبقتنا بالتطور والمدنية..
فقيدتنا الحاضرة بهيبة عطائها "فاطمة المرنيسي" لا تُرثى لأنها خالدة في العقول أبداً...
* نشر المقال في كتاب صدر حديثا في اربعينية الراحلة فاطمة المرنيسي بعنوان " شهرزاد المغربية"