الكاتب العراقي وقضية التمييز الجندري 13 نساء في مهب الريح



نادية فارس
2005 / 11 / 13


إنّ َ ظاهرة َ التمييز الجندري ضد ّ النساء ليست حكرا ً على مجتمع ٍ دون غيره .. لكنّ هذا العرض سيتناول ُ كيفية َ تعامل ِ الكتاب والأدباء العراقيين مع المرأة حصرا ً لعدة أسباب , منها:

أولاً: إنتشارُ الكثير من الكتابات بسبب التطورات التكنولوجية وسهولة النشر عن طريق الانترنت واستخدام وسائل لاتتطلب الوقت الكثير للمراجعة واعتماد التحليل السياسي للخلفية الفكرية لما يُكتب ُ وما يُنشر , مما سهّل َ تمرير ُ الكثير من المفاهيم الخاطئة.

ثانيا ً: كيفية ُ التعامل مع موضوع المرأة ِ العراقية كقضية ٍٍ تُشكّل ُ ضغوطا ً على المؤسساتية الدينية والسياسية في العراق , مما أدى الى استخدام قضية الجندر استخداما ً سيئا ً بطرق مقصودة ٍ أو غير مقصودة.

ثالثاً: بعض ُ الكتاب والشعراء لايميزون عمليا ً بين المتوارث من النظرة الدونية للمرأة والقوالب التقليدية الموضوعة فيها , وبين قناعاتهم بضرورات احترام المرأة كعنصر ٍ مشارك في بناء المجتمع وكشريك مساو ٍ في عملية الخلق والأبداع.

رابعاً : نقص ُ التحليل السياسي لقضية الجندر كقضية يجب إشباعها نظرياً وتطبيقيا ..من أجل وضوح الأجندة المطروحة من قبل ِ الأحزاب التي تٌعلن ُ أهليتها لقيادة عمليات ِ التحولات السياسية والأجتماعية.



بدءاً, لاجود َ لكلمة الجندرGENDER في اللغة ِ العربية , كما هو الحال مع مفهوم الفمنزم FEMINISM , فهي كلمات ومفاهيم مواكبة ومرافقة لعملية الأعتراف بالمساواة بين البشر على أساس إنسانيتهم وبغض النظر عن الهوية الجنسية للفرد . فالمرأة ُ كائن ٌ مساو ٍ للرجل ولها من الحقوق ماللرجل رغم اختلاف جنسيهما. إما عملية ُ القوالب الموضوعة فيها المرأة ككائن ضعيف , لايمتلك القدرات العقلية الخلاّقة المبدعة, والمثير للسخرية, والمجلبة للعار فهي نتاج التمييز الجندري ضد ّ المرأة عبر قرون طويلة من التكلّس ِ الفكري والتكاسل عن استنباط مفاهيم بديلة للوصول الى موازنة اجتماعية ٍ تكفل ُ الرُّقي بالمجتمع, كما إنها تُمثل ُ هيمنة َ العقلية الذكورية المُحرّكة لميكانيكية ِ توازن القوى السياسية والأجتماعية أو عدم توازنها على الأصح.



كما إن ّ عملية توازن القوى الأجتماعية تخضع ُ الى ممارسات ٍ وتطبيقات تبدأُ من الأسرة وتنتهي عند السطات القضائية والتشريعية مرورا ً بالخطاب الأدبي والسياسي وهذا مايُهمنا في هذه العُجالة . فالكثير ُ من النصوص الأدبية كانت ولاتزال محرّكا ً أساسيا ً في عملية التحولات الأجتماعية والنهوض بمستوى المرأة العراقية , وتحريرها من القوالب الموروثة ورفع الصدأ عن المفاهيم المُميزة ضد ٌ المرأة .. حيث ُ قاد الشاعر العراقي جميل صدقي الزهاوي حملته منذ عام 1910 معلنا ً حقّ المرأة بالتحرر من القيود البالية المفروضة عليها , . وهو القائل:

مزّقي ياابنة َ العراق ِ الحجابا واسفري فالحياةُ تبغي انقلابا

مزقيه واحرقيه بلا ريث فقد كان حارسا ً كذابا

يُمكن اعتبار ُ الشاعر جميل صدقي الزهاوي بحق أول داعية للمساواة الجندرية في العراق , حيث ُ يشوب خطابه الفهم العميق لملابسات العلاقات والأدوار الجندرية وبتحليل ٍ سياسي نأسف ُ لاضمحلاله في عصرنا الراهن . فالزهاوي انتقد عملية إصابة التنمية الأقتصادية بالشلل من خلال شلّ نصف المجتمع المتمثل بالمرأة , ودعا الى تفعيل دور النساء في عوامل الإنتاج وخروجهن الى العمل من خلال قصيدته التي يقول فيها:

في الغرب حيث كلا الجنسين يشتغل ُ لايفضل المرأة َ المقدامة َ الرجل ُ

كلا القرينين معتز ّ ٌ بصاحبه ِ عليه ِ إن ْ نال َ منه ُ العجز ُ يتكل ُ

وكل ّ ُ جنس ٍ له نقص ٌ بمفرده ِ أما الحياة ُ فبالجنسين تكتمل ُ

أما العراق ُ ففيه ِ الأمر ُ مختلف ٌ فقد ألم ّ َ بنصف ِ الأمة ِ الشلل ُ

وغير ُ هذا , فقد تناول الزهاوي قضايا اضطهاد المرأة على الأصعدة ِ الأجتماعية والدينية بشجاعة وفهم ٍ عميقين رغم إحاطته بكل أنواع العوائق والتداخلات في مجتمع تسيطر ُ عليه , وتسيره العقلية الدينية والعشائرية.. فهو من كتب عن تعدد الزوجات والزواج المرتّب وزواج الأطفال والعصمة في الزواج .



وتوالت أسماء ُ الأدباء العراقيين الذين طالبوا باحترام حق النساء في الحياة كالشاعرة لميعة عباس عمارة والشاعرة بلقيس حميد. فبلغة ٍ رصينة ٍ وتفادٍ للوقوع في شرك ازدواجية الطرح الجدلي لما يتعلق بقضايا الجندر الشائكة أعادت الشاعرتان المبدعتان روح الحركة ِ التي بدأ بها الزهاوي رغم اختلاف الزمن ومسرح الحدث الذي عاشه ُ كل ٌّ منهم .

إلاّ أن الشاعرة بلقيس حميد تبقى الأقرب من بين كل الشعراء والشاعرات الى التحليل السياسي الأكاديمي لقضايا الجندر والمساواة.. ففي قصائدها ترتبط ُ التجربة المحلية للمرأة العراقية ضمن خصوصية المجتمع العراقي بالتجربة العالمية لنساء العالم الأخريات . . قد يكون هذا أحد ُ نتاجات نشأتها ضمن تنظيمات الأحزاب اليسارية التقدمية ومواكبتها للتحليل السياسي وحقوق الانسان والأدبيات المتعلقة مما يؤكد ُ نظرية َ أن المعرفة عامل مهم في انتاج النص ّ الأدبي .

قالت بلقيس حميد:



في غرفة ٍ للحريم

كان الحجاب ُ سميكا ً

وكان التـنصـّت رغم الحجاب ِ عظيما

فأدرج كل الرجالِ ِ مجالسهم

في ثقوب الجدار

بـُحـّت ليالٍ

نادت عيون تلـّمست النهد غضـّا فجـُنت

وزادت ثقوب الجدار

....

جاء الصدى فحيحا ً

لرائحة النوم ِ في سيقانهم

ولون الدما

... 2..

أتت أنثى

مخاضا ً كان كالموت ِ

ووقتا ً مظلما ً

حين التقت عين المولدة ِ بذاك الشيء للمولود

تـَخفي مثلما تسرق

تـَـلعنها بتمتمة ٍ

أتت أنثى....



وبعيدا ً عن قضية ِ المساواة الجندرية وخلفية الصراع , فقد تناول بعض الشعراء والأدباء العراقيون قضايا المرأة ِ من زاوية ٍ وجدانية ٍ وعاطفية وأضفوا عليها صبغة َ الحميمية ِ كعنصر ٍ مُكمّل ٍ للعلاقة الروحية والجسدية



من قصيدة للشاعر نعيم عبد مهلهل:
كيف لك أن تصف خد أمراة ؟
أجعله مصطبة في حانة
أو غلاف كتاب شعر عن موسيقى السمك
أقول لك
أجعله فيلما سينمائيا
مخرجه الصباح
وماكيرهه ضوء النجوم
وحتما ستكون البطلة عشتار
فيما تكون سيمون سينوريه ممثلة ثانوية
وخلف الشباك هناك أورنيلا مينونتي تراقي المشهد
الخد ..وتد
وشفتي المرأة خيمتنا
صحراء التتر هو صدرها
والعنق شارع النهر
هناك سأكتب موسيقى المشاهد
وبها أجعل أنفاسي عاصفة



.ومنهم من تناول العلاقة مع المرأة كعلاقة ٍمع الوطن حيث يتوضح الارتباط السيكولوجي للشاعر بمنابع الأنتماء والعشق والتوحد ومسيرة الألم وفقدان الهوية والمنفى .

من قصيدة مقبرة جماعية للشاعر عدنان الصائغ:



منذُ عشرة أعوام ٍ

تجلس ُ الأم ّ ُ بكامل ِ فجيعتها

على رصيف ِ أعوامها المغبرة

في انتظار ِ عودته ِ من مقبرته الجماعية !

...

كلما مرّ نعش ٌ

أو ظل ّ

تعالى شهيقُها المشروخ

جدرانا ً تساقط ُعن لحمها

وأعواما ً مدفونة هناك



اما الشاعر سعد جاسم فتتوحد ُ في قصيدته ِ عذابات ُ المرأة العراقية بعذابات العرا ق مجزءا ً الى عناصره النبيلة في وصف ٍ لحالة ٍ وجدانية ٍ تربط ُ العشق الشخصي بعشق العراق:



أ ُسمّيك ِ:

كتاب َ العذاب ْ

مخطوطة الذكرى

وسفر َ البلاد ْ

أ ُسمّيك ِ:

المرأة َ – المرآة

الشمعة َ --المِشكاة

و أ ُسمّيك ِ:

نهرَ الوداد ْ.

أ ُسمّيك ِ: البصرة ْ

وأعني : اللعنة َ والفكرة

أ ُسمّيك ِ: بابلْ

وأعني :الجوهر َ والقاتل ْ

أ ُسمّيك ِ: أربيل ْ

وأعني : باب َ الله ِ الى التأويل ْ

أ ُسمّيك ِ: الديوانية

وأعني : الطيبة َ والحريةْ

أ ُسمّيك ِ: الموصل ْ

وأعني: السُنبلة َ الأولى

والموت الأول ْ

أ ُسمّيك ِ: النجف ْ

وأعني : الآيات ِ .. الصحف َ

أ ُسمّيك ِ: الناصرية ْ

وأعني :

الأ ُغنيات ِ

والشاعرية ْ

أ ُسمّيك ِ: كركوك ْ

لاتبقي ْ فزّاعة نفط ٍ

وطوائف َ .. أرجوك ْ

أ ُسمّيك ِ: كر .... بلاء

وأعني : سيدة َ النساء ِ

وأُم َّ الشهداء ْ

و أخاف ُ أن أُسمّيك ِ بغداد ْ

لأنها مطعونة ٌ وطاعنة ٌ

بهذا الخراب



الشاعر ُ عبد الخالق كَيطان, هو الآخر , يؤرخ ُ لمرحلة ٍيرتبط ُ فيها الوطن بعذابات المرأة , ليس كعنصر ٍ مساوٍ , بل كآلام أكثر قداسة:

في الطريق إلى الحياة تزدحم القرى بالعويل
ويقرر الجياع قصتهم الحكيمة
كلما أوغل الخائنون
تقذف الأرض أحمالها
لن يجيئوا ،
سيأتي العذاب عليكم واحداً واحداً
كانت الأحجية قد بدأت
مذ بيعت البنات الصغيرات في الأزقّة والشوارع العريضة
الأمهات من جهتهن
لم يجدن غير الأرصفة وهلم جرا
حدثنا مختل ، قال :
سيعود الرجال إلى البيوت
المرأة ستبيع اللبن وتطعم الصغار ،
صغار المختل في رأسه
فالبلاد
ليس فيها صغار ولاهم يحزنون
البلاد تشيخ والأحجية تمت
لماذا وحدك من ينشغل بالفضيلة ؟
لماذا تطعم السماسرة خوفاً على الضحايا ؟



ومهما تعددت المداخل الى تعامل الأدباء العراقيين مع المرأة العراقية .. فأن ّ لغتهم بقيت محصورة ً ضمن أطر ِ الأبداع التقني الفني واحترام كينونة ِ المرأة كعامل مساو ٍ أو مُكمّل للعلاقة الجندرية , فيما أضفى البعض ُ لغة َ القداسة ِ والأجلال عليها باستنفار ٍ جميل للروح السومرية والبابلية والاشورية في عراق الحضارة .

إن ّ إحدى ركائز ِ رُقي ّ الأدب ِ العراقي هي تعامل الأدباء مع المرأة , فالأمثلة ُ كثيرة ٌ حتى يتعذر ُ حصرُها في هذا المقال , ولكن ّ هذا لايعني أن ّ التطبيق َ في حياة ِكل ّ من قال َ أو يقول هو نفسُ ماقد كُتِب! ومع هذا فأن ّ محصلّة َ الوعي الأنساني لدى الأدباء العراقيين لقضية ٍ مهمّة ٍ كالجندر تعني أنّ الطريق َ سالكة ٌ لتوسيع ِ نطاق دائرة ِ القياديين من أجل ِ النهوض مستوى اللغة المستخدمة.

رغم َ هذا .. فأن بعض َ الظواهر غير السليمة تجد ُ الطريق سهلا ً للنشر غير آبهة ٍ بمردودات ما يتم نشره.ّ فبعض َ الذين يكتبون ويتعاملون مع القضايا شديدة ِ الحساسية في الوضع الراهن, يرسخون النظرة الدونية للمرأة من خلال تقديمهم للشخصيات الكوميدية على أنها من النساء فقط.. أو يرسخون لعوامل التمييز الجندري والطبقي في آن واحد بتقديم صور ساذجة وسمجة للنساء الفقيرات من المناطق الشعبية في العراق واللواتي لاذنب لهن ّ في هذا على الاطلاق.

قد تكون هذه الكتابات مقصودة من أجل الحط ّ من قيمة النساء العراقيات , كما أنها قد لاتكون مقصودة . لكننا سنفترض ُ حسن النوايا ونعزو الأمر الى المتراكم من الموروث التقليدي لصورة المرأة .. حيث يعاملها البعض كبقرة , ويعاملها البعض كتابع مملوك .

اللغة التي يستخدمها هذا البعض قد تنحى منحى ً آخر يتعلق ُ باعتبار المرأة مركزا ً للشرف أو عدمه , فغير ُ المحجبة توضع ُ ضمن صنف الزانيات , والسياسية ضمن صنف العاهرات , والعانس ُ ضمن المشبوهات , والمطلقة ُ ضمن الموبوءات.

هذه الحالات غير الصحية , والتي تخترق ُ عالم الأدب والصحافة , لا يمكن ُ تجاهلها لأنها تؤرخ ُ لجزء من هذه المرحلة , ولذا فمن غير المنطقي التغافل عنها خوصا ً إن كانت غير مقصودة . إن التحول الأجتماعي يستلزم ُ أدبا ً وإعلاما ً يرتقيان بمستوى طرحهما إلى إنسانية ِ الفرد وقيمته العليا.. فحين يُصبح ُ إضحاك ُ القارئ الساذج غاية وهدفا ً .. يفقد ُ الّص ُ قيمته.

وعليه .. فإننا ندعو أخوتنا وأخواتنا ممن يتعاملون مباشرة ً مع قضايا المرأة والمجتمع أن يعودوا الى خلفيات الصراع الجندري ومالذي يجعل التمييز ضد المرأة تمييزا ً جندريا, كي نعمل معا من أجل مجتمع مدني نحلم به جميعا.