عقول خلف القضبان



سمر يزبك
2005 / 11 / 15

رغم أني لست من اللواتي يتنطعن صبحاً وعشية للمناداة بمساواة المرأة بالرجل، بل أسعى لاختلافهما، وأرى في الرجل بعضاً من الأنوثة، وفي المرأة بعضاً من الذكورة: حسب تعريف الناقدة جوليا كريستيفيا، ورغم يقيني أن هذه المقولات صارت بحاجة لإعادة صياغة وترتيب، لكني أرى أن ما تفعله النساء في سوريا هو أمر يستحق الاحترام والإعجاب أيضا، وكانت المفأجاة بالنسبة لي وأنا أتابع الدراما التلفزيونية" خلف القضبان" التي تتعرض بوضوح لاشكالية وعلاقة المثقف بالسلطة- كتبها هاني السعدي واخرجها الليث حجو- هذه المفاجأة كانت في خاتمة شخصية امرأة قوّادة تقوم بتجارة الجسد من خلال تحويلها الفتيات الفقيرات
والمحتاجات الى مومسات، ورغم ما قد يتراءى للبعض من نسبية الأمور في الحياة واحتمالية كل ما هو قائم، ونفي كل ما هو محتمل، فإن الصورة التي انتهت إليها شخصية القوادة تسيئ إلى صورة وواقع المرأة السورية وتشوه صورة الحرية وتعمل على تفعيل التعصب والتزمت وترسخ الأفكار المظلمة، فأن يعرض المسلسل لنهاية المرأة تلك كواحدة من المدافعات عن حرية المرأة وسيدة ناشطة من ناشطات حقوق وحرية المرأة، هو برأيي أمر لايجب السكوت عنه ولا يجب أن ندعه يمر مرور الكرام، وأن يتم بث الأفكار المريبة التي تقول بأن كل فتاة طموحة وعاملة ومتحررة ستكون نهايتها سلعة تجارية تباع وتشترى ونهاية الفتاة الخائفة "التي تمشي الحيط الحيط، وتقول يالله السترة" هي السعادة والاستقرار؛ بيت الزوجية الحلم المنتهي لكل فتاةهو أمر يدخل في باب الاختلاف والحوار وتنوع ضفاف الحياة، وأن يتم عرض هذه الصورة اللأخلاقية للسيدات اللواتي يعملن بدأب وصبر لتحصيل حقوق إنسانية للمرأة ضمن اطار قوانين متخلفة ورجعية خاصة في بلد مثل سورية لم تتم فيه انشاء الجمعيات الأهلية المدنية إلا مؤخراً كانت النساء المدافعات فيه عن حرية وحقوق المرأة يعملن كمجاهدات وسط شرو ط مجحفة على كافة الأصعدة، سواء أمام العادات والتقاليد، أو حتى بين أوساط المثقفين" الغالب منهم" الذين قابلوا أعمال تلك النساء بالسخرية والاستخفاف، ولعل أسماء كثيرة منهم في الحاضر والماضي ما تزال تشهد على تجربتهن: حنان نجمة ، ليلى الجابري، ومؤخراً: مية الرحبي، وكثيرات غيرهن.

تلك الصورة المشينة والتي تدخل من باب التشوية والتشهير والظلامية، تتطلب الأن مطالبة أصحاب هذا المسلسل الدرامي بالاعتذار علانية عما قدم في الحلقة الأخيرة من عرض تلك اللقطات الأخيرة لنهاية القوادة، أو حتى أن تتحرك الجمعيات النسائية والهيئات المهتمة بشوؤن الأسرة والمجتمع للمطالبة بتقديم هذا الاعتذار وذلك ليس من باب التعصب للأفكار ولا حتى المس بحرية الرأي الأخر، ولكن من باب الشرف والأمانة، واحترام الرأي الأخر والقبول به، وعدم استخدام الاعلام المرئي لبث السموم والدعوة الى الماضوية والتي نحن الأن وأكثر من أي وقت مضى بحاجة لمحاربتها لأننا لانحتاج للمزيد من العقول خلف القضبان؟!!