النساء بعد الاربعين في مجتمعنا



علي الزاغيني
2016 / 2 / 18

النساء بعد الأربعين في مجتمعنا
علي الزاغيني
قد يتصور البعض ان المرأة تفقد رونقها وحيويتها بعد تجاوزها العقد الثالث من العمر وهذه النظرة الخاطئة جاءت نتيجة التقاليد الاجتماعية التي تعاني منها المرأة في مجتمعنا الشرقي والتي وضعتها تحت رقابة صارمة ورغم ان هذا الخوف مطلوب ألا انه عندما يتجاوز الحد المسموح يكون أشبه بزنزانة وخصوصا في القرى والأرياف وحتى مراكز بعض المدن .
الزواج يمنح المرأة جزء من أحلامها وليس كل أحلامها كما تتمنى وقد تتوقف أحلام وطموح الكثير منهن بعد الزواج وتبقى بين جدران المنزل وهو هذا ما كانت تطمح إليه , ولكن بالحقيقة ان الزواج قد يكون مخيب لآمال الكثير من النساء بسبب سوء الاختيار وفوارق طبقية واجتماعية وثقافية وحتى التحصيل الدراسي , كل هذه الأسباب وغيرها تجعلها غير سعيدة وقد تتغير حياتها من سعادة الى جحيم وتطلب الانفصال والاستمرار بحياتها بدون قيود الرجل الشرقي وتعقيداته وطلباته التي لا تنتهي وكأنه لا يزال يعيش زمان (سي السيد ).
كلما تقدمت المرأة في العمر نضجت اكثر و زادت خبرتها وأصبح لها شخصية قد تكون مؤثرة في عملها وذات نفوذ اجتماعي ووظيفي وقادرة على مواجهة مصاعب الحياة وطبعا هذه الشخصية تختلف من امرأة لأخرى ومن بيئة لأخرى واعتقد ان المثقفات والموظفات لهن الحرية الشبه مطلقة بالخروج من المنزل وربما أقامة علاقات صداقة خارج حدود العمل وهذا ما يجعلهن أكثر انسجاما وتفاؤل بالحياة حتى الغير متزوجات منهن بعد فقدن فرصة الزواج وأصبح لديهن شخصية مستقلة بعد ان أصبح لكل فرد من عائلتها حياته الخاصة وطبعا الشخصية تختلف من الناحية المجتمعية فالمرأة التي تسكن القرية تضع عليها قيود بسبب التقاليد والأعراف وخصوصا الأرامل والمطلقات بينما في المدينة تكون حريتها أكثر وخصوصا عندما تكون المرأة التي تعتمد على نفسها لإعالة نفسها او عائلتها بعدما لم تجد من يعيلها .
تختلف حياة النساء بعد الأربعين في مجتمعنا فالمتزوجة تختلف عن الأرملة والمطلقة والعانس كما يطلق عليها ولكل منهن لها همومها ومشاكلها وان اختلفت من امرأة الى أخرى وهذا الاختلاف ناتج عن نظرة المجتمع وتعقيداته بعدما فقدت البعض منهن فرصة الزواج او فشلن في الاستمرار بالحياة الزوجية او من سرق الموت أزواجهن فاغلبهن يناضلن من اجل الاستمرار بحياة كريمة تجعلها لا تحتاج الى من يد العون لها لذا اعتمادهن على أنفسهم ضروري بالعمل سواء داخل المنزل وكسب المال او بدوائر الدولة او القطاع الخاص رغم تعرض البعض الى مضايقات او تلميحات بالتحرش بسبب وضعها الاجتماعي وهذه مشكلة كبيرة لا يمكن القضاء عليها بدون قانون صارم يعاقب من يحاول الإساءة .
الانترنت تكنولوجيا حديثة غيرت حياتنا وبكل التأكيد غيرت حياة اغلب النساء بالتواصل العالم وهذا التواصل فتح لهن عالم كان مجهول أو كان مخفي عوض لهن ما قد مضى من حياتهن بتواصلهن مع العالم الخارجي من خلال تصفح المواقع والبحث عن ما يجدن فيه متعة وراحة من هموم الحياة والبعض أتقن هذا الاستخدام وتواصلت مع الجميع بدون قيود والبعض الاخر وقعن ضحية جهل الاستخدام الضروري للنت بسبب الاستخدام الخاطئ , والبعض الاخر لازال قابع في عالم اخر لا شئ يقلقه سوى توفير لقمة العيش والعيش دون تدخل الآخرين في حياتهن .
انا لست كغيري من النساء فانا املك الحرية بالعمل بسبب وضعي ويمكنني بالخروج من البيت متى ما شئت وهذه الحرية لا تحصل عليها الكثير من النساء هذا ما تحدثت به الآنسة (س) تعمل في مكتبة في بغداد والتي تجاوزت العقد الثالث من العمر والتي أجبرتها الظروف على العمل وهي بكل تأكيد قد أسست لحياتها نمط خاص وصقلت شخصيتها وهذا العمل فتح أمامها فرص كثيرة للتعارف والاختلاط بالمجتمع اكثر من كونها ربة بيت ويبقى خروجها من المنزل فقط بالمناسبات الاجتماعية والتسوق , ولكنها بكل تأكيد واثقة من نفسها وتصرفاتها وعلاقتها والتي جعلت منها شخصية مميزة وينظر اليها بكل احترام وتقدير وقدوة لغيرها من النساء .
لو أخذنا من جانب أخر ان كيان المرأة وهي ليست سلعة او دمية تباع او تبدل وانما شخصية مستقلة لا تختلف عن الرجل بشئ ولها من الحقوق وعليها من الواجبات لذا يجب التعامل معها بكل ود واحترام وعدم العبث بمشاعرها وشخصيتها لأنها كتلة من المشاعر والأحاسيس ويمكن ان تقلب الطاولة رأسا على عقب اذا ما جرحت مشاعرها او حاول احد ما ان يتلاعب بها , الزواج ليس ضروري في هذا الزمن رغم ان الكثير من النساء يقدمن تنازلات من اجل الزواج وإرضاء الرجل ولكن بالحقيقة ان سعادة المرأة وحريتها بتحصيلها الدراسي وشهادتها ووظيفتها ولا تتقبل فكرة ان يكون هناك شخص ما يتحكم بها وبحريتها , وهذا بكل تاكيد ليس رأي جميع النساء ولكنه قد يكون رأي الكثير منهن بعد ان وجدن انه لا قيود تفرض بعد ان تخلصن من جميع القيود القديمة التي كانت تتحكم بهن .
من جانب أخر ان العمل في المنزل ليس كما يتصور البعض قيد او تقييد للحرية ولكنه رسالة إنسانية نعمل على إيصالها وتنشئة أبنائنا تربية صحيحة وتوفير كل متطلبات الراحة لأنها هي رسالتنا الحقيقية ونضحي من اجل أتمام هذه الرسالة , السيدة ( ج) أضافت لا يمكن الحكم علينا بأننا مقيدات داخل المنزل ولكن نحن متفرغات لتربية الأبناء وتوفير الأجواء المناسبة أليهم وللزوج وهذا ما نعمل عليه لأنها السعادة التي نبحث عنها .
السيدة ( ر ) انا سيدة منفصلة عن زوجي منذ 10 سنوات وهذا ما جعلني أتحمل المسؤولية كاملة في تربية أولادي والعمل على سعادتهم واجعلهم لا يفقدون السعادة وأكون انا كل شئ في حياتهم بعد ان فقدوا حنان الأب ولم يسال عنهم منذ انفصالنا , بحقيقة الأمر سعيدة جدا بحياتي رغم التعب الا أنني امرأة حرة ووجدت في عائلتي سعادتي وحياتي ولا يمكن ان استغني عنهم مهما كان الثمن و لا يمكن لأي رجل ان يسرق قلبي بعد ان كان لي تجربة فاشلة وتيقنت ان السعادة ليست بالزواج .
اما السيدة (أ) موظفة حياتي أصبحت بلا معنى بعد ان فقدت زوجي منذ أكثر من خمس سنوات ورغم ان أبنائي كبار وليسوا لرعاية خاصة ولكن الوحدة تقتلني بعدما هاجروا وتزوجت ابنتي وأصبحت وحيدة وان القلق والخوف من المجهول يرعبني واعتقد ان الامر صعب لأجد الرجل المناسب الذي يمنحني الحنان رغم أنني أرى في نظراتهم الكثير واقرأ أفكارهم .
من خلال ما تم التطرق سابقا نجد ان حياة المرأة قد يتحكم بها المجتمع والتقاليد وكذلك الخوف من المجهول والوحدة ولكن هذا لا ينطبق على جميع النساء فالمرأة في كثير من المدن قد تحررت بفكرها وتقاليدها وخصوصا الموظفات والحاصلات على شهادات تؤهلن على العمل براتب يجعلها تعتمد على راتبها الشهري لتؤمن مستقبلها , واعتقد ان مسالة الزواج من عدمه بعد سن الأربعين تصبح لديهن غير ضرورية بعد ان تعودن على حياة الاستقلالية والحرية وعدم الانصياع لأوامر الرجل ولكن البعض منهن قد ينتظر فرصة الزواج حتى بعد هذا العمر واعتقد ان هذا الزواج قد يكون ناجحا اذا ما كان الاختيار صحيح ولا توجد مقاصد او غايات مادية في الزواج .
المرأة مهما كانت بمركز مرموق ووصلت الى درجة عالية بالوظيفة وذات جاه ومال تبقى بحاجة الى حنان وحب الرجل وبحاجة الى عائلة حقيقية تحتضنها رغم كل المشاكل ومنغصات الحياة فنحن بعالم ليس خيالي وملح الحياة المشاكل .