تحية للمرأة المغربية المناضلة



عبد السلام أديب
2016 / 3 / 6

تقع مدينة أولوز بسوس العليا على السفح الجنوبي للأطلس الكبير، بمحاذاة واد سوس، واغلب مساحة المنطقة عبارة عن سهول خصبة بينما يتكون الباقي من مرتفعات جبلية. فأولوز يتمركز بشمال شرق إقليم تارودانت. حيت يبعد عنها بحوالي 82 كلم؛ وتعتبر المنطقة تابعة لعمالة تارودانت ولجهة سوس ماسة درعه.

تم الشروع في بناء سد أولوز في سنة 1985 هو سد واقع على واد سوس وتبلغ سعته 110 مليون متر مكعب من المياه ومعظم مياهه تأتي من جبال الاطلس الكبير ومن سد المختار السوسي. ويتواجد هذا السد في منطقة اولوز المعروفة بنشاطها الفلاحي كما عرف افتتاح مشروع سد سبت الكردان ومناطق من هوارة بمياه السقي كما ان هذا السد يعتبر مورد الحياة لمعظم فلاحي منطقة اولوز والفايض واداوكماض كما يعتبر مورد الموت لما يتسبب به من فياضانات في الفصول الممطرة.

وبدلا من ان يشكل بناء سد أولوز مصدرا لتنمية أوضاع الفلاحين الفقراء في المنطقة وتحسين معيشتهم، شكل على العكس من ذلك مصدرا لنهب أراضيهم وتشريد العديد من اسر الفلاحين الفقراء الذين كانوا يسكنون في الأراضي التي تحولت الى حقينة السد لتخزين مياهه، وذلك دون تعويض او إعادة إسكان الفلاحين الفقراء المنتزعة أراضيهم. كما اصبحت مياه السد تنقل عبر الانابيب نحو ضيعات كبار ملاكي الأراضي الفلاحية البعيدة عن المنطقة بعدما استنزفت الفرشة المائية بشكل خطير، بينما تحرم من هذه المياه أراضي الفلاحين الفقراء القريبة.

غير ان حدثا غير متوقع، مكن أراضي الفلاحين الفقراء القريبة من السد من مصادر مياه غزيرة نتيجة حدوث تشققات وثقوب في حقينة السد وهو ما قام الفلاحون الفقراء بمعالجته وتوزيعه على كافة أراضي الفلاحين الفقراء. لكن السلطات الفلاحية لم تقبل بهذا الوضع الذي يمنح استقلالية وتنظيم أكبر للفلاحين الفقراء ويجعلهم ينظمون انفسهم في مواجهة أي تدخل خارجي لتهديد استقرارهم ونهب أراضيهم.

في هذا الاطار تفتقت ذهنية الاقطاع والهيمنة عن فكرة جهنمية تتمثل في مفاوضة الساكنة الفلاحية لإقفال تلك الشقوق في الحقينة التي تتسرب منها مياه السد مقابل مد أراضي الفلاحين الفقراء بقنوات مياه معدنية يمكن أن يتم إيقافها او فتحها في أي وقت، مع فرض أنواع من الزراعات الموجهة نحو التصدير على الفلاحين الفقراء وهي الزراعات التي سيتحكم في تسويقها كبار ملاكي الأراضي الفلاحية طبقا لمخطط المغرب الأخضر، وبعبارة أوضح التحكم في مصير الفلاحين الفقراء من طرف كبار الاقطاعيين.

لكن الفلاحين الفقراء الذين استشعروا مخاطر هذا المخطط الذي سيضعهم تحت وصاية كبار الاقطاعيين ويدمر بالتالي امنهم الغذائي عبر الخضوع للإنتاج الوحيد الموجه نحو التصدير والذي سيدمير تنوع المغروسات في المنطقة والتي كانت تشكل وحدة الانسان والطبيعة في المنطقة طيلة قرون من الزمن، سينتفضون إذن ضد المخطط رغم ضغوطات السلطة ومحاربتها لهم عبر كافة الاشكال القانونية وغير القانونية والتي بلغت درجة تدمير زراعاتهم عنوة لدفعهم الى بيعها الى الاقطاعيين ومغادرة المنطقة. لكن مقاومة الفلاحين الفقراء لمنطقة اولوز الصلبة أصبحت مضربا للامثال وداع صيتها حتى خارج البلاد مما دفع بالعديد من المهتمين الأجانب الى زيارة المنطقة وتقديم الدعم التضامن لهم.

وفي خضم هذا الزخم النضالي برزت المناضلة كلتوم ايد عبد الله أخت الشهيد حسن اد عبدالله المؤسس لحركة الفلاحين الفقراء في المنطقة منذ عقد الثمانينات من القرن العشرين، كقائدة نقابية لنضالات الفلاحين الفقراء. كما برزت الى جانبها العديد من النساء الفلاحات المناضلات الأخريات.

لكن السمة البارزة لهؤلاء المناضلات هو كونهن في نفس الوقت فلاحات صغيرات يتعهدن اراضي صغيرة لا تتجاوز مساحتها الهكتار الواحد، لكن نظرا لضعف مداخيلهن المتأتية عن انتاجهم الفلاحي الهزيل فإنهن يتحولن الى عاملات زراعيات برغبتهن في أراضي كبار الاقطاعيين في المنطقة، ولو بأجور زهيدة جدا لا ترقى حتى للحد الأدنى للأجور المطبق في المدن. لكن هذه الاستماتة هي من أجل المحافظة على اراضيهن وعدم الاقدام على بيعها للإقطاعيين.

ومعلوم أن جل هؤلاء الاقطاعيون الكبار جاؤوا الى المنطقة انطلاقا من مدن أخرى، أغلبيتهم قريبون جدا من مربع السلطة، واستطاعوا الاستحواذ على العديد من القطع الأرضية الصغيرة للفلاحين الفقراء، شكلوا بواسطتها ضيعات كبيرة رأسمالية منتجة لعدد من المنتوجات الفلاحية القابلة الى التصدير نحو أوروبا كالحوامض على سبيل المثال. وهذهالمنتجات بالمناسبة مستهلكة للكثير من المياه الجوفية مما جعل أساليب استخراجها تستنزف بشكل خطير الفرشة المائية وبالتالي تعريض الكثير من أراضي الفلاحين الفقراء الى الاجتفاف وبالتالي الى التحول الى عمال زراعيين أو الإسراع ببيع أراضيهم والانتقال نحو المدن للعمل في الورشات الصناعية او الحرفية.

وتعتبر عملية حرمان الفلاحين الفقراء من مياه الري وسيلة مثلى لدفع هؤلاء الى بيع أراضيهم والتحول بالتالي الى عمال زراعيين في ضيعاتهم بأجور زهيدة، علما بأن لجوء هؤلاء الاقطاعيين الرأسماليين المتزايد الى مكننة الإنتاج الزراعي يقلص بشكل كبير من عدد العمال الزراعيين، إضافة الى أن أغلبية عائدات الزراعات المصدرة الى الاتحاد الأوروبي خاصة يتم ايداعها في الابناك الخارجية، وهذا ما يضرب في الصميم الاقتصاد المغربي سواء من حيث انهيار الامن الغذائي أو من حيث استنزاف الفرشة المائية أو من حيث عدم استفادة البلاد من عائدات المنتجات المصدرة.

هذا هو إذن الخطر الذي تأسست على أساسه نقابة الفلاحين الصغار، لمكافحة الاقطاعيين والسلطات المحلية الموالية لهم والتي تبدل كافة الجهود لتحقيق أهدافهم الهيمنية. وتتصدر صورة المرأة النقابية الفلاحة والعاملة الزراعية واجهة النضال ضد هذا الخطر المدمر في ظل غياب تام للأحزاب والمركزيات النقابية التي لا تفعل سوى مباركة السياسات اللاشعبية واللاديموقراطية واللاوطنية. فتحية للمرأة المغربية المناضلة السائرة على خطى الشهيدة سعيدة المنبهي.