المفهوم الطبقي لقضية المرأة



عادل احمد
2016 / 3 / 6

ان قضية المراة في المجتمع هي مثل بقية القضايا والمشاكل الأخرى، وهي قضية طبقية ولا تخرج عن سياق الصراع الطبقي على الرغم من وجود صلة التاريخية لهذه القضية. ان الحركة النسوية هي ليس حركة شاملة وواحدة ايضا. تنقسم هذه الحركة حسب مصالح الطبقات وتتحرك ضمن هذه المصالح في جميع مسائل الحياة. مادام مجتمعنا هو مجتمع طبقي، فان اي صراع او قضية تجري خطوطها وفق هذا الصراع وتنقسم رؤيتها حسب طبقات المجتمع، وتستمد قوتها بأشتداد الصراع الطبقي ونضالاته.
ان قضية الحركة النسوية الراديكالية في القرن التاسع عشر والقرن العشرين وحركة 8 مارس في جميع انحاء العالم كانت امتداد لنضال الحركة العمالية والشيوعية العمالية، وان قادتها هم من ابرز القادة الاشتراكيين وقادة نضال العمال الطبقيين. ان كلارا زيتكين وروزا لوكسمبورغ والكساندر كولونتاي كن من رواد الحركة النسوية ابان القرنين المنصرمين. وكانت قضاياهن لا تخرج عن تنظيم العاملات في منظمات نسوية جنبا الى جنب مع بقية فصائل الحركة العمالية، مثلها مثل الظلم القومي وقضية الفلاحيين الفقراء والشرائح المسحوقة تحت نير ظلم الرأسمال. واذا كانت قضية المرأة اصبحت شاملة في يومنا وتحاول ان تذوب الخلاف الطبقي في طياتها (كرؤية الشعبويين مثلا)، فأن قضية المرأة تخرج من قشرتها الراديكالية والحل الجذري لها وترتبط بالحركة الاصلاحية، والتي تقبلها البرجوازية برحابة صدر ما دامت لا تمس جوهر عملية الربح والرأسمال. ليس هذا فحسب بل وتحاول البرجوازية بكل امكاناتها ان تظلل وتبعد الحركة النسوية عن نضال الطبقة العاملة وحركة الشيوعية العمالية، وتحاول اشغالها بمسائل قابلة للتحقيق في ظل تراكم الرأسمال. ان المؤتمرات والورش وانخراط مجاميع من النساء في جمعيات ووحدات ادارية، ما هي الا ابعاد قائدات الحركة النسوية عن النضال الاصلي والمشكلة الاصلية.
اذا قارنا الحركة النسوية في يومنا هذا مع الحركة النسوية في بداية القرن العشرين، لرأينا نقاط ضعفها ومدى تأثيرها في تغيير القوانين المناهضة لحقوق المرأة. او انخراط النساء العاملات اكثر في صلب الحركات الاحتجاجية العمالية ولتحسين الحياة والمعيشة. ان الدول الامبريالية والرأسمالية المتطوة تحاول جاهدا ان تقرب قائدات الحركات النسوية في انحاء العالم مع مجاميع وادارات البرجوازية وتمولها بملايين الدولارات، لابعادها عن القضية الاصلية للمرأة وهي التنظيم النسائي للعاملات جنبا الى جنب مع العمال في صف متراص ومحكم وذو توجه مساواتي مع الرجل من اجل انهاء كل هذا الظلم على الانسانية. ان انفصال الحركة النسوية عن نضال الطبقة العاملة هي الفرصة الذهبية التي تقتنصها البرجواية بكل قوتها لابعاد الحركة النسوية عن الحركة المساواتية والانسانية وانخراطها في الصراعات الطبقية الجارية في المجتمع. وان تقديم الجوائز لفعالات الحركة النسوية العالمية وابرازهن على شبكات الأعلام، هي خطوة نحو اسكات اصوات الاحتجاجات النسائية عن طريق تقديم الرشوة وابعادهن عن النضال الاصلي.
ان مطالب النساء البرجوازيات تختلف كليا عن مطالب النساء العاملات وفي جميع الاوجه. ان مطاليب النساء البرجوازيات لا تخرج عن مطاليب الشراكة في عملية تراكم رأس المال واستغلال العمال. ان حق الانخراط في الانتخابات والبرلمانات والعمليات السياسية والادارية للنظام الرأسمالي والذي تنادي به المرأة البرجوازية، لا يأتي باي منفعة لقضية العاملات في مساواتهن وتحررهن من الظلم الجنسي والاضطهاد المنزلي.. ان انتخاب ماركريت تاتشر في بريطانيا او تانسو جيلر في تركيا او الشيخة حسينة في بنغلادش او انديرا غاندي في الهند او ترشيح هيلاري كيلنتون في الانتخابات القادمة في امريكا، لم ولن يغير اي شيء من معانات النساء والتمييز ضدهن ولن يعطيهن حق الاجر المتساوي امام العمل المتساوي مع الرجال في اي من هذه الدول.. ولن يغير من مكانة الامومة ورعاية الاطفال المتساوية.. ولن يغير من دونية المرأة واستغلالها الجنسي وأستغلال قوتها الجسدية في الادارات والتنظيف ورعاية الاطفال.. انها في احسن الاحوال ستكمل النصاب القانوني للجنسين للطبقة البرجوازية من اجل اتمام عملية استغلال الطبقة العاملة. ان حقوق انخراط النساء في السياسة او الادارات والترشح والانتخابات هي حقوق وواجبات النساء البرجوازيات في النظام الرأسمالي. ولكن هذا ليس بمعنى ان هذه الامور لا تخص المسائل الحضارية والمدنية، بل المعنى ان هذه الامور ليست هي فقط مطاليب الحركة النسوية، بل مطاليب الحركة النسوية العمالية والراديكالية تذهب ابعد من هذا، وتخص جميع الحقوق من الناحية الانسانية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
ان قضية المرأة ليس قضية نسوية فقط وليس هي قضية تخص النساء فقط، بل هي قضية اجتماعية وسياسية لجميع افراد المجتمع برجاله ونسائه. وان حركتها التحررية لا تقتصر على النساء المناضلات فقط وانما هي حركة شاملة يجب ان ينخرط الرجال والنساء مع بعضهما البعض في حركة مساواتية شاملة. صحيح ان تنظيم صفوف النساء العاملات هي من الاولويات الاساسية للحركة النسوية، ولكن ضمن تنظيم اوسع واشمل وهو تنظيم الطبقة العاملة. مثلها مثل المسألة القومية والتي تطلب انهاء الظلم القومي الواقع من قبل قومية مسيطرة على قوميات الأخرى في اطار النضال من اجل انهاء كل الظلم الطبقي في المجتمع الرأسمالي. ولكن قضية المرأة اوسع واشمل تخص كل القارات العالم وفي كل البيوت والمصانع والاسواق، في كل مكان هناك ظلم على المرأة بدرجات متفاوتة وعلى مستويات مختلفة ولكنه موجود وواقعي، ونسمع اخباره وردود الافعال ضده في كل مكان، ونسمع صيحات عدم المساواة يوميا في مختلف ميادين الحياة وفي جميع الاماكن.
اذا علينا ان نعمل من اجل قضية المرأة كما عملن قائداتها ورائداتها الأصليات في بداية القرن العشرين، علينا ان نربط الحركة النسوية بالحركة العمالية والاشتراكية.. وعلينا ان ننظم النساء العاملات في منظماتهن.. وان نحقق المطاليب الانسانية لهذه الفئة من المجتمع والتي هي جزء لا يتجزا من مجمل نضال الطبقة العاملة ضد الرأسمالية. ان تحرر المرأة نهائيا مرهون بتحرر الطبقة العاملة من تبعات الرأسمال وشره. وان كارل ماركس على حق عندما يقارن تطور اي مجتمع بدرجة تحرر المرأة فيه..