عظمة المرأة ليست في الأمومة فقط !!



حميد طولست
2016 / 4 / 8

عظمة المرأة ليست في الأمومة فقط !!
ـكثيرة هي المقالات التي كتبت في حق المرأة في يومها العالمي ،احتفاء بها وتمجيدا لدورها العظيمة في شتى المجالات وعلى رأسها كلها ، دورها الفريد والمتفرد في صنع أعظم بناء، ألا وهو «الإنسان»، الذي تتحمل من أجله آلام الولادة -التي أقل ما قيل عنها أنها تعادل آلام سبعين كسر - مدفوعة إلى ذلك بغريزة الأمومة ، التي لا يمكن الحديث عن المرأة في جميع أحوالها دون الحديث عن الأمومة كأقوى خاصصية ووظيفة ، ارتبطت عند المجتمعات القديمة بأنها هي مصدر الخلق واعمار الكون .
شيء جميل، بل من أوجب الواجبات أن نحتفل بالأم ، ونحتفي بالأمومة ، لكنه رغم كل ذلك ، أمر مستهجن اختصار كينونة هذا الكائن - الذي عانى الوأد على مر تاريخ العرب، كمصير لكل من تخرجت للوجود صبية وليست ذكرا - وحاجاته النفسية، والجسدية، والاجتماعية في الأمومة فقط، وتضخيم هذا الدور لديها على حساب غيره من أدوارها الجليلة الأخرى، بحجّة أنّه الدور الأهمّ ، والرسالة الوحيدة في حياتها ، والتي تتفرد بها وتتميز عن الرجل، وننسى أنّها قبل أن تكون "أُمّا" هي إنسان جنسه أنثى ، ننعثه مجتمعياً امرأة.
ولا أقصد بهذا الطرح الإساءة لدور الأمومة أو التقليل من ضرورته وأهمّية وجوده في الحياة ، كما يمكن أن يتبادر لبعض الدهنيات المريضة ، وأؤمن بالعطاء والعاطفة الفريدة التي تنطوي عليها الأمومة التي لا يختلف حولها اثنان. لكن أقصد التنبيه فقط إلى مدى خطورة استحواذ دور الأمومة، وتلبسه شخصية المرأة، إلى درجة إلغاء كل الأدوار الأخرى التي تؤديها وبفعالية ، وتكريس الصورة النمطية التي تربط ما بين الأنثى والأمومة، على اعتبار أنه لا شرعية لوجود الأنثى إلا بطاقة الخصوبة والإنجاب الذي يعتبر المعيار الوحيد لوجودها الإيجابي اجتماعيا ، المعيارية التي لا تنال المرأة ذلك النصيب من التقدير والإكرام إلا به وعليه ، أي عندما تنجب وتصبح أماً فقط ، إلى درجة أن آمنت المجتمعات غير المتقدمة بأنه لا يعقل أن يكون الكائن الإنساني امرأة دون أن يكون أماً ، أي لا شرعية لوجود أنثوي بدون انجاب وإنجاب الذكور بالتحديد ، هذه المعيارية المفتقرة في الكثير من وجوهها ، للمعاني الإنسانية وقيم الحرية ، تمثل للأنثى في وجودها عنفاً صارخاً ، لا يقل عن عنف إعتبارها وعاء لتفريغ كبت الذكر الجنسي وما يشكل من قهر جنسي ، ناتج عن ذلك التفكير المتخلف الذى أفرزه الفقه الصحراوي البدوي ، والذي عمل ويعمل الرجل والمرأة ، على حد سواء ، وبشتى الطرق لتكريسه كثقافة مجتمعية، وإن كان بأهداف مختلفة، حيث وجد الرجل في الأمومة، وعبر عصور التاريخ، السلاح الأجدى لاستعباد الأنثى، والوسيلة المثلي لإقصائها عن الميادين التي يصول فيها ويجول على هواه والتي تزيد من سلطويته الذكورية ، ووجدت المرأة في ثقافة تقديس المجتمع للأمومة ، فاستغلتها لأغراض دفينة متنوعة المرامي والأهداف، من توطيد مكانتها في محيطها وفي المجتمع، أو الحفاظ على الزوج وتقييده ، عند من ترى أن الأمومة جزء مهم في تمكين المرأة ، واستقرار علاقتها الزوجية، أو للانتقام من الرجل والمجتمع عند من تعتبر أنهما أقصياها بعيداً عن كلّ ما ترغب في تحقيقه من المكانة ، العلمية أو الاجتماعية أو الاقتصادي أو السياسية ؛ رغم عدم اعتقاد النوع الأخير من النساء أن الأمومة أمر طبيعي وحتمي، وغريزة فطرية مقدسة، كما نظرت إليها الأديان السماوية، والتي لم يخرج الإسلام عن منظومتها، التي قال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم: "تكاثروا فإني مفاخر بكم الأمم". بل ترى فيها ما تراه معظم الحركات النسوية المعاصرة، أنه دور اجتماعي، فُرض على المرأة منذ أقدم العصور، ويحتاج الى استعداد نفسي كبير يمكّن المرأة من أن تعيش جميع أدوارها التي تتكامل وشخصيتها الإنسانية بتوازن من خلاله، فلا يطغى دورٌ على آخر ..
وإذا كانت الأمومة بالنسبة لبعض النساء أمرا فطريا وغريزيا، فإنها بالنسبة للبعض الآخر لا تتعدى كونها إرث نظام ديني بطريركي ذكوري كان وراء ردة فعل عنيفة لنساء متعلمات ك"سيمون دو بفوار" التي رفضت الأمومة واعتبرتها "عبودية التناسل"، و"فرجينيا وولف" التي ثارت على الصورة النمطية للمرأة الزوجة غير الأنانية والنقية والجميلة والسامية وشبهتها بـ"ملاك البيت" الذي يجب أن تقتله كل امرأة بداخلها لكي تنجح وتبدع، و"ثبيتي رولن" التي قالت عن الأمومة أنها "الأسطورة محطمة الأرقام القياسية لأطول الضلالات عمراً في التاريخ".
ومهما كان من أمر الأمومة، وما قيل فيها وعنها ، فإن حنان الأم لا يوازيه حنان لأنها الأصل والأساس والجذر والمنبع والمنبت والمنشأ. وكلنا يريده أن يبقى دائماً وأبداً حتى وإن كبرنا وحتى لو شخنا.. وهي تستحق كل تكريم لأنها هي الأخت... والإبنة... والزوجة... وهي فوق كل ذلك الأم والمدرسة فهي التي تربي وتوجه وتقوم وتعلّم وتنَشئ وتدير وتدبر الشعوب الطيبة ، كما قال فيها الشاعر صادقا:‏
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق

حميد طولست [email protected]