نساء عدن ... وحكم الشمال



بكر أحمد
2005 / 12 / 5

في السبعينات من القرن الماضي ، خرجن نساء عدن وأحرقن بالميدان العام في المدينة الشيادر ، وهي العباءات التي كانت ترتديها العدنيات كناية عن تحرير المرأة من نمط الماضي ، وحقيقة فأن نساء عدن قد نلن حقوقهن كأكثر النساء العربيات إطلاقا ، وكن أول وأكثر من دخلن القضاء ومنع التعدد في الأزواج إلا بأذن حكومي يرى ضرورة فعل ذلك ، وتواجدن على مستوى جميع المؤسسات سواء كانت حكومية أو مدنية ، فتاريخ المدينة المدني وانفتاحها كان يؤهلها لذلك ، فالحكم الاشتراكي الذي جاء بعد الحكم البريطاني هو نظام تقدمي راعى كثيرا الحداثة وشجعها ودعم المرأة على اعتبار أنها مرتكز ومحور مهم للنهوض بالإنسان اليمني ، وفعلا وفي منتصف الثمانينات تم القضاء نهائيا على الأمية .

هذا كان في الجنوب أما في الشمال ، فنمط القبيلة الممزوج بالدين هو السائد ، بمعنى أن الحالة الذكورية هي المهيمنة وهي التي تسن القوانين التي تناسبها وتؤكد على مكانتها ، وبطبيعة الحال كانت القوانين مستمدة من العرف ، فلا قانون هناك ولا مؤسسات يعتد بها ، وكانت المرأة مهمشة ومن العار جدا حتى ذكر أسمها وكان منتشر بينهم الغطاء العثماني الذي يغطي الجسد كاملا مع الوجه .
هذا التفاوت الكبير بين الشطرين في اليمن كان عبارة عن هوة كبيرة ظن البعض أنه سيردمها عبر الوحدة الاندماجية الفورية على اعتبار أن كل شطر سيأخذ أفضل ما لدى الآخر ،وفعلا تمت الوحدة في عام 1990م ، ونحن الآن أواخر عام 2005م أي خمسة عشر عام من الوحدة التي اعترتها الكثير من الأختلالات السياسية والإجتماعية والثقافية .

الزائر لمدينة عدن الآن قد يفجع من حال النساء ، فردتهن الفورية للمظهر القبلي الديني عاد وبقوة عبر دهاقنة الدين المتمثلة في حزب ديني تحالف مع علي عبدالله صالح للقضاء على ما أسموهم آنذاك بالشيوعيين الملاحدة ، وعبر أيضا تسللهم لتلك المدن وإقامة تجمعاتهم والتبشير بصحوة وإرهاب فكري وديني ، وأمام ضعف هيمنة الحزب الاشتراكي تم الاكتساح التام وتغير النمط المدني للمدينة إلى ساحة عزاء مستديمة تجتر كل شيء عبر مجاريها وتنسال خيفة من تكفير رقيب أو سطوة رجل دين .

والسؤال هنا ، كيف أنه وأكثر من ثلاثون عاما من حكم مدني تقدمي ضاع في فترة تكاد تكون نصفها ، والأشد إيلاما أنه الجيل ذاته الذي لم يتغير والذي عاصر الفترتين هو من غير مفاهيمه ، ولماذا جرفت القبيلة كل مكتسب متفاخرة بنمط معيشتها الهمجي واحتقار كل من يحاول أن يستفرد بشخصيته ويستقل بذاته .

في دراسة مؤخرة لملتقى المرأة اليمني أثبتت أن الزواج المبكر يمثل أغلبية في الزيجات الحادثة في اليمن ، بل أني قرأت قبل فترة عن فتاة في الثالثة عشر من عمرها هربت في ليلة دخلتها آخذة معها كتبها المدرسية من زوجها الكهل ، وهذا الزواج لا يكاد يكون سوى نوع آخر من أنواع الرق والكسب .
الآن المرأة اليمنية تعاني من تخلف كبير ، فنسبة الأمية بينهن تكاد أن تصل إلى 70% وتعتبر المرأة اليمنية من أكثر النساء خصوبة ، وبين الجهل وكثرة الأطفال ، يا ترى ماذا نستطيع أن نؤهل من جيل قادم .

سقوط الحزب الاشتراكي وهيمنة حزب الشمال بكل ثقافته على الإنسان اليمني ، إضافة إلى حالة التكسر في الأخلاق والنزاهة المترادفة مع حكم صالح لا يجعل هناك من أمل نحو التغير الإيجابي ، فثقافتهم وطريقة معيشتهم ترفض هذا التغير ، كما أنها تعتبر الاقتراب من هذه الأمور هو اقتراب للعرض ومس بالشرف ، وسيبقى الحال كما هو عليه ماداموا هم من يمسك على مقابض الحكم من جيش وعسكر ورجال دين وإعلام .

خسرت المرأة العدنية الكثير ، خسرت ما جنته ، وهذا ليس دلالة على أن تلك المكاسب هي أشياء دخيلة على الثقافة والتربة اليمنية ، فحين أخذت المرأة تلك النقاط لصالحها أخذته عن طريق قوة الدولة وفرضها كأمر واقع ، وحين نزعت عنها ، أيضا نزعت عنها بالقوة وسطوة القبيلة وتفكيك المجتمع المدني القائم في ذاك الوقت ومحاربته حتى الساعة .

أنعقد المؤتمر الخاص بالمرأة العربية في صنعاء وتم اختيار تلك المدينة مقرا دائما لمدة ثلاثة سنوات قادمة وانتخبت امرأة يمنية أمينا عاما لها ، كما أن الأحزاب اليمنية تتسابق في سن القوانين التي تدمج المرأة في قيادتها وتحث على حضورها في كافة المجالات ، وهذه القوانين ستبقى حبرا على ورقها مادام السائد هو مجتمع يقع تحت هيمنة فكر القبيلة والدين ومادامت المرأة حتى الآن لم تقرر خوض المعركة أصالة عن نفسها بكثير من الجرأة والشجاعة .