المرأة والكيانات الحزبية



صاحب الربيعي
2005 / 12 / 6

تتخذ معظم الكيانات الحزبية من قضية مساواة المرأة شعاراً لها بغية استقطاب أكبر عدد من النساء في صفوفها لكنها بذات الوقت تخلو قياداتها الحزبية من العناصر النسوية. هذا التناقض بين المعلن والمخفي يكشف بوضوح مدى الهوة بين الادعاء والتطبيق، فالمنظمات النسوية الملحقة بالكيانات الحزبية تقودها النساء شكلياً وقراراتها تصدر في الغالب عن الرجال والادعاء بـ (التقدمية) لايتعارض والهيمنة الذكورية على قيادة كافة المنظمات الحزبية، وتبقى المرأة أداة الزينة، للاجتماعات العامة واللقاءات الحزبية وشعاراً للتعبير عن مساواتها بالرجل!.
ارتضت معظم (المناضلات) الحزبيات بهذا الدور الهامشي الذي منح لهن، وعمدن أحياناً بوعي على تحجيم دورهن من خلال سعيهن لطلب المساعدة في إنجاز المهام الحزبية من الرجال وبذلك رهن دورهن وحجمن ذاتهن وقللن من مكانتهن في الكيان الحزبي وانعكس ذلك على مجمل عملهن السياسي في المجتمع!.
وقد يستغل الرجل الحزبي حالة عدم الثقة بالنفس التي تعاني منه إحدى المناضلات (القيادية) في الحزب وحاجتها الماسة للمساعدة لتأكيد دورها داخل التنظيم الحزب ويجعل منها عشيقة ورفيقة في آن واحد، تنقذه من كبته المورث وينقذها من حالة الإرباك في أداء مهامها القيادية في الحزب!. ومع الزمن يختفي دور الرفيقة المناضلة ليحل محله العشيقة المناضلة الساعية أبداً لإثبات دورها كمرأة ليس من خلال اعتماد سُبل النضال لتحقيق المساواة وأنما من خلال استخدام جسدها لتحقيق ذاتها!.
يعتقد ((نقولا الشاوي))"أن الرجل الحزبي مازال غارقاً في لا وعيه الذكوري، وأن كان مستيقظاً أحياناً في وعي سياسي إجمالي. على أن المرأة تحت ستار مساواتها بالرجل تتحول بالنسبة إليه إلى إطار يستطيع من خلاله أن يُنفس كبته الوجداني الطويل دون أن تحوز المرأة بالكامل على هذا الامتياز لأن ظل الرذيلة والسقوط ما يزال يلاحقها في ذهنها وفي ذهن (رفيقها)".
وهذا الأمر لاينفي وجود نساء مناضلات عن حق يفرضن وجودهن في القيادات الحزبية، بل أن البعض منهن أصبح رقماً صعباً لايمكن تجاوزه في اتخاذ القرارات الحزبية بالرغم من حجم الضغوط الذكورية للمناضلين داخل الحزب لتحجيم أدوارهن.
إن الكيانات الحزبية ليست دوراً مقدسة للعبادة (كما يحلو للبعض تصوريها!) أنها منظمات حزبية تضم في صفوفها كائنات مختلفة التربية والانحدار الطبقي لكل منهم ظروفه الخاصة وحياته الشخصية وحالته النفسية ودوافعه في الانتماء للكيان الحزبي، والمرجل الحزبي ليس بوسعه صهر كل تلك الكائنات وسباكتها في قالب (كائن) خالي من الشوائب الاجتماعية!.
إن العلاقات الإنسانية الحميمة داخل الكيان الحزبي توفر الأجواء المناسبة لعلاقات الحب والعشق بين الرفاق والرفيقات، فالكيان الحزبي ليس مكاناً للممارسة طقوس النضال الحزبي فقط وأنما لممارسة كافة العلاقات الإنسانية الأخرى، لكن عملية الخلط بين العلاقات النضالية والعلاقات الإنسانية يسبب إساءة بالغة لكلا المهام خاصة أن كانت تتعكز إحداها على الأخرى فتنال من مكانتها ودورها المفترض.
تعاتب ((غادة السمان)) مناضلاً حزبياً قائلةً:"لقد أتقنت معي حياكة وجه المناضل وربحت الكثير منه ووثقت علاقاتك التجارية عبره وأنا لا أداري".
غالباً ما تسفر عملية الخلط بين العلاقة الحزبية والعلاقة الإنسانية عن أضرار بالغة بالكيان الحزبي فكلا الطرفين (الرجل والمرأة) يمكن أن يتخذ من المشاجب الحزبية أداة لتعليق خسارته أو فشله في إدامة علاقة الحب. وبدلاً من أن يتم مناقشة الأسباب الحقيقية وراء فشل علاقة الحب، تناقش مسألة المبادئ (الحزبية) باعتبارها أساس العلاقة وليس بمعزل عنها وكأن العلاقات الإنسانية لايمكنها أن تتم إلا إذا اتخذت من المبادئ الحزبية سبيلاً لها!.
تتحدث ((غادة السمان)) عن لسان الرفيق الحزبي الذي أنهى علاقته مع رفيقته الحزبية قائلةً:"كنتِ تعشقين جسدي وتغطين تلك الصلة المخزية في نظرك بقشرة (عقائدية) حيث تتبنين فكري، ثم تضخمين لنفسك أخطائي لتبرير هجرك لي فكرياً. بعدها هجرتك أنا!. اعترف لكِ بأنني أُفضل عاهرة حقيقية على مفكرة (عقائدية) هيولية تخلط بين ذورتها الجسدية وفرحتها الفكرية".
هذا الزعم النضالي-الحزبي الذي يبني توجهاته المساواتية للمرأة ويتخذ من جسدها جسراً (أو تتخذ من جسده جسراً) للفوز بالزوج أو العشيق لتحقيق مصالح ذاتية أكثر منها نضالية أساءت بشكل كبير لقضية المرأة ذاتها. وهناك العشرات من الأمثلة الحية تكشفت من داخل الكيانات الحزبية تؤشر حالة الخلط بين العلاقة الحزبية والعلاقة الإنسانية.
فقد أصبح بعض قادة الكيانات الحزبية (زيراً للنساء!) متخذاً من المنح الدراسية شباكاً للإيقاع بـ (المناضلات) أو ملوحاً بالمكانة الحزبية لهن، فيتحول الكيان الحزبي من كيان سياسي إلى مركز للقوادة وتم تحويل بعض النساء من مناضلات إلى عاهرات تبيع أجسادهن لقاء تحقيق مصالحهن الذاتية. وتبقى العلاقات الغرامية شأن ذاتي سواءً داخل الكيان الحزبي أو خارجه بالنسبة للرجل أو المرأة، لكن أن يتم اتخاذها وسيلة للفوز بمصالح ذاتية وعلى حساب المهام النضالية فإنها تثير العديد من الأسئلة!.
أبان الحرب العراقية-الإيرانية وجه الاتحاد العالم لنساء العراق كتاباً (نشرت نصه معظم مواقع الانترنيت منذ عام) إلى فروعه في المحافظات طالباً إرسال عدداً من أعضاء الاتحاد تتراوح أعمارهن بين 18-25 سنة (بدون مرافقة ذويهن) لحضور حفلة ترفيهية لمدة ثلاثة أيام تقام على شرف كبار ضباط الجيش العراقي العائدين من الجبهة وستنال العضو المشاركة مكافئة مجزية تبعاً لنشاطها في الحفلة!.
هل توجد تسمية تليق بالاتحاد العام لنساء العراق أكثر من تسمية اتحاد الدعارة لحزب البعث؟. بات من الصعب الفصل بين القضية السياسية والقضية الشخصية وبين المساواة كمبدأ إنساني وعبودية الجواري وبين هذه وتلك فقد النضال السياسي بريقه كقضية اجتماعية تطالب بالحرية والمساواة لجميع فئات المجتمع.
تتحدث ((غادة السمان)) على لسان بطلها المناضل قائلةً:"أنا لم أتخل عن القضية، هي التي تخلت عن نفسها. أنا لم أهرب إلا حين وعيت أنني لست أكثر من حجر شطرنج على رقعة اللاعبين الكبار...كنت دائماً أحاول أن أنجو بنفسي واستمر، كان ذنبي الوحيد أنني أكثر ذكاء من الذين ماتوا ضحايا وهم يتوهمون أنفسهم أبطالاً وأنني وعيت الآتي قبل سواي".
إن الوعي الكامل بالقضايا الاجتماعية والإدراك لحدودها ومهامها الأساس يجنب الوقوع في شراك التداخل الذي يضعف القضية ومهامها. كما أن مستوى الوعي للفرد، له الدور الأساس في الدفاع عن المصالح الذاتية فلا يجوز للمرأة الركض حتى اللهاث وراء الرجل للمطالبة بحقوقها، وكأن الرجل هارباً بالحقوق ومطلوب القبض عليه حياً أو ميتاً. إنها قضية اجتماعية تنخر ركائز المجتمع، وتتطلب حلول جماعية تساهم النساء بها بشكل فعال بعيداً عن شعارات وادعاءات الكيانات الحزبية الكاذبة الساعية للكسب الحزبي أكثر من سعيها إلى المساهمة في إيجاد الحلول اللازمة لها.