هل هي جانية ام مجني عليها ؟



فؤاده العراقيه
2016 / 5 / 4

الكوارث والمصائب تأتي تباعاً واغلب الاحيان تكون نتاج للجهل وللفقر وان اجتمع الاثنان فالمصيبة ستكون اعظم ,ولكن للجهل تأثير اقوى بكثير من الفقر فهو كارثة الكوارث حيث يمكننا فيما لو تعمقنا بمعناه وبنتائجه في ان نعزو له حتى اسباب الفقر ولهذا السبب نجد الكوارث تكثر في المجتمعات التي يكثر بها الجهل .
من ضمن هذه الكوارث الناتجة عن الجهل هي جرائم ألقتل ,حيث كلما ازدادت نسبة الجهل ازدادت معه نسبة الجريمة فللجهل قوّة خارقة في تشويش العقول حيث يتسبب بحالة من فقدان القدرة في التحكم بأفعال أي إنسان جاهل فيكون منقاداً لقوى غيبية لا يعرف كنهنا لكنه مسيّرا بها دون أن يدري فالحياة لديه قد توقفت منذ طفولته عند نقطة معينة وحدود خضع لها من مفاهيم ثابتة وإيمان مطلق وقوانين جعلت منه ساكن وقانع وقابع في مكانه وبالتالي فقد قدراته تدريجيا وفي لحظات الغضب سيفقد اعصابه وربما يرتكب الجريمة لعدم قدرته على التحكم بإرادته فتكون الجريمة مبهمة الاسباب أو لا سبب يدعو لها , فعندما تكون الجريمة بلا مبرر فعلينا ان نتوقف عندها ونعيد النظر برداءة منظومتنا التي جعلت من مجتمعنا في ان ينحدر إلى اسفل السافلين وينقاد لقوة الجهل التي هيمنت عليه .

حصلت قبل اشهر جريمة قتل مزدوجة حيث شملت الجانية والمجني عليهنّ ,هي جريمة بحق الجانية اولا ولكن بطريقة غير مباشرة اوصلتها إلى قتل بناتها ومن ثم كانت بحق بناتها , فلو تعمقنا بأسباب هذه الجريمة سنتوصل لجذور وأسباب هذه الجريمة الغريبة ,,اقول غريبة لفظاعة الموقف ولندرة حصوله لكون الدافع للجريمة لم يكن السرقة ولا عداوة او ثأر وما شابه ذلك من اسباب ولا نتاج لمرض السادية لكون الجانية هي ام والمجني عليهما طفلتيها البالغتان من العمر 7 سنوات و5 سنوات , قتلتهما خنقاً وطعنا بالسكين فكانت جريمة مبهمة الأسباب وتقشعر لها العقول أو بالأحرى لا سبب يدعو للقتل سوى حالة من فقدان الصواب انتابت الجانية من جراء الضغوطات العديدة التي تعرضت لها , هذا النوع من الجرائم الغريبة لم تكن موجود في مجتمعنا العراقي سابقا بل وحتى لم نكن نسمع عن أي جرائم قتل إلا فيما ندر لكنها ازدادت بعد ان بلغت نسبة الفقر حوالي 25% ونسبة البطالة بلغت حوالي 40 % أو اكثر والحالتان في طريقهما للازدياد .
تأملت أسباب هذه الجريمة مليا نظرا لخطورة الوضع الذي وصلنا له , فكيف لحادثة مثل هذه في ان تمر مرور الكرام وتطوى بالحكم على الجانية بأقسى العقوبات دون البحث عن الدوافع الحقيقة لها .
فهل هي حالة من الجنون انتابت الأم لكثرة الضغوطات التي وقعت عليها ؟ أم هو قهر الزوج عليها كما ذكرت هي ؟ ام القهر الواقع عليها من الأهل منذ ولادتها ؟ام اجتمعت عليها كل انواع القهر هذه ؟

هي امرأة بسيطة لا تدري من حياتها شيء منذ ولادتها حيث كانت صمٌ بكمٌ لا تسمع سوى الاوامر ولا يسمح لها بالنطق سوى بما يرغب المحيط , كبرت ولم يتغير الحال عليها بل ازداد سوءا بعد زواجها من رجل اصم وأبكم رغما عنها , ورغما عنها انجبت طفلتيها وهي غير مؤهلة للإنجاب ,ورغما عنها عاشت حياتها وهي لا تعرف ما يدور خارج بيتها بعد ان اوصدت عليها جميع الابواب وبإحكام فضاقت كل انواع القهر والتهميش وانتهت بفعل لا يصدّقه الخيال وبالتالي الحكم عليها بالموت لتختم بموتها تلك الحياة التي هي بالأصل لا تمت بصلة للحياة ,ولتنهي معاناتها التي استمرت منذ ولادتها بفاجعة يندى لها الجبين لا يفعلها الإنسان السوي .

إلا يُصدق العاقل ما يحدث من ضغوط للنساء تهد الجبال وتفقد عقولهنّ ؟ والجنون لا يأتي اعتباطا بل هو نتاج لعدة اسباب منها تتعلق بالوراثة رغم ان هذا سببا استطاع العلم السيطرة عليه وتمكنت الامم المتقدمة من توفير جميع متطلبات الإنسان الرئيسية لتضمن حقه في الحياة , ولكن مع كثرة الضغوطات التي يتعرض لها الإنسان لدينا ومع الحصار الموجه لعقله بالدرجة الأساس فقد نصّدق مثل هذه الحوادث ونتوقع لها ان تكون في ازدياد .
ولكن حدث العاقل بما يُعقل , فكيف ومن اين جاءت هذه الام بمثل هذا القدرة على قتل بناتها ؟ اي حالة وصلت لها بحيث قتلت بناتها لتخلّصهم من عذاب هذه الدنيا ,كما ذكرت هي ,ومن ثم باتت تتمنى وتحلم بالموت لعلها تلتقي بهم .

ذُهل الجميع وتمنوا لها العذاب والموت فالمرأة مذنبة وأن لم تذنب وينبغي لها ان تكون هي المقتولة دوما وغير هذا سيكون جرمها مضاعفا فيما لو تذمرت أو خرجت عن ما هو مألوف وحاولت التمرد , فما بالنا وهي قاتلة لبناتها ؟
الشيء الغريب هو ان المحيطين بها نظروا للطفلتين المقتولتين كما لو إنهنّ ذكورا فساووا بينهنّ وبين الذكور من حيث محاسبة الجانية وانفعلوا وتألموا لهنّ فاستغربت لموقفهم هذا لكونهم اهتموا لأمر الطفلتين , ولكوني اعلم والجميع يعلم بان مصير هاتين الطفلتين فيما لو بقيا على قيد الحياة فسيكون كما هو مصير والدتهنّ ,أي اموات على قيد الحياة, فلن يختلف المصير من ناحية القهر والضغوطات لكون مجتمعنا لا يزال يحمل جذور القبيلة التي حمّلت المرأة اعباء اكثر من طاقتها دون ان يتحرك خطوة واحدة في طريق التطور ,فتساءلت عن انفعالهم رغم انهنّ إناث وبمجتمعنا تكون به الإناث اغلب الأحيان مسلوبات الحقوق والحياة وتُجرّم الأنثى فيما لو طالبت بحقوقها وأرادت الحياة وهناك فوارق كثيرة بينها وبين الذكور وسأتناول منها الشيء القليل, ففي حالة قتل الزوج لزوجته سيكون الامر عاديا حيث وضعوا عدة تبريرات لقتلها كأن يكون غسلا للعار كونها تحمل شرفه دون ان يحمله هو, او كأن تكون لحظة عصبية فيُبرروا له قتلها بعدة تبريرات , ولا يزال القانون في السعودية يبرأ الأب في حالة قتل أبنائه ولكنه لا يبرأ الام , لست بصدد المطالبة بتبرير للمرأة في حالة ارتكابها للجريمة ولكني بصدد توضيح بعض من التميّز الذي استند على ان المرأة ليست انسان مكتمل بل هي ناقصة الأهلية ومسئولة من الرجل فيحق له ما لا يحق لها .
فوقفت الغالبية ضد هذه المرأة وطالبت بتوجيه أقسى العقوبات عليها وهي الموت, رغم انها ماتت منذ أن قتلت طفلتيها ,بل هي ميتة منذ ولادتها ولكنهم لم يكتفوا بعذابها الذي هو اشد من الموت , وأجتمع الكل على إدانتها وحمّلوها المسؤولية كاملة , ولأول مرّة تتحمل هي المسؤولية بعد ان اعتبرها المحيط منذ ولادتها غير مؤهلة لفعل اي شيء حيث كانت منقادة لأهلها ومن ثم لزوجها وكان عليها ان تتحمل زوجها رغم عذابها وتتحمل عذابها لأجل بناتها كما تتحمل بقيت النساء ,صحيح عليها ان تتحمل ولكن هل انعدمت جميع الحلول ولم يبقى سوى تحمل مرارة هذه الحياة ؟ وتحمل وضع مثل هذا هو الموت المتكرر ولهذا قررت هي ان تموت مرّة واحدة ولكنها ففكرّت ببناتها وما سيكون مصيرهم فقتلهم لتخلّصهم من عذاب الدنيا ومن ثم اللحاق بهنّ , وما اشد لحظاتها تلك وما اعظم عذابها الذي تعجز الكلمات عن وصفه .
لم يطرح أي شخص السؤال بخصوص هذه الجريمة , ما السبب ؟ رغم انها كررت مرارا بأنها ذاقت مرارة القهر من زوجها , ولكن الغالبية تعاطفت مع الزوج لا حبا به بل انتقاصا منها , ولا لكونه من ذوي الاحتياجات الخاصة بل لمجرد كونه رجل , ولم يسألوا انفسهم ربما يكون السبب فعلا من زوجها , تعاطفوا معه لكونه اصم وأبكم , لكن من قال بأن الزوج سيفقد سلطته وتسلطه بسبب عوقه ؟

اغلب الاوقات تكون النساء في مجتمعنا صمٌ وبكمٌ رغم سلامة الحواس لديهنّ فيتملكهنّ العوق لغاية العجز وهنّ سالمات فتُطمس قدرات المرأة برمشة عين فقط وتٌقتل روحها بسهولة بالغة بل وصارت هذه الحالة طبيعية لدينا , في الوقت الذي به يكون الرجال سالمين مهما اصابهم من عوق , هذا واقع مرير علينا تأمله .

فالرجل لا يعيبه شيء لكن المرأة تعيبها ابسط الامور فهي بحد ذاتها عورة وعيب ومهما امتلكت من مميزات يبقى العيب ملازماً لها لغاية قبرها , هكذا توارث مجتمعنا المفاهيم وهكذا تبرمج العقل العربي وهكذا صارت موازينهم حيث يشفقون على الرجل وخصوصا لو كان من ذوي الاحتياجات الخاصة ,بل سيغض النظر عن نواقصه وعيوبه دوما ,مع جل احترامي لذوي الاحتياجات الخاصة ولكن هذا لا يمنع من اعفائهم من مسؤولياتهم وان كان زوجها اصم وأبكم فهذا ليس تبريرا يجعله لا يقدم على تعذيبها , يبقى رجل في نظر هذه المجتمعات رغم كل ما يفعله وعليها خدمته وطاعته وأن اهانها وان ضربها فعليها ان تضع كل الاهانات جانبا وتراعيه وتراعي بناتها, والزوج لا يضعفه شيء مقارنة بزوجته حيث يبقى هو الاقوى ولا تمنعه أي إعاقة من أن يعذّب زوجته ويهيمن عليها وكأن تعذيب الزوجة فرض وواجب على زوجها , هذا مفهومنا لا نجرأ على مبارحته ,حساب القيمة على اساس الجنس ولا قيمة للثقافة وللوعي ولغيرها فهناك من النساء من هنّ متفوقات على ازواجهنّ ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا لكن الزوج يبقى متفوقا عليهنّ وفق العرف والموروث والقانون ,وكيف لا ونحن لا زلنا نحكم وفق مفاهيم ما قبل قرون ولا زالت شهادة الرجل امام شهادة امرأتين وأن كانت ألامرأتين بأعلى مراتب الوعي والعلم والذكاء والرجل الذي لا يقرأ ولا يكتب تكون شهادته بشهادة امرأتين يتفوقنّ عليه من كل النواحي .

نسير نحن في العراق وبقية بلدان الوطن العربي وفق روتين ومنهج معينين يقتضيان قتل القاتل , ولا غرابة من هذا النهج بعد ان صار القتل شيء عادي لا يقف عنده الكثيرون ليتأملوا بأسبابه .




مقالي هذا ومن دون شك هو ليس رخصة للقتل ولا هو تبريرا لسلوك هذه المرأة ولكني ادين سلوك وأحكام هذا المجتمع الذي يزيد وحلنا وحل بأحكامه وسلوكياته وأفعاله عندما يرتكب الضعيف اي ذنب دون ان يبحثوا بأسباب تلك الذنوب .
هو اعادة النظر بمنظومتنا الثقافية التي همّشت شريحة كبيرة من المعنفين ووضعت اللوم دوما على الضعيف ومحاولة ايضا للتعمق بأسباب تلك الجرائم والوصول لجذورها وعلينا دراسة حالة النساء المعنفات ومحاولة إضفاء الشرعية لهنّ في الدفاع عن انفسهنّ في حالة تعرضهنّ للتعنيف قبل ان تفقد عقلها وترتكب مثل هذه الجريمة البشعة , فهل سنحتذي بالبلدان التي تقدمت علينا دهرا لنحتضن المرأة المعنفة ؟

بوعينا نستعين فدمتم بوعيكم سالمين